تضاربت أنباء حول صفقة بين مصر وإسرائيل بشأن الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلى من أصل مصرى «عودة الترابين» فى وسائل الإعلام الإسرائيلية، إذ أكد بعضها أن الصفقة تدخل مرحلة الحسم، فيما انتقد البعض الآخر موقف مصر، مؤكدين أنها ترفض إتمام الصفقة، فى المقابل لم يخرج رد رسمى واحد من الجهات المسؤولة فى مصر يكشف عن حقيقة هذه الأنباء.
انتقدت صحيفة «ذا ماركر» الإسرائيلية ما سمته رفض مصر الإفراج عن الجاسوس «عودة الترابين» المسجون فى مصر بعد إدانته بالتجسس لصالح الموساد الإسرائيلى منذ 2000.
فى المقابل، كشفت إذاعة صوت إسرائيل أن صفقة جديدة يتم الإعداد لها بين القاهرة وتل أبيب للإفراج عن الجاسوس عودة ترابين، عقب الانتهاء من صفقة الجاسوس الإسرائيلى «إيلان جرابيل» مقابل 25 سجينا مصريا كانوا معتقلين بالسجون الإسرائيلية، ورغم ما تؤكده وسائل الإعلام الإسرائيلية من أن مسؤولا مصريا رفيع المستوى قال إن صفقة «عودة» ستدخل مرحلة الحسم مقابل 60 سجينا مصريا، وإن المفاوضات تجرى على قدم وساق بين الجانبين، فإن الجهات المصرية لم تعلن عن ظروف الصفقة.
كانت محكمة أمن الدولة قد أصدرت حكما فى 1999 بالسجن 15 عاما ضد عودة الترابين، بعد إدانته بتهمة التجسس ونقل معلومات عسكرية لإسرائيل، والخيانة العظمى للوطن، أمضى منها 11 عاما بالسجون المصرية، وتوصلت «المصرى اليوم» إلى معرفة أصوله العائلية: اسمه الحقيقى «عودة سليمان حكى»، وينتمى لعائلة «حكى» إحدى الأسر البدوية التى تسكن صحراء النقب بوسط سيناء. وهى أحد فروع قبيلة «الترابين» العربية التى تمتد جذورها إلى دول الأردن وسوريا وفلسطين وشبه الجزيرة العربية ومصر، وتعمدت إسرائيل إقران اسم عودة حكى بلقب قبيلته «الترابين»، بهدف إثارة القلاقل بين الدول الخمس، كما يقول الشيخ عبدالله جهانة، من قبيلة الترابين، رئيس جمعية المجاهدين السيناويين.
كثيرون فى سيناء يتهمونه بأنه جاسوس ابن جاسوس، فالوالد «سليمان» تمكن الجيش الإسرائيلى من تجنيده بعد حرب 1967 ليكشف عن تحركات خلايا المقاومة المصرية، أثناء حرب الاستنزاف، وفى يناير 1990 هرب «سليمان» وعائلته إلى إسرائيل، وحصلوا على الجنسية، ثم أصدرت المحاكم المصرية حكما ضده بالسجن 25 عاما مع الأشغال الشاقة المؤبدة. وما إن تأكدت عائلته من خيانته حتى تبرأ منه الجميع واعتبروه إسرائيليا.
وفى 1999 تمكن «عودة» من التسلل إلى الأراضى المصرية لزيارة أسرته فى مدينة العريش، وعلمت السلطات بتسلله، وألقى القبض عليه، وبحوزته عملات إسرائيلية وجهاز اتصال، واتضح أنه حاول تجنيد زوج أخته المقيم فى العريش للتجسس على التحركات العسكرية المصرية فى سيناء، على أن يكون هو حلقة الوصل بينه والموساد الإسرائيلى. وحاولت «المصرى اليوم» الوصول إلى شقيقة «عودة» وزوجته لكن لم يستدل على أى أثر لهما فى العريش.
وفى أكتوبر 2010 قررت والدة «عودة» إرسال مكتوب مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، وكان من المقرر أن يسلمها للرئيس السابق حسنى مبارك، أثناء لقائهما فى القاهرة، وتبدو الرسالة مرسلة من جهة أمنية، إذ تناشد الأم الرئيس المصرى العفو عن ابنها عودة.
يذكر أن مصر أبرمت العديد من صفقات تبادل الأسرى، أشهرها صفقة «باروخ كوهين»، وكان أحد المفرج عنهم الشيخ حسن خلف السواركى، الذى كان يقضى أحكاما بالسجن بلغت 149 عاما أصدرتها المحاكم الإسرائيلة فى سبعينيات القرن الماضى إبان احتلال إسرائيل سيناء. وبموجب هذه الأحكام أمضى الشيخ حسن 46 شهرا فى السجون الإسرائيلية، إلى أن جاء أمر الإفراج عنه ضمن صفقة شهيرة تعرف بصفقة الجاسوس الإسرائيلى «باروخ كوهين» التى أبرمت بين مصر وإسرائيل فى 4 مارس 1974 وبموجبها تم الإفراج عن 63 أسيرا مصريا بينهم أسير يهودى من أصل فرنسى كان يعمل لصالح المخابرات المصرية، فضلا عن 4 فلسطينيين من عرب «48». ويقول الشيخ حسن: «من أقوى الصفقات بين مصر وإسرائيل الصفقة التى تمت فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات التى تعرف بصفقة «باروخ كوهين»، وهى الصفقة التى تكشف تأثير تبادل الجواسيس بتغير الرؤساء وتغير توجهات الأجهزة الأمنية.
وفيما يتعلق بحرص إسرائيل على إتمام صفقة «عودة الترابين» واسترداد عملائها، يقول السفير حسن عيسى إن لكل صفقة ظروفاً خاص بها. وهذا الحرص نابع من منطلق حفاظ إسرائيل على سمعة جهاز الموساد، وشكك عيسى فى جدية مطلب إسرائيل فى إتمام صفقة «عودة» مؤكدا أن مصر لم تعلن رسميا قبول هذا الأمر، ويرى أن قبول مصر استرداد 25 سجينا مصريا مقابل «عودة» بمثابة تفريط من مصر. وإن كان من الأفضل أن تستخدم هذه الصفقة مستقبلا كورقة ضغط فيما هو أفضل. لأن السجناء المصريين لدى إسرائيل جميعهم جنائيون ولا يوجد بينهم من قام بعمل مخابراتى، وعلينا أن ندرك أن ثمن «عودة» فى التفاوض يساوى الكثير.
ويقول الخبير الاستراتجى سامح سيف اليزال: «فيما يتعلق بشروط صفقة عودة الترابين المزمع إتمامها فىالفترة المقبلة، فإن مصر لم توافق بعدُ على أى مفاوضات ولم تعلن الجهات الرسمية عن المضى فى هذا المطلب. ويضيف: «هناك تفاصيل فى صفقة «جرابيل» لم يعلن عنها. فمصر وضعت من بين شروط الصفقة الإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن، لكن قيل إن قانون الولاية الأمريكية التى تضم مقر سجن عبدالرحمن يسمح بالإفراج الصحى فقط عن المعتلقين.