x

المغرب تسجل أحدث حلقة فى سلسلة صعود «الإخوان» للسلطة

الأحد 27-11-2011 16:56 | كتب: غادة حمدي |
تصوير : other

يبدو أن المد الإسلامى الذى يجتاح شمال أفريقيا بلغ ضفاف المحيط الأطلنطى، بعد أن حقق حزب «العدالة والتنمية» الإسلامى المعتدل فوزاً كبيراً فى الانتخابات التشريعية فى ذلك البلد الليبرالى، بانتظار أن تسفر تلك الانتخابات عن تشكيل حكومة أقوى، بعد تخلى الملك محمد السادس عن بعض صلاحياته لمنع أى امتداد لانتفاضات «الربيع العربى» إلى بلاده.

ويرجح أن يشكل الحزب الذى يمثل لجماعة «الإخوان المسلمين» فى المغرب - والذى فاز بحسب النتائح الأولية بـ80 من مقاعد مجلس النواب الـ395- ائتلافاً حكومياً مع أحزاب معروف عنها توجهها العلمانى، مثل «الاستقلال» الذى يتزعمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته عباس الفاسى، الذى حل فى المرتبة الثانية.

وبالرغم من أن فوز «العدالة والتنمية» لا يلاقى هوى لدى ليبراليى المغرب، من المستبعد أن يحول الحزب المملكة إلى «دولة أصولية»، وهو ما يمكن استنتاجه من تخفيف الحزب لهجة خطابه الإسلامى، لدرجة أن برنامجه أصبح شبيهاً ببرامج الأحزاب العلمانية، إلى جانب تأكيده أنه منفتح على «التحالف مع الجميع» وتمسكه بالعمل مع الملك، بحسب المحللين.

وبعدما انتقد الحزب لدى انطلاق حملته الانتخابية بيع الخمور والحفلات الموسيقية، طمأن رئيس «العدالة والتنمية» عبدالإله بن كيران المواطنين ووعدهم بعدم تدخل الحزب فى شؤونهم الخاصة، فى إشارة منه إلى عدم اعتزام الحزب الخوض فى قضايا جدلية، خصوصاً ما يتعلق بالخمر والحجاب وغيرها، وقال فى حديث لـ«العربية. نت» بعد إعلان فوز الحزب «نمارس السياسة ولن نتدخل فى الحياة الشخصية للناس»، وحول إمكانية فرض الحجاب على المغربيات، قال «إذا أردنا الفشل فسنفعل ذلك»، فيما اعتبر أن عهد «الدولة الدينية انتهى».

وحوّل «العدالة والتنمية» تركيزه إلى قضايا اجتماعية أوسع، متعهداً بتحديث المستشفيات وتطوير التعليم، كما تعهد بخلق وظائف وتحسين ظروف الإسكان فى البلاد التى تبلغ نسبة البطالة فيها بين الشباب إلى31%. ويعد الحزب أقل تشدداً من حركة «جماعة العدل والإحسان» التى تشكك فى استحقاق العاهل المغربى لقب «أمير المؤمنين».

ولم يغفل الحزب أيضاً إرسال إشارات طمأنة للغرب، حيث أعلن بن كيران الجمعة عزمه على «تعزيز» العلاقات مع الدول الغربية التى دعاها إلى عدم التخوف من توجهات حزبه، وذلك بعدما منح بن كيران الحلفاء الاقتصاديين للمغرب ضمانات لدى تقديمه برنامج حزبه فى أكتوبر الماضى، مشدداً على إعطاء «الأولوية لأوروبا والولايات المتحدة قبل أفريقيا والدول العربية لأننا واعون لأهمية هذين الشريكين». وفى المقابل، سارعت كل من الولايات المتحدة وفرنسا إلى تهنئة الشعب المغربى بـ«نجاح» الانتخابات، ولكن دون التعليق على تقدم الإسلاميين.

وهذه الانتخابات، التى تعد الأولى بعد الإصلاح الدستورى الذى طرحه الملك ووافق عليه الشعب بأكثرية ساحقة فى استفتاء قبل 5 أشهر، يفترض أن تعزز النظام الديمقراطى فى البلاد. فرغم أنه يتردد أن القصر الملكى لا يميل لـ«الإسلاميين»، فإن الدستور الجديد لن يترك للملك خيارا سوى تسمية رئيس وزراء من «العدالة والتنمية» إذا أثبتت النتائج النهائية فوزه بالنسبة الكبرى من مقاعد البرلمان، ليكون بذلك ثانى حزب إسلامى معتدل يقود حكومة دولة بشمال أفريقيا منذ بدء انتفاضات «الربيع العربى» بالمنطقة بعد تونس التى فازت فيها حركة «النهضة» الإسلامية - التابعة أيضاً لجماعة «الإخوان المسلمين» - بأكبر عدد من مقاعد «المجلس التأسيسى».

وكان كثير من المراقبين توقع أن يحتل «العدالة والتنمية» صدارة النتائج بالنظر إلى شعبيته المتزايدة فى موقع المعارضة، وذلك باعتماده «لغة الجماهير» وتعبيره عن هموم الناس وخاصة الطبقات المهمشة، وكذلك لتحولات المحيط الإقليمى التى حملت الإسلاميين إلى صدارة المشهد، وخصوصا فى تونس ومصر، فضلاً عن اتساع دائرة الغضب الشعبى من الأحزاب التى شاركت فى تدبير الشأن العام بالمملكة التى تواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية، فى مقابل إشارة المواطنين الذين يقطنون بلديات يسيرها «العدالة والتنمية» إلى التزام الحزب بتنفيذ برامجه السياسية مما ينعكس بالإيجاب على تلك المناطق. ولفت الباحث والإعلامى المغربى المقيم بهولندا التجانى بولعوالى أيضاً إلى دور احتجاجات الشارع المغربى فى رفع الوعى لدى المواطنين، ودفعهم إلى البحث عن «البديل» السياسى المتمثل فى «العدالة والتنمية» أملاً فى تحقيق الإصلاح، كما أشار إلى تصاعد موجة «الإسلاموفوبيا» لدى الغرب كعامل مساعد فى صعود نجم «العدالة والتنمية»، موضحاً أن تلك الحملات جعلت الجماهير ترى فى كل من يدافع عن الإسلام «مثلها الأعلى». لكن البعض الآخر من المحللين يشير أيضاً إلى أن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية فى المغرب كشفت عن صمود الأحزاب الأخرى بتعدد توجهاتها وقدرتها على المنافسة أمام تيار دينى يعد هو الأقرب لمجتمع محافظ. ويقول هؤلاء إنه فى حالة فوز «العدالة والتنمية» بـ100 من مقاعد البرلمان، كما أعلن من قبل بن كيران، فذلك يعنى أنه فائز فقط بربع مقاعد مجلس النواب تقريباً، بينما تسيطر على ثلاثة أرباع المقاعد تيارات أخرى. وهذا يطرح بدوره الشكل النهائى للفسيفساء السياسية والاجتماعية لمجتمعات المغرب العربى، فحزب «النهضة» الإسلامى الفائز فى تونس لم يستحوذ على أغلبية مطلقة، وتقاسم السلطة فى النهاية بـ«ترويكا» ثلثاها لصالح الحداثيين والليبراليين، وإن كان هو على رأس الحكومة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية