x

عاملات المنازل.. «أكل العيش مر»

الأربعاء 30-05-2018 05:07 | كتب: آلاء عثمان |
عاملات المنازل عاملات المنازل تصوير : اخبار

«الهانم شغالة.. مهنة شاقة.. تفاصيل مؤلمة.. وقائع غريبة.. حكايات بعضها أغرب من الخيال قد تصل إلى حد الطرد.. وأحياناً التعذيب، لتجد نفسها بين لحظة وأخرى فى الشارع».. السطور القادمة مجرد سطور من حكايات عاملات المنازل.

«عايشين تحت رحمة صاحب العمل».. كلمات تحمل مرارة قالتها إحدى عاملات المنازل لتلخص بها مأساتها ومعاناة المئات من زميلاتها ممن يمتهنَّ هذه المهنة- على حد قولها.


فمنذ ما يقارب 7 سنوات، تعمل «كريمة»- اسم مستعار- عاملة مقيمة بمنزل إحدى الأسر فى القاهرة الكُبرى، حيث تقوم بأعمال الترتيب والتنظيم والنظافة، إضافة إلى أعمال الطهى ورعاية أحد أفراد الأسرة المُسِنِّين فى آن واحد، موضحة أن راتبها من هذا العمل الشاق يُعينها على تسديد بعض الديون المتراكمة. وتقول: «أنا عايشة معاهم بما يُرضى الله، لما بدأت العمل كنت محتاجة للفلوس.. وأكل العيش مُرّ».

منذ بدأت العمل فى 2011 لم تحصل «كريمة» على أى زيادة مادية فى راتبها الشهرى، بالرغم من تبدل الأحوال الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وبالرغم من قيامها بالمهام العملية ذاتها، حيث تعتبر أن أجرها يحمل دلالة عدم تقدير لما تقوم به من أعمال، لكنها تستعيض عنه بما تحصل عليه فى المنزل من معاملة حسنة من قِبَل أفراد الأسرة، رغم صعوبة العمل، مشيرة إلى أن زميلات لها يتعرضن للبهدلة فى العمل ويضطررن للصبر.

«كريمة» تقول إنها لا تتمتع بأى غطاء تأمينى يكفل مصاريف ما تتلقى من علاج شهرى لمرضها، لكن كثرة العمل أنهكتها، الأمر الذى يضطرها لترك العمل فى فترة لاحقة هذا العام: «أنا مريضة ضغط وقلب، وخلاص استويت، بس أنا عاوزه أسد دينى وماقولش لحد يدينى».

وفى عام 2010 نشرت الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دراسة استطلاعية بعنوان: «عاملات المنازل فى مصر»، رصدت أحوال عشرات من أمثال «كريمة» تنوعت ظروفهن وأحوالهن واشتركن فى وظيفة لا تزال تعانى قدراً من التهميش.

وشاركت زينب خير، رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فى الدراسة آنذاك، باحثاً رئيسياً، واسترجعت- أثناء حديثها لـ«المصرى اليوم»- بعض أهم ملامحها، إذ رصدت الدراسة التصنيف المهنى للعاملات بالمنازل وأنماط عملهن ما بين عمل يومى وشهرى وإقامة كاملة، كما رصدت ما تتلقى العاملات من أجور وما يعانين من مشكلات أثناء العمل وطرق تحسين أوضاعهن، إلا أن أبرز المشكلات جاءت من خلفية غياب معايير العمل الأساسية.

تقول «زينب»: «توجد مشكلات متعلقة بالأجر، مافيش ضمانة إن العاملة باليومية مثلاً هتتقاضى أجرها حسب الاتفاق، لأن ممكن صاحب العمل يقول إن شغلها ماخلصش ويخصم من الأجر، العاملات المقيمات مشاكلهن مرتبطة بعدد ساعات العمل، لإنهم بيشتغلوا بشكل مفتوح من أول ما يصحوا لحد ما يناموا».

وتضيف أن هناك تصنيفاً مهنياً عالمياً يحدد أشكال ومهام العمل داخل المنزل، ويقسمها إلى وظائف مختلفة، فى مصر انضمت التصنيفات المهنية تلك إلى المهن الخاضعة لقياس مستوى المهارة، وفقاً للقرار الوزارى رقم 213 لسنة 2012، وهى: جليسة الأطفال، جليسة المريض، معاون التمريض، مديرة المنزل، رعاية العَجَزة والمُسِنِّين، معاون رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة، الطاهى، المعاون المنزلى، إلا أن عاملات المنازل يضطلعن فى بعض الأحوال بأكثر من وظيفة محددة فى آن واحد دون زيادة فى الأجر، الأمر الذى تستاء منه العاملات وتعتبره أكبر من قدرتهن على الاحتمال، المشكلات الصحية كذلك أمر يؤرق بعض العاملات، حسب «خير»، وذلك لعدم تمتع أغلبهن بمزايا التأمين الصحى.

وأرجعت استثناء عاملات المنازل من قانون العمل للخلاف حول آلية الرقابة على أداء عاملات المنازل من قبل مُفتشى وزارة القوى العاملة، حيث يتم العمل داخل منازل محفوظة الحُرمة بحكم الدستور والقانون، إلا أنها تؤكد أن بلداناً عديدة حول العالم، تخطت الخلاف وحسمته بالفعل.

ووفقًا لنتائج الدراسة، تتعرض عاملات المنازل لمخاطر صحية وإصابات أثناء العمل، يندرج أغلبها تحت بند إصابات العِظام نتيجة السقوط من أعلى سطح مرتفع أثناء العمل، يضاف إليها إصابات الظهر كالانزلاق الغضروفى وغيره من تداعيات التعامل مع الأحمال الثقيلة بدون إشراف، وتتعرض بعض العاملات كذلك للجروح وأمراض الجهاز التنفسى وحساسية الصدر، نتيجة استخدام المواد الكيماوية فى التنظيف بناء على رغبات أصحاب العمل.

وتقول «زينب»: «بسبب غياب التأمين الصحى أو إصابات العمل، العاملة بتبقى خاضعة وقت الإصابة لصاحب العمل وضميره، إما بيدفع ثمن الكشف فقط لو الإصابة شديدة، أو بيتكفل بمصاريف العلاج بشكل كامل».

وتضيف: «فى 2016 خرجت القضايا الخاصة بحقوق عاملات المنازل للضوء، إذ دشنت الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حملة توعية بعنوان حقى وحقك للتوعية بحقوق عاملات المنازل، وللتنبيه على أهمية وجود حقوق وواجبات متصلة بمهنة عاملات المنازل، على أصحاب العمل الالتزام بتوقير حقوق العاملة غير منقوصة، كالأجر العادل والحماية من التحرش، وعلى العاملات بدورهن أداء الواجبات بحرص، كالحفاظ على ممتلكات المنزل والأمانة وغيرها من الواجبات».

وخاضت بعض عاملات المنازل سابقاً تجربة العمل النقابى، فيما سُمى «نقابة عاملات المنازل المستقلة»، التى جاءت ثمرة لجهود ورش توعية وتثقيف مكثفة قدمتها الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية.

ويعتبر د. مجدى عبدالحميد، رئيس الجمعية، تجربة النقابات رائدة، وهى الأولى من نوعها، حيث استهدفت الجمعية تأسيس 10 نقابات فرعية فى المحافظات المختلفة لتمهيد الطريق أمام تأسيس نقابة عامة بالقاهرة، ويقول: «أسهمنا فى تأسيس من 5 لـ6 نقابات فى محافظات مختلفة، وقدرنا نوصل لعدد من العاملات وصل لـ50 عاملة فى كل محافظة».

ويعدد «عبدالحميد» ما تتعرض له العاملات من مضايقات ومتاعب أثناء العمل دون رقيب، والتى تتطلب وجود نقابة قوية تدافع عن حقوق العاملات وتتصدى لما يتعرضن له من مشكلات: «العاملات بيتعرضوا لطريقة مُعاملة مُهينة، زى الضرب والكى، ده غير إن مافيش رعاية صحية ولا تأمينات اجتماعية، فالعاملة بتشتغل اليوم بيومه، ولو ماقدرتش تشتغل ملهاش دخل».

ويؤكد أهمية وجود نقابة لعاملات المنازل للعمل على تطوير مفردات المهنة كأى من المهن الأخرى، وعقد دورات التدريب للعاملات لمساعدتهن على العمل بكفاءة أكبر، ومن ثَمَّ تحسين مستوى الخدمة وارتفاع سعرها، إضافة إلى تدريبات السلامة الشخصية، واستخدام أدوات نظافة آمنة ولا تُسبب مضاعفات مرضية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية