x

قائد الحرس الجمهوري الأسبق: مطبخ الرئاسة السياسي كان يدار بطريقة «عندنا إيه النهارده؟»

الأحد 24-04-2011 22:01 | كتب: محمود مسلم |


4 سنوات ونصف قضاها اللواء صبرى العدوى داخل مطبخ السلطة، منها 3 سنوات فى قلب رئاسة الجمهورية من خلال عمله قائداً للحرس الجمهورى منذ عام 2001 إلى 2004، بعدها تولى منصب محافظ الإسماعيلية لمدة عام ونصف.. وهو ما أتاح له تكوين رؤية حول كيفية اتخاذ القرار السياسى فى مصر وتنفيذه أيضاً.


كشف «العدوى»، فى حواره مع «المصرى اليوم»، عن بعض أسرار حكم «مبارك».. وقدم رؤيته لدور القوات المسلحة حالياً ومستقبلاً، وتطرق إلى الكثير من القضايا الأخرى.. وإلى نص الحوار:


■ كيف ترى مصر حاليا؟


- لم يكن أحد يتصور أن يحدث هذا التغيير بتلك السرعة، وذلك العنف، فمن المفترض أن تكون للثورة روافد وبدايات، لتكون هناك حالة من حالات المخاض، وهو ما لم يحدث، ولم يتمكن أحد من التنبؤ بما حدث.


■ ما أكبر الأخطاء التى ارتكبها النظام السابق وأدت إلى قيام الثورة؟


- الانفصال التام بين ما يحدث فى الشارع ومتخذ القرار، فعندما تصل الحقائق بشكل مبتور لصانع القرار تؤدى إلى نتيجة عكسية، وتتسبب فى قرارات خاطئة.


أيضاً البقاء على «كرسى الحكم» لمدة 30 سنة أمر ضد طبيعة الحياة، فالأمور لا يمكن أن تبقى ثابتة، ومن ضمن «العلامات الكبرى» ما حدث فى الانتخابات الأخيرة، فلا يمكن أن تكون رموز الدولة بهذا الشكل، وتسير جميع الأمور لصالح الحزب الوطنى، وأصبح قيادات الحزب يمارسون هذا الدور بـ«فجور سياسى» تحت ستار الشعبية الزائفة.


ووصل بهم العناد إلى منع العديد من الأسماء السياسية المعروفة والمرموقة من دخول مجلس الشعب «عينى عينك».


■ ما تردد عن التوريث وتولى جمال مبارك رئاسة الجمهورية هل ساهم فى قيام الثورة؟


- كلام التوريث بدأ من عام 2001، وكان جمال يظهر فى الصورة ثم يختفى، فقال الكثيرون إن الرئيس يختبر الشعب، وآخرون قالوا: «إيه المشكلة.. جمال مصرى ومن حقه»، فكلمة «التوريث» لم تكن مباشرة، لأنها ظهرت منذ 10 سنوات، والجديد فى الوضع ما حدث فى 2007 من تعديلات دستورية كانت تهدف إلى إبعاد القوات المسلحة عن الصورة.


■ وموضوع «التوريث».. هل أصاب القوات المسلحة بنوع من القلق؟


- القوات المسلحة منذ فترة طويلة جدا، وبعد عام 1952، كانت هناك محاولات لعزلها عن السياسة، وبالتالى فالمسألة ليست مشاركة سياسية، وإنما محاولة عزلها تماما عند اتخاذ أى قرار.


■ لكن القادة كانت تدور بينهم حوارات جانبية عن قصة التوريث؟


- لم تكن الفكرة مقبولة إطلاقا وكانوا يقولون «إيه التهريج ده؟». ورأيى أن كل هذه الحالات «عدوى» تتم على مستوى البلاد العربية، فموضوع التوريث لم يكن مقتصرا على سوريا فقط.


■ كنت موجودا فى قصر الرئاسة فى الفترة من 2001 إلى 2004، وهى الفترة التى شهدت نضوج ملف التوريث، والظهور القوى لجمال مبارك.. ما ملاحظاتك من داخل القصر؟


- لم تكن لى أى ملاحظات على الإطلاق، والدليل على ذلك أنه عندما حدث تغيير فى قيادة الحزب لم يتول جمال مبارك دوراً أكبر.


■ حاليا، هناك انتقادات للدور السياسى للجيش، كيف ترى هذه الانتقادات.. وكيف نخرج من هذه المرحلة الصعبة؟


- من بداية الأزمة، تصرفت القوات المسلحة بـ«حس سياسى» أكثر منه «حساً عسكرياً»، والقوات المسلحة بما لديها من إمكانيات تستطيع أن تحسم كل الموضوعات المثارة والمعلقة.


وأرى أن القوات المسلحة تنتظر حتى تستشير فى الموضوع المطروح مرة واثنتين وثلاثاً، وكل الأحداث السياسية التى حدثت خطيرة للغاية، لذلك دائما ما كانت تدير حوارا حولها، ثم تأخذ بأكثر الآراء وسطية.


■ فى رأيك، هل تنحى الرئيس مبارك أم أجبرته القوات المسلحة على التنحى؟


- القوات المسلحة لم تجبره على التنحى، ولكن ما أجبره على التنحى هو تضخم وتنامى ما حدث فى الثورة، فلم يكن أحد يتصور أن تصل أعداد المتظاهرين إلى هذا النحو.


القوات المسلحة حافظت على الثورة، وليس ذلك كلاما مرسلا، فقد سبق أن مارست هذا الدور فى انتفاضة 77 الشهيرة . ما حدث فى 25 يناير كان نزولاً «مختلفاً» للقوات المسلحة، وعندما يعلن المشير وتعلن القوات المسلحة أنها تسعى لتسليم السلطة فهى ملتزمة بذلك، وكل إجراءاتها «ناعمة»، وبها شىء من التوافق.


■ وهل تستبعد أن يكون للقوات المسلحة مرشح فى انتخابات الرئاسة؟


- ما حدث حتى الآن يقول إن القوات المسلحة لن يكون لها مرشح فى انتخابات رئاسة الجمهورية. كلمة أن يكون لها مرشح معناها أن القوات المسلحة تفرز من داخلها شخصية عسكرية ترى القوات المسلحة أنها الأنسب لتولى الرئاسة، وبخلاف ذلك سيكون الأمر «افتراضياً»، والقوات المسلحة أبعد ما تكون عن ذلك، وهى تركت الفرصة متاحة لكل الناس، وهناك حوالى 3 شخصيات ذوى خلفية عسكرية أعلنوا عن نيتهم الترشح، لكنهم لا يمثلون القوات المسلحة.


■ وما رأيك فى المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة بصفة عامة، ومن تراه الأصلح لرئاسة الجمهورية؟


- سأتكلم كمواطن. أنا لى مأخذ على كل واحد منهم، إذا استطاع أن يقنعنى بعكسه فأهلا به وسهلا.. الدكتور محمد البرادعى له إيجابية أنه من فجَّر الفكرة، ووضع سقف التغيير بإيجابية، غير أنه تنازل عن هذه الميزة طواعية بعدم تواجده فى البلد لفترة طويلة، بالإضافة إلى أن من معه لم يساعدوه بالطريقة التى تجعله يصل للناس ببساطة وبشكل جيد، أما عمرو موسى فله خلفيته الطويلة والحِرَفية داخل مجال الدبلوماسية، وظل يترقى من سفارة كذا إلى سفارة كذا حتى وصل إلى منصب وزير الخارجية، وتصرفاته داخل النظام كانت فى إطار سياسة الدولة، ولم يكن على استعداد شخصى لممارسة دور مختلف، ثم عمل فى جامعة الدول العربية، الأمر الذى أدخل تغيرا حادا عليه، ومسألة السن «يعنى».


■ وبالنسبة للمرشحين أصحاب الخلفية العسكرية ما رأيك فيهم؟


- لن أتكلم عن تاريخهم، لأن تاريخهم فى الخدمة بالقوات المسلحة محترم ومشرف، وهو ما يعطى لهم مصداقية، وهناك ميزة لمن خدم فى القوات المسلحة، أن لديه القدرة على اتخاذ القرار.


أيضا من المهم أن يرتبط القرار بالقبول الشعبى، فلو كان القرار لدينا مرتبطا بقبول شعبى أو بالديمقراطية لكان من الممكن أن نصل الآن لمكانة أفضل من مكانة تركيا أو سنغافورة.


■ من صاحب الفرص الأوفر من العسكريين: الفريق شفيق أم الفريق حتاتة أم اللواء بلال؟


- أعتقد أن «شفيق» كانت لديه نوايا طيبة جدا، ولكن كان مثل من أُلقى فى البحر و«إيده متكتفة.. وقالوا له عوم»، لم يكن ممكنا أن يعين رئيسا للوزراء ولديه 16 وزيرا مرفوضون شعبيا ونطالبه بالحل.


«شفيق» يتميز بالقبول والكاريزما، وما أحدثه من تطور فى وزارة الطيران المدنى يمكن تكراره، ولكن طبعا خلفيته قد تجعل الآخرين لا يتعاونون معه. أما اللواء بلال فليست له فرص كثيرة، وحتى وجوده فى القوات المسلحة مر عليه فترة طويلة جدا.


أما الفريق مجدى حتاتة فقد فوجئت بإعلانه نيته الترشح، وهو يحب مصر جدا ورجل دقيق ويهتم بالتفاصيل، ويستطيع أن يدير مثل هذه الأمور.


■ هل أنت مع الانتقادات التى وجهت للجيش فى الفترة الماضية حول تعامله بعنف أو ببطء فى بعض الأمور؟


- أتصور أن المجلس العسكرى يسعى إلى إنهاء هذه الفترة الانتقالية بسلام، وهو إلى حد ما يريد أن ينهى الأمر بسرعة وسلامة.


■ يعنى هل سيكرر سيناريو سوار الذهب بنقل السلطة لمدنيين؟


- هذا هو المعلن والذى أراه من تصرفات، لأنه فى الوقت الذى حدث فيه التنحى وكانت القوات المسلحة لها اليد العليا، كان من الممكن أن تتدخل فى كل الملفات، ولكن ما يحدث الآن من عملية «أخذ ورد» وحوار مع قوى المجتمع يؤكد أن «سوار الذهب» سيتكرر مرة أخرى، والتاريخ سيسجل للمشير أنه الرجل العسكرى الذى كان فى يده كل شىء، وفضل أن يسلم السلطة طواعية لمصلحة مصر.


■ الفترة الماضية كان هناك كلام كثير عن دور الحرس الجمهورى، وعادة لا يشعر الشعب به.. ما هو الدور الذى من المفترض أن يقوم الحرس الجمهورى به؟


- من الناحية الحِرَفية البحتة، المهمة الأساسية له هى حماية رأس الدولة والنظام الجمهورى وتأمين ضيوف الدولة من رؤساء ووزراء والسيطرة على مؤسسة الرئاسة، فالحرس الجمهورى مهمته جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة، ولم يكن فى تصميمه أو مهامه فى الفترة الأخيرة أن يواجه الشعب مباشرة أو الثوار مباشرة، لأن الترتيب: أن تدار الثورة بالحوار، ثم يتدخل الأمن، وإن لم يفلح يتدخل الجيش، وبالتالى الحرس الجمهورى غير معنىّ بأن يتعامل مع الثوار الرافضين للرئاسة، فمهمته هى تأمين فلان الفلانى رئيس الجمهورية هو وعائلته وضيوفه ومقاره ولقاءاته.


الحرس الجمهورى جزء من القوات المسلحة، وله دور فى تأمين الدولة وليس الرئيس فقط، وهو ما يجعلنى أتساءل: هل هذا النظام سيستمر، أم سيتم التعامل معه مثلما هو الحال فى الخارج بالاستعانة بالمكاتب الخاصة؟


■ هل كانت لديهم تعليمات بضرب المتظاهرين؟


- كنت قائد حرس من خارج الثورة، وعندما كنت أتكلم مع أولادى المتظاهرين فى التحرير قلت لهم لا تختبروا الحرس الجمهورى، ولا تدخلوا معهم فى مواجهة. الحرس لن يسمح لكم بأن تصلوا إلى القصر الجمهورى، وتدخلوا المكاتب وتشعلوا فيها النيران مثلما حدث فى مقار أمن الدولة، و«مش هتعملوا زى ما عملت حماس فى مكاتب فتح».


الحرس الجمهورى مسؤول عن تأمين هذا الأمر لأنه من الأهداف الحيوية، وكذلك الحال مع مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، فالمسؤول عنه الحرس الجمهورى، وبالتالى لا داعى أن تدخلوا إلى هذه المواجهة، لأن الوقت لن يسمح بالتفكير فى مدى قومية الحركة ووطنيتها، والحرس - حسب معلوماتى - لم يكن لديه هذه النقطة من الحوار، بمعنى أنهم لو جاءوا «هنضرب ولاّ لأ. أنا متأكد إن الكلام ده كان بيدور جوه كل ضابط».


