x

الدكتور مفيد شهاب يكشف لـ«المصري اليوم» فى الذكرى 36 لتحرير سيناء عن حقائق تُنشر لأول مرة حول استرداد طابا: «معركة طابا» امتداد لـ«نصر أكتوبر»

الأحد 29-04-2018 14:36 | كتب: ثروت محمد, شريف عارف, محمد عبد العاطي |
المصري اليوم تحاور«الدكتور مفيد شهاب» المصري اليوم تحاور«الدكتور مفيد شهاب» تصوير : حسام فضل

فى إحدى ليالى نهاية ثمانينيات القرن الماضى، قرر أن «يعزم» أسرته على تناول العشاء بأحد مطاعم «البيتزا»، ولدى جلوسه على المنضدة بصحبة الأسرة، اقترب منه أحد العاملين ليسأله بهدوء: «حضرتك د. مفيد شهاب؟».. فأجابه بهدوء: «نعم»، ففاجأه العامل بسؤال آخر: «إنت.. بتاع طابا؟».. فانفجر من الضحك قائلاً: «أيوة يا سيدى.. أنا بتاع طابا».. وأصر العامل أن يعزم الأسرة على العشاء على نفقته.. وفشلت كل محالاوت «شهاب» فى أن يثنيه عن ذلك.

هكذا عاش «د. مفيد شهاب» مرتبطاً اسمه بالقضايا الوطنية الكبرى وربما الأزمات الدولية. رمزاً من الرموز وقامة من القامات المصرية المهمة، التى قدمت الكثير- ولازالت- لهذا الوطن.

من الصعب أن تحدد طريقاً إلى شخصيته، لأنك ستتوقف حتماً أمام شخصية محورية، تتنوع الطرق المؤدية إليها بين الأستاذ الجامعى والفقيه فى القانون الدولى، والعالم صاحب المؤلفات، والمفاوض والسياسى والوزير.. وقبل كل شىء الفنان العاشق- وأسرته- للفن، خاصة اللوحات الزيتية، التى تتزين بها جدران منزله.

حياته تمضى بين سلسلة كبيرة من المحطات المهمة، استقرت مؤخراً بالابتعاد عن العمل السياسى استجابة لرغبة الأسرة.. وقته الآن يقضيه بين القراءة والأبحاث والتدريس الجامعى، فهو يعتز بمقولة والده له وهى «إنك خلقت لتكون أستاذاً جامعياً».

فى الذكرى 36 تحرير سيناء يكشف د. مفيد شهاب فى حوار خاص لـ«المصرى اليوم» عن حقائق وأسرار تنشر لأول مرة حول عملية «استرداد طابا»، والتى تمثل واحدا من أهم انتصارات الدبلوماسية المصرية، فى المعركة التى خاضتها مصر على مدى 6 سنوات حتى التحكيم الدولى وصدور الحكم النهائى، بدءا من توقيع اتفاقية المشارطة فى 11 سبتمبر 1986، والتى قبلتها إسرائيل بضغط من الولايات المتحدة. وهدفت مصر منها إلى إلزام الجانب الإسرائيلى بالتحكيم وفقاً لجدول زمنى محدد بدقة، وحصر مهمة هيئة التحكيم فى تثبيت مواقع العلامات الـ14 المتنازع عليها والتى صدر حكم هيئة التحكيم فى جنيف بسويسرا فى يوم 29 سبتمبر 1988 لصالح مصر.. وقتها ضجت المحكمة بالهتاف: «الله أكبر.. وتحيا مصر».. وفى 19 مارس 1989 كان الاحتفال التاريخى برفع علم مصر معلناً السيادة على طابا.. وإلى نص الحوار:

المصري اليوم تحاور«الدكتور مفيد شهاب»

■ كيف تشكلت لجنة استرداد طابا.. والحقائق التى ربما لم تتعرف عليها الأجيال الحالية؟

- قضية استرداد طابا، من الموضوعات المحببة لنفسى واخترت أن تكون موضوع تدريسى لطلاب الدراسات العليا فى القانون الدولى، ومنها عرض حالة النزاع على طابا كحالة ونموذج، وأتذكر أننى فى أحد البرامج سألنى المذيع نحن نبدأ الحوار معك، وهل نحب أن نجرى الحوار معك كأستاذ جامعى أو رئيس جامعة القاهرة الأسبق أو وزير تعليم أسبق أو وزير شؤون قانونية أسبق، أم بصفتك «بتاع طابا».. فرددت قائلا: أحب أن أكون «بتاع طابا»، وأنا سعيد بأن أكون هكذا، كما قالها بعفوية الشاب فى محل البيتزا، وهذا ما يؤكد أن الشعب يهتم بقضايا وطنه ولديه حس وطنى، ونرغب أن تبقى فى كل الأوقات وليس فى الأزمات فقط..

وأعود إلى موضوع طابا، وأرى أن الثقافة والتعليم يجب أن يعطيا مساحة أكبر للتعرف على مفاوضات طابا، لأن الشباب الذى لم يدرك هذه الأيام لا يعلم الكثير، كما يجب أن تكون هناك وسائل لتعليم الدروس المستفادة من النكسة والهزيمة. وبالنسبة لزاوية التفاوض فإن إسرائيل عقب نصر حرب أكتوبر، أيقنت أنها لن تستطيع الاستمرار فى البقاء على أرض سيناء، وأن الجيش المصرى الذى أعاد بناء نفسه فى 6 سنوات منذ عام 1967 وحتى 1973، تخللتها حرب الاستنزاف العظيمة التى لها دور كبير، وحارب بقوة وعزيمة لاسترداد أرضه وانتصر انتصاراً عظيماً تحدث عنه العالم، لن يقبل بأى حال من الأحوال التنازل عن أرضه.

وعندما دارت عجلة المفاوضات، والتى قادها الرئيس الراحل أنور السادات، وانتهت باتفاق «كامب ديفيد» عام 1978، أى بعد انتصارنا بأقل 5 سنوات، كان إعلان مبادئ يلزم إسرائيل بالانسحاب الكامل من الأراضى المصرية لتعود إلى حدود 4 يونيو 1967، وفى المقابل تعترف مصر بإسرائيل كدولة، وتدخل فى تعاون تجارى معها، وهو إعلان مبادئ التسوية للنزاع المصرى الإسرائيلى حول الانسحاب، والذى تحول فيما بعد إلى اتفاقية تفصيلية تسمى اتفاقية السلام، ووقعت فى 29 مارس عام 1979، وهذه الاتفاقية تنص على عدة بنود أهمها انسحاب من كافة الحدود، وضمنت إسرائيل فتح علاقة مع أكبر دولة عربية وقيام تمثيل دبولماسى بين البلدين. ونظمت فى ملاحق الاتفاقية ما هى قواعد الانسحاب، وتم الاتفاق على أنه من عام 1979 حتى 1982 سيتم الانسحاب على مراحل بحيث يأتى يوم 29 عام 1982 يكون تم الانسحاب من كافة الأراضى المصرية، وبدأت إسرائيل التنفيذ بدقة شديدة، وبلجان مشتركة، ولكن عندما اقتربنا من إبريل 1982، تبين أن إسرائيل لا تريد الانسحاب من بعض المواقع، وبدأت تضع نقاطا أخرى بمعرفتها، وتغير ملامح مناطق الانسحاب، وكما نعلم أن الحدود مع إسرائيل عبارة عن خط شبه مستقيم له 91 نقطة، ومن رفح وحتى طابا بمسافة 240 كيلومترا، من العلامة 1 إلى العلامة 91، وتم تحرير محاضر انسحاب، حتى تبقى 14 موقعاً متنازعا عليها زعمت إسرائيل أن فيها تغييراً لصالحها، ثم 4 علامات فى منطقة رأس النقب فى وسط سيناء، وهى علامات 85 و86 و87 و88.. والأخيرة العلامة 91 على الخليج، وتزعم أنه من حقها مواقع غير المحددة من مصر، وبالتالى سنخسر 5.5 كيلو متر مربع وهى منطقة رأس النقب، وكيلو ونصف مساحة طابا.. ومعلوم أن الأرض تمثل لنا الشرف والعرض رغم صغر المسافة المتنازع عليها، كنا على قناعة بأن التفريط فى رملة واحدة من رمال مصر أو شبر واحد هو تفريط فى السيادة.

■ بماذا تفسر الادعاء الإسرائيلى فى تغيير مواقع الانسحاب التى حددتها مصر فى هذا التوقيت الحساس وقبل أسابيع من إتمام الانسحاب النهائى؟

- إسرائيل كانت تسعى لإحراج مصر التى أعلنت عن انسحاب إسرائيل الكامل ورفع العلم المصرى على كامل سيناء فى 29 مارس 1982، والشعب كان فى لهفة لرؤية هذا الانسحاب الكامل. وبالتالى لم ترد إسرائيل أن تكمل فرحتنا، أو أن يرى العالم أن مصر قد انتصرت وعادت لها أراضيها، وعلى الجانب الآخر تعطى درسا للدول العربية، التى احتلت أراضى منها وهى سوريا والأردن ولبنان، بأنها إن اتفقت على الانسحاب من أراضيكم سيكون من كامل الأراضى، ولكن ستكون هناك تعديلات، وبالتالى أخذت «أم الرشراش» فى الأردن وسمته ميناء «إيلات»، وهو مواجه مباشرة لمنطقة طابا. وبالتالى كانت طابا مهمة لنا، بالإضافة الى أنها منطقة سياحية جميلة تتمتع بشاهد خلابة، وأن القوة العسكرية المصرية ستكون بحصولها على طابا مطلة على أم الرشراش، ورأس النقب بها مطار عسكرى.

■ هل هدد الرئيس الأسبق حسنى مبارك باستخدام القوة؟

- كانت التهديدات بين قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية واستخدام القوة، ولكن المفاوضات دائما تمر بها مثل هذه التهديدات.

