«دق وشم الصلبان.. ذبائح.. احتفالات فى حضن الجبل.. زفة شعبية بالمزمار والطبل البلدى.. هنا بين طرقات القرية الصغيرة شرق النيل بمركز سمالوط فى المنيا، مشهد تلاحم النسيج الوطنى لمسلمى ومسيحيى مصر، فى أبهى صورة بدون رتوش أو كلمات منمقة عن الوحدة الوطنية».
7 أيام فى رحاب دير السيدة العذراء، الذى باركته العائلة المقدسة قبل ألفى عام، كفيلة بأن يشع سلاماً ومحبة لكل العالم. ودير السيدة العذراء، أعلى قمة «جبل الطير»، أحد أهم المزارات التى يتوافد عليها مئات الآلاف لزيارة المكان على مدار العام، منهم نحو 2 مليون مسلم ومسيحى، يتوافدون عليه فى بدايات مايو من كل عام، ويُعرف بـ«أسبوع الزيارة أو موسم العذراء أو المولد»، ويحل فى كل عام بعد عيد القيامة بنحو الشهر، وينتهى بـ«عيد الصعود»، فى منتصف مايو من كل عام.
«المصرى اليوم» قضت يوماً بين محبى وزوار السيدة العذراء، فى جو تملؤه الألفة، رغم الزحام والتكدس الشديد، حيث ينتشر هنا وهناك الباعة لبيع البضائع المختلفة، بينما تنتشر مهن خاصة بالموسم كمهنة «دق وشم الصلبان» ومهنة «سنان السكاكين».. وبين تلك وهذه تزغرد النساء بتعميد طفل فى معمودية الدير وتأجير عدد من الشبان الذين يحملون الطفل المعمد فى زفة شعبية بالمزمار والطبلة، ولكن على أنغام ترانيم للعذراء مثل: «رشوا الورد يا صبايا.. رشوا الورد على الياسمين.. رشوا الورد وغنوا معايا دى العدرا زمانها جاية».
وتقول «أم مينا»، السيدة الأربعينية، إحدى زوار الدير: «منذ طفولتى وأنا أحضر برفقة عائلتى، والآن أحرص على أن يزور أولادى المكان، ويجعلوا الزيارة عادتهم السنوية للتبرك أولاً والتنزه ثانياً».
وتقول «أم محمود»: «أنا مسلمة، لكن لازم أزور العدرا، واشترى لأهلى اللى فى محافظات بعيدة واللى مش بيقدروا ييجوا- بركة من العدرا- حمص وفول.. وسلاسل وخواتم.. وهدوم.. أى حاجة من ريحة العدرا».
وقالت «أم بيتر»: «أنا ساكنة فى القاهرة، وأهلى من المنيا، والإجازة السنوية بنرتبها على أسبوع زيارة موسم العدرا، بنحضر معنا كل ما نحتاجه من ملابس وملايات سرير ولوازم المطبخ، ونقوم باستئجار حجرة أو حجرتين فى أى منزل من منازل أهل قرية جبل الطير، ولازم نقوم بتعميد أبنائنا الصغار فى معمودية الدير، وبالليل نزور الكنائس ونفسّح الأولاد فى المراجيح، ونشترى آيس كريم، وندق صلبان».
وعن مكانة الدير تاريخياً، يقول القس اسطفانوس شحاتة، بمطرانية سمالوط للأقباط الأرثوذكس: «يقع الدير على قمة جبل الطير، المشرف على نهر النيل، وبه كنيسة صخرية أثرية شُيِّدت على اسم السيدة العذراء، شيدتها الملكة الرومانية هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين، وهو أول إمبراطور رومانى يعتنق المسيحية، وتم تشييد الكنيسة عام 382 ميلادية، والكنيسة منحوتة فى الصخر، وتضم فى الركن الجنوبى منها المغارة التى اختبأت بها العائلة المقدسة».
وعن سر إقامة الاحتفالات فى هذه المنطقة فى هذا التوقيت تحديداً، يقول القمص اسطفانوس إنه قديماً فى القرون الأولى للمسيحية، كان المصريون يحتفلون بالربيع طيلة فترة الخماسين، وهى الخمسون يوماً التالية لعيد القيامة، وكانت هذه الاحتفالات تُقام بالمناطق المطلة على نهر النيل، ومنها دير العذراء بجبل الطير، الذى كان يُخصص له الأسبوع الأخير من تلك الاحتفالات المتصلة.
وأضاف أن تلك الاحتفالات اندثرت مع الزمن، لكن دير جبل الطير احتفظ بتلك العادة، وكذلك احتفظ بنفس المودة فى الاحتفالات، على أن تكون فى الأسبوع السابق لعيد الصعود مباشرة، وغالباً ما تُقام تلك الاحتفالات فى مايو من كل عام، دون أن يكون لها تاريخ ثابت.