وأتذكر أنه عندما كنا أول من نزل إلى الشارع فى مظاهرات الطلبة عام 68، لم نكن نعرف «إحنا هنضرب إخواتنا وأهالينا ولا لأ؟» ووصلنا إلى نوع من التوافق بأن نستعرض القوة كنوع من الردع.


■ هل تعتقد أن هناك خلافات حدثت بين الحرس الجمهورى والجيش خلال الفترة الماضية؟


- لا أعتقد أبدا. العسكريون يحكمهم احترام متبادل على مستوى العالم كله، وذات مرة سألت الدكتور أسامة الباز فى حوار لى معه فى الرئاسة: «يا دكتور لو قارنت الكتيبة الروسى والسويدى والبنجلاديش لماذا لن تجد فرقا بينها، جميعها تسير بنفس النظرية، فقط يختلف الشخص والعقلية والديانة؟» فكان رده: «لأنهم يتعاملون مع الأمن القومى، وهو أمر ما فيهوش هذار».


وبالتالى عندما تسألنى هل حدث نوع من الرفض أو الخلاف بين الحرس والقوات المسلحة، أرد عليك: لا أعتقد، وعندما كنت قائدا للحرس كنت أقول لضباطى إن تأمين الرئيس لن يكون بأن تموت تحت أقدامه، فعندما اجتاحت العراق الكويت لم ينقذ نضال الحرس الأميرى أمير الكويت فى هذا الوقت، وإنما أنقذه المعلومة فى الوقت المناسب والحل السياسى، ولا أعتقد أن يقف الحرس أمام الجيش ويعارضه، لأن الوضع الطبيعى أن قائد الجيش هو من يرشح قائد الحرس.


■ الأزمة الصحية التى تعرض لها الرئيس السابق مبارك عام 2003 فى مجلس الشعب.. ما الانطباع الذى تركته لديك وأنت الذى أدرتها؟


- هى أزمة صحية ألمت به أثناء إلقاء خطابه، وأثناء إلقاء الخطاب يكون سكرتير الرئيس للمعلومات معه صورة من الخطاب ويتابع السطور وقراءة الرئيس، فشعر أن هناك نوعا من السرحان وعدم التركيز، ومع العرق المتزايد شعرنا أنه سيحدث شىء، لذا أول من تنبأ بما يمكن أن يجرى هو سكرتير الرئيس للمعلومات، وقام الحرس الخاص فحمله وتحرك به من المجلس، وأغلق الباب، حتى يقدم له العلاج ويصبح مؤهلا لأن يدخل مرة أخرى.


وفى هذا الموقف كانت الدولة تدار من خلال المسؤول عن اتخاذ القرار فى هذا الوقت، وكان القائد العام للقوات المسلحة سيادة المشير ووزراء الداخلية والإعلام ورئيسى مجلسى الشعب والشورى، ولا أعتقد أنه حصل من جانب الحرس الجمهورى أكثر من أنه ينفذ دوره بشكل جيد.


هناك ناس ممن لا يعلمون شيئا عن العسكرية والانضباط قالوا إن هذا التوقيت كان من الممكن جدا السيطرة على الدولة، وهذا كلام «مش مظبوط» انتهت موضة «الانقلابات والعسكر»، وهذا يجعلنى على المستوى الشخصى أضحك عندما أسمع بعض الناس فى حوارها تتكلم عن العسكر كما لو كانوا قادمين من الثكنات «بالجزمة الضباشى» مثلما كان يقول صلاح جاهين و«هى مش كده خالص».. القوات المسلحة ناس منوط بهم مهام محددة للدفاع عن مصر، وليست مهمتها أن تجترئ على السلطة.


■ كنت قريبا من الرئيس وقت أزمته الصحية.. هل أوصى بشىء أو شعر بأن الأجل قد اقترب؟


- لا، كان بعيداً عن هذا الإحساس.


■ كيف كان يفكر رجال الدولة فى هذا الوقت، هل فقط فى إنقاذ الرئيس؟


- لا، ما حدث كان مفاجأة، ولم يكن هناك تفكير فى أنه حدث، حتى إن بعض الصحفيين أضيروا لأنهم سألوا عن صحة الرئيس، وكان ذلك وقتها «سراً حربياً»، أما رجال الدولة والمنوط بهم اتخاذ القرار فكانت هذه الواقعة أمرا عارضا بالنسبة لهم.


■ خلال 3 سنوات أو أكثر فى الحرس الجمهورى، ما الذى رأيته فى القصر ولم يعجبك، وعندما وقعت الثورة تذكرته؟


- «فيه فرضية عند كل واحد، وكنت بافترض لما عُينت قائد حرس إنى هاشوف مطبخ الرئاسة.. وكيف تصنع وتتخذ القرارات والمواقف السياسية للبلاد».


وهناك واقعتان أسجلهما للتاريخ، الأولى أن الرئيس استدعانى شخصيا ذات مرة، وقال لى : «أنا زهقت، وعايز أعرف كل حاجة بتتم فى البلد». وافترضت أن هذا التكليف يعنى أن أجهزة جمع المعلومات الموجودة لديه لا تعمل بشكل جيد، رغم وجود سكرتير للرئيس للمعلومات، الذى اعتبر هذا التكليف كأنه ثورة مضادة أو أنه انقلاب على توزيع الوظائف والمهام ولم يكن فى مخيلتى غير أننى مستعد أن أنفذ، وفوجئت بأننى لا أستطيع أن أنقل كل ما أعلمه للرئيس.


■ لماذا؟


- لأننى أعرفه من حضرتك ومن آخرين، فالمعلومات ممكن أن تكون شائعة أو تكون غير مؤكدة، وحتى أنقل للرئيس لا هو ولا أنا «ينفع نقول بيقولوا.. ما ينفعش». أنا أصبحت مثل الرسول الذى ينتظر الرسالة التى من المفترض أن يحصل عليها، حتى يوصلها لمن يفترض أن تصل إليه. المهم، شعرت أن هذا المطبخ الذى كنت أريد أن أراه «غير موجود»، وأنه «مفيش مطبخ»، وأن المسألة تدار على طريقة «إيه اللى عندنا النهارده؟!».


وفى هذه الفترة كانت لدينا معلومات وحقائق «ترفع ضغطك وتوترك»، منها معلومات عن مسؤولين وغيرها، وكانت الأرقام مستفزة سواء بخصوص الأموال أو العلاقات والمصالح.


■ وماذا كنت تحكى للرئيس؟


- ماذا أحكى له؟.. هل أقول له «بيتقال»؟!


■ ولا مرة تلقيت معلومة مؤكدة وقلتها له؟


- لم أتلق معلومات، وأبلغت أجهزة جمع المعلومات أن قائد الحرس ورئيس المكتب العسكرى للرئيس هو المسؤول عن عرض المشاكل والوقائع والتقارير اليومية والشهرية. وهذه التقارير لم تعدُ كونها عن نقص فى أدوية القلب، زيادة أسعار اللحوم فى بعض المحافظات، كله كلام ولو قرأت أرشيفا لهذه التقارير ستجدها مكررة، فقد كانت الإسماعيلية مثلا من المحافظات التى دائما ما تعانى من نقص فى بعض أدوية مرضى السكر.. «إشمعنى الإسماعيلية؟.. وإشمعنى مرضى السكر؟»، وحتى عينت محافظا لم أعرف السبب.


■ هذا معناه أن الرئيس كان يشعر أنه يتم تغييبه؟


ـ ما أعرفه أنه خلال الـ3 سنوات التى عملت فيها قائدا للحرس وصل لقناعتى الشخصية أنه يسمع ما يريد أن يسمعه، ما يُحكى له هو الأقرب إلى قلبه، والذى يرتاح له أكثر، فإذا قلنا مثلا التجربة التعليمية فى مصر من التجارب الرائدة على مستوى العالم، وإن الولايات المتحدة أشادت بتجربة مصر فى التعليم ومعجبة بها ويسمع ذلك من وزير التعليم ومرافقيه ولا يعقب عليه بالشك أو بالتدقيق أو بالرفض.. فأتصور أن هذا من أنواع الرغبة فى أن يذهب فى تغييب.