■ متى بدأت؟

- قبل إبريل 1982.. خلال هذه الفترة كان كمال حسن على يخرج ومعه شارون بطائرة هليكوبتر، ويشير «على» لشارون إلى أماكن العلامات التى غيرها عساكر إسرائيل، وكان شارون يرد بأنها أماكن تغيرت بفعل عوامل الطبيعة والمد والجذر!.. كانت هناك سرعة مصرية، وبالتالى اعتقدت إسرائيل أن مصر ستتهاون، وتتسامح فى بعض الأراضى لإعلان الانسحاب فى موعده أمام الشعب والرأى العام المصرى، وهنا كان دور الرئيس مبارك الذى طلب الاتفاق على صيغة، اقترحتها مصر برفع العلم المصرى فى 25 إبريل 1982، ولكن يعلن معها أن هناك 14 علامة ما زالت مختلفا عليها، حتى يتم التفاوض عليها للانسحاب الكامل منها. وبالفعل بعد 25 إبريل، بدأ التفاوض من خلال لجان مشتركة، وللأسف استمر التفاوض وإسرائيل مصرة على موقفها وكذلك مصر.. خلال هذه الفترة كان كمال حسن وعصمت عبدالمجيد، والقوات المسلحة والخارجية يتفاوضون بدعم من المراسلات والخرائط حتى 1985، ولكن ظلت إسرائيل مصرة على موقفها، وهنا هددت القاهرة بمواقف رادعة لإسرائيل منها إعادة النظر فى التمثيل الدبلوماسى وأعداد السياح الإسرائيليين المترددين على مصر، وراوغت إسرائيل بمقترحات مغلفة بالرفض.

■ أين كان موقع سيادتكم فى هذا التوقيت؟

المصري اليوم تحاور«الدكتور مفيد شهاب»

- فى هذا التوقيت انضممت كمستشار قانونى للوفد المفاوض برئاسة وزير الخارجية المصرية، ومعنا أحمد ماهر السيد، والدكتور نبيل العربى وأسامة الباز وبدر همام، وكلها كانت مفاوضات تقودها الخارجية وحدها.

■ وما هى كواليس مفاوضات الخارجية المصرية؟

- مع بداية عملى مستشاراً قانونياً لوفد الخارجية، كنا نشارك فى إحدى جولات المفاوضات بفندق مينا هاوس، بحضور السفير الإسرائيلى، موشيه ساسون، وقال عصمت عبدالمجيد: «إن مفيد شهاب لن يكون مع الجانب المصرى ولا الإسرائيلى وسيكون رجلاً محايداً لنرجع إليه كمرجعية فى القانون الدولى».. وكان يسألنى عصمت عبدالمجيد فى أى موقف، ما رأى القانون الدولى فى هذا الموقف، فأرد قائلا: «هو فى صف الرأى المصرى».. وعندما تكرر الأمر أكثر من مرة، نظر إلىّ السفير الإسرائيلى ورئيس الوفد إبراهام تامير، ووجه لى السفير الذى يتحدث اللغة العربية بطلاقة، وسألنى ما اسمك؟، فرددت: «مفيد شهاب».. فقال: من اليوم سألقبك بـ«مُضِر شهاب»، وأذكر أننى رويت لأحد الصحفيين الموقف، ووجدت مانشيتا فى اليوم التالى بعنوان: «شرف لك أن تكون مضر شهاب»، وبعدها عرضنا على رئيس الجمهورية الموقف، وكان يتابع يوميا ويتصل بى شخصياً وبوزير الخارجية، ويبلغه بأنه يحب أن يسمع رأى مفيد شهاب كقانونى.

■ ماذا كانت أسئلة الرئيس الأسبق مبارك حول الأمر؟

- قبل أن أشارك فى المفاوضات، كنت مستشاراً قانونياً للصندوق العربى للإنماء الاقتصادى بالكويت، واتصل بى المرحوم الدكتور أسامة الباز، وقال لى: «الرئيس مبارك يرغب فى الجلوس معك».. وحكى لى عن نية تفكير مصر فى التوجه للتحكيم الدولى لاسترداد طابا.. وعدت إلى القاهرة وتسلمت الملف لإبداء الرأى وفى اجتماع مع 5 آخرين بحضور الرئيس مبارك، سألنى: «ما الموقف؟» ورددنا أن موقف مصر قوى، وسألنا: هل أخضع للتفاوض الإسرائيلى أم أبلغهم باللجوء للتحكيم الدولى؟.. فاخترنا التحكيم.

وفى بداية الأمر، تم اقتراح محكمة العدل الدولية، لكن الجانب الإسرائيلى رفض بسبب صدور قرارات من هذه المحكمة ضد اليهود، وإسرائيل، وقلنا لهم ماذا تقترحون؟ فقالوا: «نقترح التوفيق.. وتشكيل لجان»، وأبلغنا الرئيس مبارك بمقترح إسرائيل بإمكانية التوفيق، من خلال تشكيل هيئة تحكيم من 3 أعضاء يختارهم الجانبان ثم بعدها يتم تقديم الوثائق والبت فى الأمر، من خلال وسيط، والحل المقترح من هيئة التحكيم هو مقترح، ولا يصدر حكما ملزما أو يطبق القانون، ويصدر توصية، لكن مصر تحمست للتحكيم، وتطبيق القانون وأن يكون حكم التحكيم ملزما. وعرضنا على الرئيس مبارك الأمر، فقال: «إن الإسرائيليين سيراوغون.. واسمع يا شهاب.. إذا منحنا اليهود أصبعا سيأخذون اليد، وإذا منحناهم اليد سيأخذون الذراع، فلا تتهاونوا مع اليهود وأنتم تتفاوضون معهم، وقد أبلغتمونى بأن موقفنا قوى، وسنحترم القانون أيا كان، إذا حكم لصالح مصر أو غيرها».

وأثناء سير المفاوضات، أعلن الوفد الإسرائيلى من «مينا هاوس» أن المفاوضات فشلت، ولكن فوجئنا بأنه صدرت تعليمات لنا بالذهاب إلى مينا هاوس لاستكمال التفاوض، بعد أن أبُلغنا بعدم الذهاب قبلها بقليل، ولكن التغيير حدث بسبب اتصالات أجريت على مستوى عالٍ بين الجانبين، وكان الجانب الإسرائيلى يشهد انتخابات داخلية، فخشى أن تقطع مصر العلاقات مما يحرج السلطة الإسرائيلية أمام الرأى العام لديها، وبلغنا فيما بعد أن مصر أبلغت شيمون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلى، وقتها بأن زيارته لمصر مرفوضة ما لم تقبل تل أبيب بالتحكيم فى نزاع طابا، فوافقوا على قبول التحكيم. ومن هذا التوقيت أصبحت عضوا فى فريق المفاوضات المصرى، وشُكلت لجنة بقرار نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية عصمت عبدالمجيد تحت اسم «اللجنة القومية لاسترداد طابا»، وتضم كل من له علاقة بالقضية، كأساتذة القانون والتاريخ والجغرافيا، وعسكريين ورجال قضاء مثل فتحى نجيب، رئيس المحكمة الدستورية العليا، ومحمد أمين المهدى، رئيس مجلس الدولة ووزير الشؤون القانونية، ومن القانونيين كنت أنا وطلعت غنيم، وصلاح عامر.

■ البعض ألمح إلى أن اللجنة كانت تضم الدكتور وحيد رأفت الذى كان يشغل فى هذا التوقيت منصبا قياديا داخل حزب الوفد.. ما الذى تتذكره حول هذا القرار؟

عشرات الإسرائليين أثناء «الخروج الكبير» من طابا

- كانت اللجنة تجتمع بانتظام، وكان الدكتور وحيد رأفت، نائب رئيس حزب الوفد، عضواً بها، وتساءل البعض كيف يكون معارضاً وينضم للجنة قومية؟، ورد هنا رئيس الجمهورية قائلاً: «فى القضايا القومية.. لا فرق بين أغلبية ومعارضة».. فقد كان الدكتور وحيد رأفت أكبرنا سنا، ويقود الفريق القانونى، لكن للأسف توفى بعد الجلسة الأولى، وانبثقت من هذه اللجنة هيئة الدفاع، وكانت برئاسة ممثل مصر، وهو مدير الإدارة القانونية نبيل العربى، وسبقه أحمد ماهر، وهو ممثل الخارجية، ومعه هذه المجموعة.

ودخلنا فى مفاوضات جدية، ومعنا الفريق المصرى والإسرائيلى وفريق أمريكى كطرف استشارى مثلما فعلوا فى كامب ديفيد، التى كان يحضرها الرئيس الأمريكى كارتر، وفى وثيقة الاتفاقية، كانت هناك مادة تقول إنه إذا حدث نزاع، فإنه يحل عن طريق التفاوض، ثم التوفيق وبعدها التحكيم، وطبقًا لهذه المادة التى تقر بهيئة التحكيم، دخلنا فى مفاوضات لمدة 6 أشهر حول لجان التحكيم وكيفية تشكيلها، وتمت الموافقة على 5 أعضاء، وكان فى معظم هيئات التحكيم 3 أعضاء فقط، لكن الدكتور وحيد رأفت قال إننا يجب أن نصل بالأعضاء إلى 5 أفراد، حتى نبتعد عن أخطاء العضو المحايد، لكن الإسرائيليين جادلوا بسبب التكلفة، وبعدها وافقوا، واقترحت إسرائيل محكما اعترضنا عليه بسبب تحيزه لليهود، بينما رفضت مقترحنا لمحكم آخر بسبب كرهه لليهود، وتحيزه للعرب، وظللنا هكذا حتى وافقنا على أعضاء الهيئة، واختارت مصر الدكتور حامد سلطان، وهو أستاذى ورئيسى فى العمل، وإسرائيل اختارت أروث لابيدوس أستاذة جامعية، وسويسرى وفرنسى ورئيس للمحكمة اسمه لاجراجرل، سويدى الجنسية، وتم الاتفاق على هيئة التحكيم، وتقدمنا بمذكرات من شهرين من تشكيل الهيئة، وأول ما تقدمنا به هى المذكرات المكتوبة فى المرحلة الأولى، تلتها مرافعات لمدة 10ساعات لكل جانب، واخترنا 5 محامين، وكذلك الشهود، وأحضرنا كمال حسن على، وإسماعيل شيرين الذى كان وزيراً للدفاع فى عهد الملك فاروق وزوج شقيقته وأحضرناه من جنيف، وقدم صورا لخدمته العسكرية فى طابا ومعه كتيبة كاملة، كما نصحنا سفيرنا فى يوغوسلافيا بسماع شاهد يشغل رئيس شركة هناك، اكتشفه فى يوغوسلافيا ومعه وثائق، وكان ضمن قوة الطوارئ الدولية عندما دخلت فى 1957 لطابا، وقال إنه عندما انسحبوا سلّم طابا لضابط مصرى.. وهكذا.. وقدم الإسرائليون شهوداً على الجانب الآخر. وعلى ذلك انتقلت المحكمة بالطائرة للمعاينة، وكنت معهم، واستفسروا عن العلامات، وظلت المحكمة 3 أسابيع للتداول لإصدار حكمها النهائى بأن رأس النقب كاملة وطابا كاملة مصريتان.

■ قبل جلسة النطق بالحكم بأيام روجت إسرائيل- فى إطار ما يشبه الحرب النفسية- أن الحكم سيكون لصالح إسرائيل.. فما حقيقة الأمر؟

الرئيس الأسبق حسنى مبارك أثناء رفع العلم المصرى على طابا

- هذا الكلام صحيح.. ووكالات الأنباء العالمية نفسها روجت لذلك وأمريكا أبلغت مندوب مصر: «بلغ رئيسك أن الأمر انتهى وفقا لمعلوماتنا لصالح إسرائيل، ويجب عليه أن يخضع لوساطة أمريكا فى إجراء مفاوضات بين الطرفين، وأن الأمر سيكون خطيرا عند النطق بالحكم لصالح تل أبيب».

■ وماذا كان رد الرئيس؟

- فى الحال استدعى رئيس الجمهورية عددا من أعضاء لجنة طابا، وقيادات مسؤولة فى الدولة بمقر الاتحادية، كان من بينهم رئيس الوزراء عاطف صدقى والمشير أبوغزالة ووزير الداخلية، وجميع القيادات ونبيل العربى وأنا.. وسألنا: هل نخضع لأمريكا أم لا؟ وما الموقف الآن؟ ووجدنا بالإجماع نرفض هذه التسوية، خاصة بعد أن اتضح أن الفارق بين مذكراتنا ومذكراتهم كما «بين السماء والأرض» والمرافعات الشفوية كنا أقوى فيها، وأجمعنا دون تردد على ألا ندخل فى التسوية، وقال مبارك: «هل أنتم ضامنون الحكم ومطمئنون؟» فقلنا: نعم.

وعندما أعلن الحكم فى تمام الساعة 2.30 ظهرا، ضجت القاعة بالهتاف «الله أكبر.. تحيا مصر».. وهنا ضربت إحدى عضوات الفريق الإسرائيلى بيدها على المائدة. وقالت: «هذا حكم غير صحيح، فهدأها رئيس هيئة التحكيم وطلب منها إرفاق كلامها مع مذكرة بالحكم، لكنها غير ملزمة، وأبلغها بأن الحكم صدر بموافقة 4 أعضاء ورفض عضو واحد فقط، ودعانا جميعا إلى تناول الشاى، وجميعنا كنا نصرخ من الفرح وسمعت المستشار القانونى للوفد الإسرائيلى روزن شباتاى يقول إحنا عارفين يا مصريين إن طابا مصرية، ولكن دخلنا التحكيم لأننا اعتقدنا أنكم ستفشلون فى الدفاع عن حقكم»! وكأنهم دخلوا رهانا فى فشل الجانب المصرى، ولكن تبين لهم أن العرض المصرى كان موضوعيا، واكتشفوا أننا أحضرنا وثائق مهمة، وقالوا إنهم خدعوا، ولو يعلمون أن مصر تحسن الدفاع ما دخلوا فى التحكيم.

■ تردد أن الفريق المصرى المفاوض حصل البعض منهم على مناصب كنوع من المكافأة بأن أصبح مسؤولاً عن عدد من الملفات داخل مصر؟

المصري اليوم تحاور«الدكتور مفيد شهاب»

- عهدى أن أى إنسان كان يعهد إليه بملف ما لم يكن كنوع من المكافأة أو الجائزة أو المقابل، إنما كان يمثل تكليفاً بحكم التخصص. فنحن كوننا أعضاء بهيئة الدفاع ليس لأننا ابن فلان أو قريب فلان أو أننى على صلة بفلان. نحن أتينا بحكم تخصصنا.. لا الرئيس مبارك كان يعرفنى.. ولا عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية كان يعرفنى.. إنما هم يعرفون أننى أستاذ قانون دولى بجامعة القاهرة، وطلعت الغنيمى أستاذ قانون دولى بجامعة الإسكندرية، وصلاح عامر أستاذ قانون دولى، ويوسف أبوالحجاج، أستاذ جغرافيا بجامعة عين شمس، فكل هؤلاء تم اختيارهم بحكم تخصصاتهم. إذا كان البعض قد عهد إليه فيما بعد بملفات أخرى لدراستها فلم يكن ذلك كمكافأة بل تقديراً لتخصصه.. أنا عُهد إلىّ فيما بعد بمتابعة جوانب قانونية فى قضايا قومية.. هل هذا بمقابل؟ ما أريد أن أقوله.. عندما عرض على الوفد المصرى أن يحصل على مكافآت نظير الجهد الذى قام به بعد صدور الحكم، وأعُدت المذكرة الخاصة بهذه المكافآت كانت المفاجأة أن رفض جميع أعضاء الفريق بدون استثناء الحصول على مليم واحد.. فإذا كان البعض منا قد كلف بمهام أخرى فهذا بحكم تخصصه.

■ النصر الذى تحقق فى قضية طابا ما كان ليحدث لولا النصر العظيم فى ٦ أكتوبر.. ما هى ذكرياتك عن يوم النصر؟

- يوم ٦ أكتوبر كانت ملحمة نتذكرها ونعتز بها ونفرح بها، ونحتفل بها، لأنها من أهم انتصاراتنا فى العصر الحديث التى يفتخر بها كل مصرى وكل عربى، لأنه فى هذا اليوم استطاع الجيش المصرى أن يسجل بأحرف من نور شرف الدفاع عن أرضه.. فاستعاد قدراته مرة أخرى، بعد أن واجه ضربة قاسية دون أن يحارب على أرض الواقع فى يونيو ١٩٦٧.

كل ذلك كان له تأثير كبير جدا على معنويات الشعب المصرى، الذى تيقن بقدرة جيشه على التحرير، ثم جاء الانتصار العسكرى الذى كان مفاجأة للعالم كله، لأن تحقيقه كان يتضمن معوقات كثيرة تجعل أى حديث عن عبور القناة شبه مستحيل.. كيف تعبر القناة، فهذا مانع مائى صعب جدا؟.. كيف تستطيع تجاوز خط بارليف، وتصل إلى سيناء؟ كيف يمكن للطيران أن يتجاوز كل هذا، ويضرب عمق سيناء؟.. كلها أسئلة ما زالت تبحث عن إجابات فى دوائر التخصص.. حرب أكتوبر انتصار بكل المعانى العسكرية والسياسية والمعنوية، وأى انتصار تحقق فيما بعد هو ناتج عنه.. فأنت عندما تتفاوض فإنك تتفاوض بقوة، وتطالبه بالانسحاب لماذا؟ لأنك تستند لانتصار أكتوبر، ثم تقول له: لن أترك «طابا» لك.. لماذا؟ لأنك مستند لاتفاقية انتزعتها منه يقر فيها بالانسحاب من كل الأراضى.. ما أريد أن أقوله الملحمة الكبرى هى نصر أكتوبر العسكرى.. ومعركة «طابا» هى امتداد لهذا النصر. والذى يجب أن نتذكره هذا اليوم بالتقدير هم شهداء مصر والقوات المسلحة الذين محوا عار هزيمة ١٩٦٧. ولكن علينا- أيضا- أن ننظر إلى الدرس المستفاد لماذا انهزمنا فى ١٩٦٧؟ ولماذا انتصرنا فى أكتوبر ورفعنا العلم فوق سيناء.. انتصرنا أولا.. لأنه كان هناك الجندى الذى يحارب وهو عاقد العزم على تحرير الأرض. ثانيا: الدولة تخوض المعركة معتمدة على الناس ذوى الحس الوطنى من خريجى الجامعة المتعلمين والمثقفين الذين كانوا يحاربون باستخدام سلاح العلم. ثالثا كانت هناك إعادة لبناء القوات المسلحة. رابعا وجود قيادة عسكرية سياسية تتابع. وخامسا الجيش أعيد بناؤه.. كل هذه عدة معايير أدت إلى الانتصار. أما الهزيمة فتمت لأننا لم نكن مستعدين للحرب وأردنا أن نهدد بالحرب، فانتهز العدو هذا التهديد وضربنا دون أن نحارب، وهزمنا والطائرات مازالت على الأرض.. حرام يقال إننا انهزمنا ونحن لم ندخل معركة.

■ .. وهل أحسن الرئيس السادات تسويق نصر أكتوبر؟

المصري اليوم تحاور«الدكتور مفيد شهاب»

- نعم.. مجرد تحرير أرضك.. أليس هذا انتصارا عظيما.. أجبرت العدو على ترك الأرض المحتلة، صحيح الرئيس السادات لم يكمل تحرير الأرض عسكريا، وكما قال بمنتهى الصراحة: «أننى حاربت إسرائيل وهزمتها»، وبذلك أثبت للعالم أنه حارب وانتصر، وأن هذا الشعب لا يقبل أن تبقى أرضه محتلة. صحيح أنه تحمل ٦ سنوات من احتلال أرضه على مضض ـ لكنه قادر على أن يحررها. لكن فى نفس الوقت اعترف السادات بالواقع.. فعندما قالت الولايات المتحدة الأمريكية إننى لن أترك إسرائيل تهزم عسكريا فتدخلت الولايات المتحدة وكانت «الثغرة». الرجل قال صراحة أنا لا أستطيع أن أدفع بجنودى ليموتوا فى معركة غير متكافئة تدخل فيها الولايات المتحدة بجوار إسرائيل، فكان الرجل واقعيا. فانتصار أكتوبر حققناه ضد إسرائيل لوحدها، إنما تتدخل أمريكا بجوارها يصبح صعبا.. فلولا هذا النصر العسكرى ما كانوا قد قبلوا بمبدأ الانسحاب. وأثناء الانسحاب حاولوا الاحتفاظ ببعض المستوطنات مثل مستوطنة «يا ميت» ودمروها وحرقوها قبل الانسحاب..! السادات رفض أن يتنازل عن شبر واحد وجاء حسنى مبارك وأكمل على نفس الأداء. وهذه هى القوات المسلحة المصرية.. الجيش المصرى لا يقبل أبدا أن يتنازل ولو عن جزء صغير من الأرض.. والتاريخ المصرى كله يشهد بهذا.

■ هل النصر العظيم فى الحرب والتفاوض وتحرير سيناء لم نقدره نحن وتركنا سيناء بقليل من التنمية.. وفوجئنا بالواقع الحالى؟

- كان المطلوب ومازال أن تتم التنمية والتعمير بصورة أسرع وأقوى حتى الناس الموجودين فى سيناء تشعر بالأمان، والتواجد يبقى قوى، ولكن عموماً قولا واحدا سيناء حصل بها تنمية.. اتعمل فيها مدارس.. اتعمل فيها مستشفيات.. اتعملت فيها قرى سياحية.. اتعملت فيها زراعة.. اتعملت فيها سياحة.. وكل اللى حصل فى شرم الشيخ واللى حصل فى الشمال.. وفى جنوب سيناء حصل تنمية.. لكن سيناء واسعة جدا وبها مناطق جبلية صعب أن تكون كلها مأهولة بالسكان.. فيها فراغات جغرافية جبلية لا تقدر أن تملأها بالناس. تجعل قدرات التعمير محدودة أيضا. الذى أريد أن أقوله لا نظلم أنفسنا ولا نظلم الفترة الماضية.. كان مطلوبا ولا يزال أن تكون التنمية أكبر، وأن تكون عمليات التعمير أكثر، فهذا هو الضمان الحقيقى..

■ اسمح لنا أن ننتقل إلى محور آخر وهو الحياة السياسية.. أساس وجود الديمقراطية فى أى دولة يقاس دائماً بوجود الأحزاب والممارسة السياسية عموماً.. كيف تنظر إلى الحياة السياسية المصرية بعد ثورتين شعبيتين شهدتهما مصر؟

- الحياة السياسية الصحيحة، لابد أن يكون قوامها التعددية الحزبية. فالديمقراطية- كما ندرس للطلاب- هى حكم الشعب للشعب وبالشعب. ولنجاح التجربة الديقراطية عموماً، لابد وأن يحقق كل مجموعة أفراد وجهات نظرهم فى شكل تجمعات. قد تكون نوادى اجتماعية أو جمعيات، ولكن الأفضل هو التجمعات السياسية المتمثلة فى الأحزاب. والنظام المصرى، وفقا للدستور فى مادته الخامسة، قوامه التعددية الحزبية، والمواطنة والفصل بين السلطات. كل هذه المقومات التى تحقق الديقراطية إلى جانب الوعى العام والثقافة السياسية لدى المواطينين. فالأحزاب وحدها أو الحكومة نفسها لا تستطيع أن تحدث أى تقدم ديمقراطى، دون وجود تفاعل شعبى وإدراك الشعب لحقوقه وواجباته. ووفقاً لما هو موجود، فلا أستطيع أن أقول إننا نعيش فى جو ديمقراطى حقيقى.

■ التجربة الحزيبة المصرية أصيلة ومتجذرة لأكثر من قرن من الزمان.. ما تقييمك للأحزاب الموجودة الآن وعددها تجاوز المائة حزب؟.. وما أسباب عزوف الجماهير عن «الممارسة السياسية»؟

- التعددية ليست بالعدد ولكن بالتأثير.. أما أسباب العزوف فهى عديدة منها التاريخى، ومنها طبيعى لشعبنا الذى اعتاد أن يكون هناك المسؤول الذى يبحث له قضاياه ويحل له مشاكله. وهذا جزء من طباعنا، فنحن على مستوى الأسرة نعتمد دائماً على رب الأسرة. هذا التكوين فى طبعنا وكان من المفترض أن يصقل بالتربية. ولكن للأسف هذا الكلام غير موجود، لأننا عشنا أسرى على مدى قرون طويلة لنظرية أن هناك «حاكم» هو الذى يفكر لنا، وهو الذى يدبر لنا أمورنا. ولكن معدن الشعب الحقيقى لا يظهر إلا وقت الأزمات، فتجد المواطن المصرى يهب ويشارك ويتفاعل، وبعدما تنتهى الأزمة يرجع إلى طبيعته فى الاعتماد على رب الأسرة.

■ كيف نعيد للأحزاب قوتها وتفاعلها الحقيقى مع الشارع؟

- إذا اردنا أن نعيش ديمقراطية حقيقية، فلابد لنا أن نقيم التجارب الماضية التى عشناها قبل ذلك. ونحدد مسؤولية كل فرد وجهة فى المشاركة فى الحياة السياسية. وكيف ننمى روح وفكرة المشاركة السياسية بداية من الطالب فى المدرسة. وهذا الدور لابد وأن تشارك فيه كل المؤسسات المجتمعية بتجاربها الرائدة فى المبادرات المجتمعية. ونعمل فى إطار جماعى ونتحدث بكل صراحة عن مشكلات البلد، خاصة الاقتصادية وكيف نتحملها سوياً، وأجهزة الثقافة والإعلام هى محرك رئيسى فى هذا الصدد.

■ فى عصور مضت.. كان الشباب هم وقود «الحراك السياسى» بماذا تفسر عزوف الشباب عن المشاركة السياسية؟

- هناك عدة أسباب فى ذلك، فشبابنا الآن ينظر إلى الخارج. هو يقتدى بالآخر. هو متسرع بعض الشىء فى البحث عن عمل وشقة والزواج، ويضغط على أسرته فى سبيل الوصول لذلك. أما أجيالنا ومن بعدنا فكان شعارهم «إحنا لازم نتعب.. ولازم نشقى».. كنا منشغلين بالوعى والتثقيف.. فبعدما عدت من البعثة بالخارج فى الستينيات، كانت هناك تجربة رائدة فى مصر شاركت فيها وهى تجربة «منظمة الشباب»، وكانت قائمة على فكرة معسكرات التثقيف فى حلوان والجزيرة وغيرهما.. وتم تقسيم العمل إلى عدة مراحل يتنقل المتدرب خلالها، ويصل بعدها إلى مرحلة أن يكون «موجهاً سياسياً».. كل ذلك من خلال حياة المعسكر حتى يعتاد المتدرب على الانضباط والحياة الخشنة، ونقف جميعاً فى طابور صباحى نؤدى التحية للعلم.

■.. ولماذا لا تعاد الاستفادة من هذه التجربة بتفاصيلها مع إضافة روح العصر إليها.. خاصة فى وسائل التواصل؟

- التجربة كانت ناجحة بشكل كبير خلال الستينيات واستمرت قرابة 15 عاماً تقريباً بنفس القوة والنضح.. ولكنها فى النهاية كانت وليدة كيان سياسى «واحد» هو الاتحاد الاشتراكى، الذى كان يضم تحت لوائه كل الأطياف. إنما اليوم وسط هذا الكم من التعددية الحزبية، فأنا لا أنصح أن يكون هناك «تنظيم قومى»، ولكن علينا دعم فكرة أن يكون هناك جناح شبابى داخل كل حزب. وهو المقدمة الحقيقية لتكوين قيادات سياسية، لأن غالبية القيادات الحالية غير فعالة والأحزاب بوجه عام «ضعيفة»، ولا مانع هنا من أن تنظم الأجهزة القومية حملات عامة وتقدم برامج تدريبية كالبرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب من كافة الأطياف للقيادة بهدف إنشاء قاعدة شبابية من الكفاءات القادرة على تولّى المسؤولية السياسية والإدارية. وهنا سنقضى على أزمة البحث عن «الصف الثانى»..

■ وبما تفسر استمرار بعض الأحزاب القائمة على أساس دينى.. والذى يتعارض بقاؤه مع نص الدستور؟

- أنا أرفض أن يكون هناك حزب قائم على أساس دينى. فقوام أى حزب هو «المواطنة». لا فرق بين دين وآخر، فالدين هو علاقة بين الإنسان وربه. أما علاقاته مع أقرانه فيحكمها الدستور والقانون.. ولا يجب أن تستمر مثل هذه الأحزاب طالما أنها قائمة على أساس دينى.

■ هل تتوقع كسياسى كبير أن تكون هناك اندماجات مستقبلا للأحزاب القائمة فيما بينها؟

- أن تتعدد الأحزاب فهذا أمر مطلوب، وفكرة «الحزب الواحد»، لم تعد مقبولة الآن فى ظل المتغيرات التى تشهدها منطقتنا والعالم بأسره. ولا ديمقراطية فى ظل حزب واحد مهما كان «حسه الوطنى».. أما مسألة وصول الأحزاب إلى هذا الكم فهو غير منطقى لأنه هذا العدد لا يحقق هذا التباين فى الأفكار.. قد ننحرف قليلاً بين اليمين واليسار، ولكن الكم لا يتناسب مع الأفكار.. وأرى أن الاندماجات هى الأنسب فى المرحلة المقبلة، فكل من يلتقون على أفكار اليسار مثلاً عليهم الاندماج فى كيان واحد واثنين، وكذلك الحال بالنسبة لليمين.. وبالتالى سيكون لدينا 4 أو 5 كيانات أساسية.. وأنا على المستوى الشخصى لا أتصور أن يكون هناك أكثر من 10 أحزاب فى مصر..

■ بماذا تنصح الأحزاب فى هذا الإطار؟

- أنصح بالاندماج فى حالة التوافق فى التوجهات.. فكما تبحث هذه الأحزاب عن تفعيل النشاط، عليها أن تطرح فكرة الاندماج وتبحث بكل جدية عنها، وهو ما سينعكس على الحياة السياسية عموماً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية