يعمل الدكتور مصطفى حجازى فى مجال صناعة الفكر، وهو مؤسس مركز متخصص فى الفكر الاستراتيجى، وشركة تعمل فى مجال الحوكمة، وتطوير مؤسسية الشركات، والكيانات الصغيرة، ويشمل مجال عمله تقديم خدمات استراتيجية، لتطوير الكيانات والمجتمعات، لكن للرجل قصة ورؤية، الأولى مع الثورة حيث كان أحد العقول التى سعت إلى «مأسسة» ميدان التحرير، حتى تتحقق منه الأهداف المرجوة، وبعد الثورة يطرح رؤية جديدة تتجاوز الحزبية والأيدولوجية الضيقة، وتتسم بالعمومية الجامعة.
■ بدأت معه من قبل الثورة.. أين كانت المشكلة الرئيسية، هل كانت مجرد استبداد حاكم؟
- الأهم من الاستبداد كان «نزع الإنسانية»، على مدار فترات طويلة سواء كانت قهراً أو طوعاً. وتلك هى البداية الأساسية لأى عملية إعادة هيكلة سواء لشركة أو لوطن، بأن نعيد الإنسانية أو ما يسمى «أنسنة» الكيان، وعندما ننتهى من الأنسنة نصل إلى مرحلة وضع الرؤية الكلية، فى إطار هذه الإنسانية، ثم ننتهى إلى ما يسمى المأسسة.
والأنسنة بمعنى بسيط جداً هى أن نعيد لهذا الكيان المعايير، التى يترتب عليها نجاحه أو فشله، فى أى مجتمع، سواء صغر أو كبر بما يحقق قدراً من الحرية والعدل والكرامة لأشخاصه.
■ متى بدأتم العمل فى مصر؟
- بدأنا منذ أكثر من 10 سنوات مع الكثير من شباب المجتمع المصرى محاولات كى نؤصل هذه الطريقة فى التفكير، لتحفيزهم على نبذ حالة الادعاء الموجودة فى المجتمع المصرى.
■ ماذا تعنى بكلمة ادعاء؟
- على سبيل المثال فى المجتمع المصرى كان من ضمن الملامح التى شاهدناها خلال الـ10 سنوات الماضية هى رؤوس مثلث الفقر والجهل والمرض، والادعاء هو الآفة، بمعنى أن المجتمع المصرى خلال الـ20 سنة الأخيرة، كنا نحيا وكأننا فى مسرح، نتخيل فيه أننا لدينا تعليم وصحة ومرافق وديمقراطية وسياسة ومؤسسات.
■ تقصد دولة «كأن»؟
تماماً.. والأخطر أن تلك الحالة أصبحت مقبولة تماماً، ولا يجد فيها أى شخص منا غضاضة، والأخطر على الإطلاق، هو أننى وجدت حالة «كأن» فى الحديث عن الإصلاح، وكأنه يصلح، وهو ما انعكس على دعوات البعض التى تنادى بالإصلاح وأغرقت الشباب فى حالة من الأدوات وأن تصبح الأدوات هى الهدف والغاية، وتختفى الغايات من الإصلاح ذاته، وتختفى معايير الإصلاح، ويصبح الهم الأول هو الاستغراق فى الأدوات بشكل عام، ونتحول فى النهاية إلى فاعلين ولسنا منجزين.
■ كيف كانت خطورة حالة الادعاء تلك على مصر؟
- خطورة تلك الحالة فى أنها كانت منتجة لأنواع من الفساد والاستبداد، على خلفية رضا المجتمع الذى صار أكثر قبولاً لفكرة الفساد والاستبداد.
■ كيف شارك المجتمع فى ذلك؟
- مثلاً إذا كان التعليم فى مدرسة ما فى حى ما غير مرض فيكون حل المجتمع الأهلى ليس إصلاح المدرسة، لكن إقامة أفضل مركز للدروس الخصوصية، وبالتالى فنحن نكرس مجتمع الفساد.
■ لكن الذى يعيش فى حالة ادعاء لا يصل أبداً إلى أى نتائج ملموسة هل يعنى ذلك أن المجتمع كان يعيش بلا هدف؟
- فى المجتمع المصرى هناك ما يسمى «هواية الحركة والرغبة فى الحركة الدائمة دون الرغبة فى وجود هدف ما»، والمجتمع لا يجد رؤية واضحة، فى ظل حركة دائمة ودائبة وغير منتجة، وفى الجانب الآخر لا يجد من يحدد له أين الوجهة، وعلام تقيس أو من أين تبدأ وعلى أى معايير، لكنه يتحرك بمنطق «ياللا بينا»، لكن على فين لا أحد يسأل، فـ«الحركة بركة»، وكل هذه الأمور نوع من إراحة النفس أكثر منها عملا حقيقيا، وجادا، وهناك فى المجتمع نوع من الهزل أو العبثية المتفق عليها، بشكل أو بآخر.
■ ما طريقة عملكم قبل الثورة؟
- قبل الثورة كان هناك لقاءات متلاحقة مع فئات عمرية مختلفة واعية من الشباب، وكانت هناك 3 مستويات من الوعى، فمنهم من لا يعى كيف يهتم بالمجتمع ولا يعى ذلك ضرورة، ومنهم من يعى أنه يريد أن يفعل شيئاً فى المجتمع لكنه فى النهاية لا يعلم الوجهة أين، والبعض الآخر بدأ على الطريق الصحيح لكنهم غير مدركين ما إذا كانوا فعليا على الطريق الصحيح أم لا، وبدأنا فى جهد مستمر مع كل هؤلاء عن طريق وضع الخطط الاستراتيجية، لمعرفة ما هى هويتك، وأين هى ولماذا تفعل ما تفعل، ودائما ما كنا نعلمهم قاعدة أنك لابد أن تجد هويتك، لأنك إن لم تجد هويتك فإنك فى الغالب الأعم تفسد ولا تصلح، والمجتمع فى حاجة إلى إصلاح لكن لا يتقدم لفعل الإصلاح إلا من هو أهل له، المؤهل لذلك، والأهلية شقان، منهم فى الغالب ما يختلط عليهم الأمر بين الأهلية والأحقية، فأنت لك الأحقية فى أن تكون فاعلا فى المجتمع المصرى، لكن ليس لك الأحقية أو الكفاية فى أن تتقدم لفعل بعينه إلا إذا كنت مؤهلاً لذلك.
■ تتحدث عن الشباب عموماً أم شباب الثورة بمعنى النشطاء الذين حركوا الشارع؟
- الكثير من هؤلاء الشباب كانوا من رموز الثورة، وكنا نركز معهم على مفهوم ملكية الوطن، ليكون راسخاً بداخله، وهو ما ظهر فى حملة خالد سعيد، وكلمة البلد بلدنا، وما جاء فى لقاءات من هذا النوع، لكننا لم نكن نعلم كيف نمارس هذه الملكية، ومن هنا بدأت التجليات، التى لا أدعى أننا كلنا أصحابها.
■ هل اقتصر العمل على الشباب فقط؟
- لا كانت هناك لقاءات أسبوعية مع سياسيين، ليكتمل المشهد السياسى كله، وكنا متفقين معهم على مشروع «إعادة إحياء مؤسسة السياسة المصرية»، وكان أحد أسمائه الشائعة هو «البديل الآن»، كى نعيد هيكلة مؤسسة السياسة المصرية على أسس إنسانية جديدة، وكان لدينا أمل أنه خلال سنة أو سنة ونصف تتحول حالة تحريك الوعى هذه إلى شعلة تدفع إلى التحرير الإنسانى، وهذا هو الملمح الذى استطاعت الثورة أن تعيده مرة أخرى، خاصة أن المجتمع كان قد نزعت عنه إنسانيته، وليس الاسترداد السياسى الذى يعد أحد تجليات الإنسانية، وربما يكون أكثرها ظهورا، لكننا لدينا مشاكل أخرى نعيشها حتى هذه اللحظة، وإن كنا معنيين بمعالجتها خلال الفترة المقبلة، ومن هذه المشاكل انتزاع الإنسانية، وفكرة أن تكون الحرية ليست ضرورة عند كتلة حرجة من المجتمع، فإن ذلك لا يبنى عليه المجتمع، ولهذا بدأنا بعودة الإنسانية أكثر من عودة العقل والوعى، إلى قطاعات من المجتمع المصرى وإعادتهم إلى أوقات خلقت منهم كائناً جديداً يسمى «إنسان حر مصرى».
■ ماذا كانت استراتيجيتكم خلال تلك الفترة؟
- هو أن نرسخ لفكر الحركة بلا قائد، والمدرسة التى تبنيناها تقوم على ذلك، وعلى أن المجتمع سيبقى دائما متفرقاً ومتنوعاً فى وحداته، وهذا هو منتهى الثراء، وركزنا أن يتعلموا كيف يتعايشون، ويتآزروا، فنحن نعمل على قاعدة كيفية خلق التوافق المجتمعى على قيم مشتركة.
■ وهل كان نموذج الجمعية الوطنية للتغيير التى ضمت عدداً من القوى الوطنية خارجاً من هذه المدرسة؟
- الجمعية الوطنية للتغيير كانت معنية بالبعد السياسى فقط، ولها كل الاحترام والتقدير، وكل الفضل فيما حدث من تراكم، لكنهم رغم ما كانوا عليه من هذه الشاكلة فهم جزء من كل المجتمع، لكن ما كنا ومازلنا ندعو إليه هو خلق تيار عام رئيسى لمصر، وهو التيار الذى ينشئ الدولة، ويبقى فوق الدستور، فهو ما قبل الدولة وما فوق الدستور.
■ وكيف منحك الشارع المصرى وقت الثورة إلهاما بإمكانية تأسيس هذا التيار؟
- قرأت فى الشارع المصرى من يوم 25 تحديدا أن هناك توجهاً جديداً، وأن هناك وجوهاً جديدة، كان أهم ما فيها أنها لم تكن بالضرورة مسيسة، والأهم أنها كانت تطالب بإمكانيتها، وهو المطالبة بنوع من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهذا التوجه الجديد رأيت يوم 25 يناير أنه جديد على الشارع وهذا هو أخطر شىء أبحث عنه إذا ما كنت أبحث عن إصلاح المجتمع، وأن أجد كتلة من المصريين تطالب بما يتناسب مع إمكانياتها، وكانت تلك هى القضية الحقيقية بالنسبة لى، وبالتالى يصبح إصلاح المجتمع ليس فقط فى أنك ترفع الاستبداد السياسى وإنما متمثل فى أنك تحاول أن تعيد له إنسانيته، وطالما ظهرت هذه الكتلة على الأرض أصبح لدينا كتلة حرجة يمكن أن تكون نواة للتيار الرئيسى.
■ ماذاكانت رؤيتك لتلك الفترة؟
- كنت أقول لهم إننى أرى غد تحرير وليس ميدان تحرير، فكانت هناك فترة لتحريك الوعى، تلتها فترة لمساحة من التحرير، وفى يوم 28 يناير كان المعنى بالتحرير هو من يحرر مصر من استعمار الفساد وعملت ما هو أشبه باختبار بسيط للناس، هل ترى مصر محتلة الآن وكانت الإجابة بها نوع من المراوحة سابقاً لكن فى هذه اللحظة كانت الإجابة قطعية «نعم مصر محتلة»، وبالتالى أصبحت فكرة النزول إلى الشارع وأصبح الثوار طرفا فى صنع القرار، ولقد جاء حرص الشباب على النزول بالعلم دليلا على تأكيد الملكية، وهذا هو مطلب التحرير الأساسى «استعادة الملكية» وليس إسقاط رأس النظام، وكان ثالث مطلب هو أن يكون معك حلم البناء، لأن فكرة الثورة لن تمتد إلى الأبد، فالثائر الحقيقى معنى بكامل مراحل ثورته، فإسقاطه للنظام إلى مرحلة التهاوى هذه مرحلة أولى لابد منها، لكن الهدف النهائى هو استعادة الملكية.
■ هل مازال هناك الكثير حتى بلوغ الهدف النهائى؟
- إسقاط النظم فى الثورات ضرورة، ولكنها ليست كافية، فالفعل لا يأتى بالمقصود إلا إذا جاء بضرورته وكفايته، وضرورة الثورات تأتى فى إسقاط النظم السابقة، وكفايتها فى بناء نظام جديد على خلفية المرجعية الفكرية، التى أتت بفكرة إسقاط النظام لأنه لا يحقق كذا وكذا، وأتت بالنظام الجديد لتحقيق العدل والكرامة لكل المصريين، كما يتوافق عليهما هذا المجتمع.
■ كيف يمكن تطبيق ذلك على الأرض؟
- لابد أن نفهم فى البداية أن هذا الشعب به من يمثل أصحاب المصلحة المؤهلين يتجمعون فى التيار الرئيسى العام لهذا الوطن ويصبح هذا التيار الرئيسى العام هو ما ينشأ بالضرورة قبل الدولة، وهو ما يضع ملامح الدستور أو قواعد التعايش لهذا المجتمع لأن الدستور فى النهاية هو التجلى السياسى، لطبيعة التعايش التى يريدها هذا المجتمع، فهناك على سبيل المثال وثيقة تسبق الدستور الأمريكى، وتكون هذه هى شهادة ميلاد الدولة، وشهادة ميلاد دستور، وبالتالى لابد أن نؤصل وثيقتنا على خلفية ما يجمعنا، ولا يمكن أن يفرقنا وهو ما نشأ فى ميدان التحرير بالفعل وهو أننا جميعا مصريون أحرار، وأن الإنسان الحر المصرى يريد أن يحيا بالحرية وللحرية وبالعدل وللعدل وبالكرامة للكرامة، ونريد أن نقدم الأهلية والكفاءة على كل جنس وعرق ولون.
■ ولكن المجتمع المصرى يضم أطيافاً كثيرة كيف تتحقق مصلحة مشتركة للجميع للانضواء فى هذا التيار الرئيسى؟
- فى تنوع المصريين ثرائهم، وهوية المصريين متجمعة وليست طاردة للآراء والمعتقدات، فهى تجمع هويتى التى أراها، قد تكون عنصراً من عناصر التنوع، إسلامية أو مسيحية أو هكذا، ، لكن الوطن يكون أعلى وأبقى من هذه الأمور، ولقد وجد المصريون على هذه البقعة من العالم بإرادة إلهية، وأريد لهم هذا التنوع الإلهى، والذى وضع بترتيب تم اختياره لنا، لأنه بدون الوطن لن تستطيع أن تحمى هذا الدين، والتاريخ الإسلامى نفسه سنجد أن مواطنة دستور المدينة إذا ما أخذنا الإسلام كحالة، وقيام المدينة كانت الأسبق على إعطاء النصرة لمسلم أتى من الخارج بعد خرق معاهدة بين دولة المدينة وبين القرشيين، وهذه المواطنة بها روح الجماعة وفكرة التجميع وحرية التنوع داخل الإطار الواحد، لذلك نحن بحاجة إلى التعامل مع الوطن كقيمة أعلى من أى قيم أخرى.
■ هل كان ميدان التحرير نموذجاً لحالة التيار الرئيسى الجامع لهذا التنوع؟
- قطعاً فعندما كان التفكير طبقياً وطائفياً وفئوياً انسحب الناس من الوطن وتحصنوا بالمسجد والكنيسة والبيزنس والتعالى المهنى والوظيفى، لكن فى ميدان التحرير عاد هؤلاء وانسحبوا من هذه الروافد وعادوا إلى التيار الرئيسى، وكانوا بمثابة الكتلة الأولى من هذا التيار الرئيسى الذى أزاح حجر عثرة 30 سنة فى 18 يوماً.
نحن نسعى إذاً لاستمرار هذه الحالة ومأسستها، وبالتالى خلق مجتمع قادر على فهم قيمة التنوع، وإن كان ذلك لا ينفى الأحزاب، أو الجمعيات، وما ندعو إليه هو إيجاد مياه النهر التى تطفو عليها كل سفن مؤسسات الوطن، وإذا لم توجد مياه التيار الرئيسى فستكون السفينة فى حالة خراب، وكأنها ملقاة على البر فقط كى يراها الناس.
■ نفهم من ذلك أن التيار الرئيسى يضع قواعد لنعمل عليها أو أهدافاً مشتركة بمعنى أنه يؤسس لـ«شريعة وطنية» يؤمن بها الجميع ثم تتفرع منها الإجتهادات الحزبية والإيدلوجية فى إطار إيمان بالأصول؟
- هذه هى الفكرة تحديداً ونحن نعتقد أننا فى حاجة إلى وثيقة إعلان استقلال إنسانى أولاً تسبق الدستور وانتخابات البرلمان والرئاسة، بل وتسبق تأسيس الدولة والنظام أيضاً، وتظل القيم المؤسسة لهذه الوثيقة ثابتة مادام التوافق عليها قائماً، وتمثل مرجعية للدستور والقانون والممارسات والعقائد السياسية المتباينة، وعند أى تغيير للدستور لابد أن يسعى إلى الحفاظ على هذا القواعد والقيم، وهذه القواعد المجتمعية لا يمكن الطعن عليها، ونحن نعمل حاليا على وضع تلك الوثيقة الإنسانية.
■ ما قيمة تلك الوثيقة؟
- الوثيقة سوف تحدد ما سيلزم أن يحرص عليه المجتمع، وسوف تحرس حياة المصرين فى المستقبل، وسوف تحمينا من الاستبداد فى المستقبل، سواء استبداد الأغلبية للأقلية أو استبداد الأقلية للأغلبية، وكل أنواع الاستبداد الذى لا يشترط أن يكون سياسياً من حاكم إلى محكوم.
■ ما تصورك للمرحلة المقبلة؟
- ما يهمنى أولاً هو أن يزول أصل الداء، فأريد أن أخرج من حالة عسكرة دامت 60 عاماً إلى حالة مدنية، ولا يمكن أن أقبل الآن استمرار حالة العسكرة، لذلك لابد أن نساعد الجيش على ذلك بالإسراع بالخروج من المشهد.. لذلك يجب التفكير فى اختيار مجلس رئاسى مدنى، والبدء فعلا فى عمل دستور جديد.
■ وكيف نختار أعضاء هذا المجلس؟
- للأسف معايير اختيار المجلس الرئاسى المدنى غير موجودة حتى هذه اللحظة، فالناس معنية بخلافات حول أسماء وأشخاص، ومعايير اختيار الأشخاص قائمة على الأكثر ظهوراً وحضوراً فى الإعلام، وهذه ليست معايير اختيار حقيقية، وهذا هو دور التيار الرئيسى الذى يمثل أيضاً مؤسسة لفرز البدائل، والذى لابد أن ننتهى منه قبل وجود سلطة رئاسية منتخبة.
وهذه الحالة الفطرية هى الحالة التى قامت عليها النهضة الأوروبية الحديثة فى عصر النهضة، والتى قامت عليها دولة مثل أمريكا فى العصر الحديث جدا، والتى أعادت دولاً كانت متأخرة جدا مثل ماليزيا وتركيا، ثبت أن أنجزت انطلاقاتها على هذه الخلفية. بالعودة إلى هذه الشريعة الوطنية كما سميتها أنت، التى بها من السعة بأنها تقبل الاختلاف فى داخلها والاختلاف يرجع إلى اختلاف الاحتياجات الاجتماعية من لحظة إلى أخرى ومن غير هذه القاعدة لن يوجد حوار مجتمعى، وسيكون لدينا حوار مجتمعى مدعى.
■ لكن البعض يظن أن التآلف حدث فقط فى ميدان التحرير فترة الثورة وانتهى بعدها؟
- سوف يحدث تآلف مرة آخرى لأن هذا الشعب لن يقبل إلا بحياة متآلفة، يكون فيها المصريون كلهم سواء، يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات، وأى تخريجة آخرى فهى تخص أصحابها مثلما حدث فى أطفيح، التى لم تكن ولن تكون مشكلة قومية، لأن إيجادها على أنها مشكلة قومية سوف يفتح الباب أمام الطوائف، وستجد هؤلاء فى حالة عداء مع استعادة هذا المجتمع لإنسانيته مرة آخرى.
■ هل يمكن اعتبار التأسيس للتيَّار الرئيسى المصرى هو المشروع القومى للجمهورية الجديدة؟
- ربما.. لكن المؤكد أنه يسبق كل ذلك، ولن يوجد مشروع قومى فى أى دولة إلا بوجود تيار رئيسى، ولكى نتعاون فى هذا المشروع لابد أن يكون هناك تفاهم يسبق التحاور والتعاون، ومن المضحكات أنه عندما كان يُسأل فى النظام السابق ما هو المشروع القومى يقال لك الصرف الصحى، فكنا كأننا بصدد دولة مملوكية، والمماليك لا يعرفون المشروع القومى، لأنهم يحاربون للدفاع عن حدود ما يملكون، لكنه لا يعرف معنى الوطن ولا المشروع الملهم الوطنى، وكلمة وطن للمملوك ضد مصلحته، لأنها تذكره أنه يحكم أرضاً لا يملكها، ولذلك فى وقت المماليك لم يخرج من مصر حضارة.
■ كيف نستطيع الاستفادة من تجارب المجتمعات الآخرى فى صنع التيار الرئيسى؟
- خذ عندك مثلاً النموذج الأمريكى فى صنع التيار الرئيسى جاء عندما تم إعلان الاستقلال وإقرار عقد الحريات وأن الجميع متساو على هذه الأرض والحرية بكل تجلياتها سواء الحرية فى التعبير أو الفكر أو المعتقد كل هذا مكفول، وإذا ما تعارض أى من هذه الحريات مع أمن الوطن فستتقدم هذه الحرية، والنموذج الأمريكى هذا بدأ منذ أكثر من 200 سنة، وكون على خلفيته الدستور الأمريكى بكل ملحقاته، ولم يأتوا بجديد بل حققوا كل ما حرموا منه أثناء الاحتلال، حتى إنهم عندما اختلفوا لدرجة الحرب الأهلية كانت على المبادئ التى قامت عليها الدولة الرافضة للاستبداد، والحلة الأمريكية بها ما يكفى من اختلاف العناصر بما يجعلها فى حرب يومية بين أبنائها الذين لهم عروق وعقائد مختلفة وتباين صارخ فى الألوان فشتات الأرض فى بوتقة واحدة، ورغم ذلك فإن هذا الشتات استطاع أن يحيا على خلفية وثيقة، تحولت إلى نظام دولة، ويستطيع الفرد أن يبدع، لأن الإبداع هو تجلى الحرية، ولديه شاهد عملى وأدائى على أنه حر، وأنه فى مجتمع عادل لأن الكفاءة تتقدم.
■ ما هو توصيفك للمرحلة التى تمر بها مصر حالياً؟
- بالنسبة لوضع البلد الآن فنحن فى مرحلة انتقال أولى، وهذه المرحلة تتميز بسيولة شديدة جدا وبحالة من الريبة فى كل شىء، وأول واجبات هذه المرحلة أن نزيح هذه السيولة، ونبدأ بتقديم الأولويات الوطنية المهمة، ومنها الحديث عن الدستور الجديد والحديث عن قوام لمؤسسات مجسدة فى أشخاص ومعها فكرة التيار الرئيسى، وأول ما يلزم حالة التحرير كى يبقى، أن يعاد إنتاج إطار جديد لها لأنه منتهى الخطأ أن أدخل مرحلة التطهير أو البناء بنفس أدوات مرحلة الهدم.
■ وما هى الأدوات الجديدة التى من المفترض استخدامها؟
انتهينا من مرحلة الهدم إلى مرحلة التطهير، وأدوات التطهير تختلف، وبها قدر عال من البناء، وتطهير مؤسسات الدولة هذا أمر مستمر لكن الأساس فيه هو أننى أعمل على بناء مؤسسات جديدة وسريعة، ولابد أن تنتهى حالة السيولة وفى حالة الإبقاء على حالة السيولة فترة أطول يعتبر هو الخطر الأكثر دهماً علينا، لأن حالة السيولة مخاطرها موجودة.
■ وكيف نواجه مخاطر حالة السيولة؟
- درء المخاطر لا يأتى إلا ببقاء المجتمع فى حالة استنفار نفسى، وحالة التحرير من ترابط وتلاحم وتكاتف والاتفاق على سقف مطالب، وتأجيل النظر فى القضايا الخاصة.