أصابت الاضطرابات السياسية والأمنية المتلاحقة منذ اندلاع ثورة يناير العديد من القطاعات الاقتصادية فى العمق، وسط مخاوف من ازدياد خسائر الاقتصاد المحلى باستمرار تداعيات هذه الاضطرابات. وتضررت قطاعات السياحة والعقارات والأثاث والملابس الجاهزة والصناعات الغذائية بشكل كبير، لتصل نسبة التراجع فى القطاع السياحى وحده إلى نحو 75%، وإلى 60% فى القطاع العقارى، و40% فى الملابس الجاهزة. بينما صمدت فى المقابل بعض القطاعات الأخرى وعلى رأسها الاتصالات والبترول، بينما تتجه المؤشرات إلى تحقيق قطاعى الأدوية وقناة السويس، مؤشرات إيجابية بنهاية العام الحالى، مقارنة بالعام الماضى.
«شظايا التحرير» تهاجم «الاقتراض».. و«النقد الدولى» يؤجل «صلاحية مصر» للاستدانة
أصابت شظايا الاضطرابات السياسية فى أعقاب تجدد المظاهرات بميدان التحرير، خطوات الحكومة فى الاقتراض من الخارج، فى الوقت الذى يسود فيه اتجاه بتغير موقف حكومة الدكتور كمال الجنزورى، المنتظر تشكيلها بشأن الاستدانة من صندوق النقد الدولى، خاصة بعد تصريحات الجنزورى، التى أكد فيها رفضه الاقتراض من الصندوق.
وقال الدكتور حازم الببلاوى، وزير المالية، فى حكومة تسيير الأعمال لحين الانتهاء من تشكيل الحكومة الجديدة، إنه أجرى خطوات متقدمة فى موضوع الاقتراض من صندوق النقد الدولى، إلا أنه لم يتحدد بعد الموقف النهائى، بسبب انتظار تشكيل الحكومة الجديدة.
لكن الدكتور الجنزورى المكلف بتشكيل حكومة إنقاذ، قد أعلن للإعلامية لميس الحديدى فى برنامج «مصر تنتخب» على قناة «سى.بى.سى»، مساء الجمعة، أنه يرفض اقتراض الدولة من صندوق النقد الدولى، وأنه فى حال الاقتراض «أفضل الاقتراض من البنك الدولى وليس الصندوق».
ولم تقتصر تأثيرات الاضطرابات السياسية على موقف الحكومة من الاقتراض الخارجى، وإنما امتدت إلى صندوق النقد الدولى، الذى أجل منح مصر شهادة بصلاحيتها للاقتراض على خلفية تجدد التوترات فى مصر.
وكشف الدكتور فخرى الفقى، النائب السابق لمدير صندوق النقد الدولى، عن أنه لم يتم إصدار شهادة صلاحية الاقتراض الخاصة بمصر بسبب تداعيات ثورة 25 يناير، لافتاً إلى أن الصندوق قرر تأجيل المفاوضات مع مصر بشأن منحها قرضا بنحو 3.2 مليار دولار.
واعتبر أنه لا يجوز الاقتراض من البنك الدولى، إلا بعد حصول الدولة على شهادة صلاحية من صندوق النقد الدولى، التى يتم تجديدها لكل دولة سنويا بعد زيارة من فريق الصندوق للاطلاع على الحالة الاقتصادية، وقدرات الدول على السداد، وهو إجراء يتخذه الصندوق لإرشاد الدول والمؤسسات الدولية المقرضة أو تحذيرها.
من جانبه، قال الدكتور أحمد جلال، الخبير الاقتصادى: إن العجز الذى تعانى منه الحكومة حاليا يجعل احتمال اللجوء للاقتراض من الخارج هو الأقرب، لاسيما أن الاعتماد على الاقتراض الداخلى من شأنه أن يزاحم القطاع الخاص فى فرص تمويله، فضلا عن أن إعادة تدوير الأموال داخليا لا تعد تنشيطاً حقيقياً للاقتصاد.
وحول المفاضلة بين صندوق النقد أو البنك الدوليين، أوضح جلال، أن حسم هذا الأمر مرهون بخطة الإصلاح التى ستتبعها الدولة، مشددا على ضرورة أن تضع الحكومة خطة إصلاح واضحة ومكتملة قبل الجلوس مع أى من مؤسسات التمويل الدولية لبحث أى قروض حتى تحقق المنفعة القصوى من تلك القروض.
هروب السائحين يضع القطاع فى صدارة الخاسرين.. والجمود يضرب العقارات
تصدرت قطاعات السياحة والعقارات والصناعات الغذائية والملابس الجاهزة والأثاث، قائمة القطاعات الأكثر تضررا باستمرار الاضطرابات السياسية والانفلات الأمنى.
واستحوذ قطاع السياحة على النسبة الأكبر من الخسائر بين القطاعات المتضررة، بتراجع بلغ نحو 75%، يليه قطاع العقارات، الذى انخفض بنسبة 60%، والأثاث 50%، والملابس الجاهزة بنحو 40%، والأغذية بنحو 25%.
وقال وسيم محيى الدين، الرئيس السابق لغرفة المنشآت الفندقية: إن القطاع تأثر بشكل كبير عقب ثورة 25 يناير، ويعمل حاليا بنحو 25% من طاقته، خاصة مع وجود العديد من الإلغاءات للرحلات.
وأضاف محيى الدين، أن التراجع لم يقتصر على السياحة الخارجية الوافدة، بل امتد ليشمل السياحة الداخلية أيضا، وسياحة المؤتمرات والتجمعات.
وأوضح أن قطاع السياحة تأثر عقب اندلاع ثورة يناير بنسبة تراجع 50%، ثم استعاد جزءاً من تراجعه عقب نشاط ملحوظ فى مدينتى شرم الشيخ والغردقة، لتصل نسبة الإشغالات إلى 70% خلال شهرى يونيو ويوليو، إلا أن القطاع سرعان ما عاود التراجع مرة أخرى حتى بلغت نسبة التراجع خلال الفترة من أغسطس وحتى الآن 75%، مشيرا إلى أن نسبة الإشغال فى الفنادق لا تتعدى 25%.
من جانبه، قال اللواء محمد الجندى، رئيس شركة النصر للإسكان والتعمير التابعة للشركة القابضة للتشييد: إن قياس نشاط سوق العقارات يتم من خلال حركة المبيعات، وهذه الحركة تراجعت فى الفترة التى أعقبت شهر رمضان الماضى وحتى الآن بنسبة 60%.
وأرجع هذا التراجع لسببين: أولهما أن السوق فى حالة ترقب، رغم طرح مبادرات من القطاع الخاص لتشجيع الشراء تضمنت 7 و8 سنوات فترات سداد بفائدة لا تتعدى 20%، بعد أن كانت 49%، والثانى يتمثل فى سيطرة الخوف على شريحة المشترين للعقارات بهدف الاستثمار.
وبالنسبة لقطاع الغذاء ، أكد حمدى عبدالرؤوف، عضو مجلس إدارة غرفة الصناعات الغذائية فى اتحاد الصناعات، أن التراجع فى معدل إنتاج السلع الغذائية يتراوح بين 20 و25%.
«الاتصالات» و«الأدوية» و«البترول» تصمد أمام الضربات.. وقناة السويس الأقل تأثرا
صمدت قطاعات الاتصالات والأدوية والبترول وقناة السويس أمام الضربات المتلاحقة التى تعرض لها الاقتصاد المحلى، على خلفية الاضطرابات السياسية والأمنية التى تهز البلاد، لتصنف ضمن القطاعات الأقل تأثرا بتداعيات الأحداث.
قال المهندس ياسر القاضى، الرئيس التنفيذى لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، إنه رغم الأحداث التى تمر بها البلاد فإن القطاع نجح فى جذب عمالة إضافية على عكس كل التوقعات.
وأشار القاضى فى تصريح لـ«المصرى اليوم»، إلى أن الشركات الدولية لا تزال تعتبر مصر من الدول الجاذبة للاستثمار، لافتا إلى أن النتائج لا تزال جيدة، رغم بعض المعوقات التى تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص.
وعلى صعيد قطاع البترول والبتروكيماويات، فإن القطاع يعد من أبرز القطاعات التى حافظت على مستوى الأداء العام لأغلب أنشطته، منذ بداية الثورة فى يناير الماضى، حسب المهندس محمد شعيب، نائب رئيس هيئة البترول.
وقال شعيب إن ارتباط هيئة البترول بخطط محددة المعالم مع الشركاء الأجانب فى مجال الإنتاج والاستكشاف - ساهم فى الحد من التأثيرات السلبية على القطاع.
من جانبه، أشار المهندس أسامة كمال، رئيس الشركة القابضة للبتروكيماويات ، إلى أن القطاع استطاع التعامل مع تحديات ضخمة فى مقدمتها الاضطرابات الفئوية التى أثارها بعض عمال عدد من الشركات.
وبالنسبة لقناة السويس، اعتبر محمود أحمد رزق، رئيس قطاع البحوث بهيئة قناة السويس، أن الأحداث التى تمر بها مصر الآن ليس لها أى تأثير على نشاط هيئة قناة السويس، مشيرا إلى أن إجمالى إيرادات الهيئة ارتفع بنحو 10% مقارنة الفترة نفسها من العام الماضى.
واستطاع قطاع الأدوية هو الآخر الصمود فى مواجهة التراجع الاقتصادى، ليؤكد الدكتور سيف الله إمام، الأمين المساعد بنقابة الصيادلة، أنه من المتوقع أن تصل مبيعات الدواء فى السوق المحلية بنهاية العام الحالى إلى 20 مليار جنيه.