وضع طبيعى وأنت قائد وتعرض عليك الأمور أن يكون لديك مجموعة محررين، فتقول: «المحرر نشيط شوية.. وده كذاب شوية.. وده دقيق ونمكى». هذا تقييمك للأمور، وبالتالى عندما تعرض عليك معلومة تأخذها وتضربها فى المعامل، وتضع فى اعتبارك المسؤول الذى جاء بهذه المعلومة، ومدى مصلحته الشخصية فى تقديمها.


■ وفيمن كان يثق الرئيس أكثر؟


- كان من الناس الذين يملكون حرفية إظهار الثقة، بمعنى أنه فى حواراته وسلامه وتعليقاته يستطيع أنه يبعث رسالة لكل من يهمه الأمر أنه المفضل لديه، وهذه كانت لعبة الحاكم، ولا أعتقد أنها جديدة، وكان كل الناس الموجودين حاليا قيد الحساب والمساءلة، «همّا دول الطاقم بتاعه، صفوت وزكريا وكل الأسماء دى».


■ لو أردنا ترتيب أهل الثقة؟


- هذه الأمور تحكى عن نفسها، عندما تكون أميناً لرئاسة الجمهورية لمدة 18 سنة، وعندما تكون وزيراً للإعلام وتقول «مش هبقى وزير سابق»، ثم تنقل رئيساً لمجلس الشورى، وتستمر كل هذا العمر بهذه العلاقة الوثيقة.


والرئيس كان «لما يزعل من حد أو يفقد الثقة فى حد ماكانش عنده مهلة، يعنى لو قلب الصفحة ما يرجعلهاش خالص، وما ينفعش معاه لا 10 ولا 20 سنة»، والأمثلة واضحة وموجودة فى الحياة العامة والخاصة له.


■ وأسامة الباز «مشى ليه»؟


- معلوماتى طبعا أنه لم يكن طامحا إلى المكان، وليس لديه تليفون محمول، و«اللى بيركب جنب السواق فى عربية صغيرة.. وما كناش بنعرف نجيبه لو أراده الرئيس».


أسامة الباز كان زاهدا، وكان يعطينا إحساس التاريخ مع الفكر فى لحظة واحدة، كل حاجة لديه، والذاكرة ما شاء الله عليه «يجيبها من أيام أنور السادات وعبدالناصر».


■ هل تعرض «مبارك» لمحاولات اغتيال فى فترتك؟


- لا، آخر واقعة كنت أنا رئيس أركان الجيش الثانى، وكانت فى نطاق الجيش فى بورسعيد، عندما تم الاعتداء عليه بسلاح أبيض.


■ هذه الواقعة تسببت فى كرهه لأهالى بورسعيد؟


- البلد لو أدير بهذا الشكل «بحب دول ومش بحب دول.. يبقى خد عندك.. هتلاقى راح المحلة كام مرة.. ولا المنيا كام مرة.. بلاش نتكلم فى هذه الجزئية.. الناس طبعا بتكبّرها وتقللها».


هذه النقطة تنقلنا إلى شىء آخر وهو مهمة الحرس، فقد كنت أقول لضباطى: مهمة الحرس تبدأ من إيقاف مؤامرة خارجية يخطط لها أقوى جهاز مخابرات فى العالم ضد الرئيس، وحتى «واحد طلع الصبح لقى كيلو الطماطم غلى وشتم البلد وقالك الرئيس ده أنا حاجيب أجله».


مشكلة تأمينه إلى حد ما لم تكن صعبة رغم أن الحرس الجمهورى اختبر فى ذلك، وبالتالى علاقته بأمنه الشخصى لم تكن تمثل بالنسبة له وسواساً. وأنا أحكم على الأمر بأنه لو كان ذلك صحيحا لاهتم بمعرفة السلبيات ومعالجتها، وبما يفجر العمل المضاد ضده، يعنى أكبر كتلة كانت تعانى منه هى الإخوان المسلمين، كان يحاول أن يتواصل أو يقلل حالة الغضب.. لأ كانت المسألة بالنسبة له «الأمور جميلة جدا.. ومسيطر على الدنيا.. والزبالة بتاعة مصر زادت لأن مستوى المعيشة ارتفع، ما هو ده كان اللى بيتعرض عليه».


■ وعندما كان يقدم له أمر، هل كان يعرف المعلومات من أصحابها الأساسيين؟


- كان مباشرا، و«على طول.. اطلبوا لى فلان» وفلان هذا هو الوزير المختص.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية