يعود تأسيس جامعة تضم الدول العربية، لأكثر من 73 عاماً، وتكمن المفارقة فى أن الدعوة لتأسيس هذا الكيان العربى جاءت من المحتل، ففى مايو 1941 ألقى أنتونى إيدن وزير خارجية بريطانيا خطاباً ذكر فيه «إن العالم العربى قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التى تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكرى العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا فى مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغى أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا، ويبدو أنه من الطبيعى ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضاً.. وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأى خطة تلقى موافقة عامة». وفى 24 فبراير 1943 صرح إيدن فى مجلس العموم البريطانى بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين «العطف» إلى كل حركة بين العرب ترمى إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية، وبعد عام من خطاب إيدن، دعا مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر كلا من جميل مردم بك رئيس وزراء سوريا وبشارة الخورى رئيس الكتلة الوطنية اللبنانية للتباحث معهما فى القاهرة حول فكرة «إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمة لها»، وكانت هذه أول مرة تثار فيها فكرة الجامعة العربية بمثل هذا الوضوح، ثم عاد بعد نحو شهر من تصريح إيدن أمام مجلس العموم، ليؤكد استعداد مصر لاستطلاع آراء الحكومات العربية فى موضوع الوحدة وعقد مؤتمر لمناقشته وهى الفكرة التى أثنى عليها ملك الأردن الأمير عبدالله.
وفى 25 سبتمبر 1944 اجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن ورجحت الاتجاه الداعى إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمس استقلالها وسيادتها. واستقرت اللجنة على تسمية الرابطة المجسدة لهذه الوحدة بـ «جامعة الدول العربية» وآثرته على مسمى «التحالف» و«الاتحاد» كون الأول يشير إلى علاقة عارضة والثانى يعبر عن علاقة تجب الاختصاصات المتفق على تحويلها للمنظمة العربية الناشئة، وتم التوصل إلى بروتوكول الإسكندرية الذى أصبح أول وثيقة تخص الجامعة وكان من أهم مبادئه: قيام جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة التى تقبل الانضمام إليها ويكون لها مجلس تمثل فيه الدول المشتركة فى الجامعة على قدم المساواة وأن تكون مهمة مجلس الجامعة هى: مراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء فيما بينها من اتفاقيات وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها والتنسيق بين خططها السياسية تحقيقاً للتعاون فيما بينها وصيانة استقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل السياسية الممكنة، والنظر بصفة عامة فى شؤون البلاد العربية وأنه لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة، كما لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة من دولها.
وفى 7 أكتوبر 1944 وقع على هذا البروتوكول رؤساء الوفود المشاركة فى اللجنة التحضيرية باستثناء السعودية واليمن اللتين وقعتاه فى 3 يناير1945 و5 فبراير 1945على التوالى بعد أن تم رفعه إلى كل من الملك عبدالعزيز آل سعود والإمام يحيى حميد ويعد هذا البروتوكول الوثيقة الرئيسية التى وضع على أساسها ميثاق جامعة الدول العربية وشارك فى إعداده كل من اللجنة السياسية الفرعية التى أوصى بروتوكول الإسكندرية بتشكيلها ومندوبى الدول العربية الموقعين على بروتوكول الإسكندرية، مضافاً إليهم مندوب عام كل من السعودية واليمن، وحضر مندوب الأحزاب الفلسطينية كمراقب، وفى 19 مارس 1945 أقر ميثاق الجامعة بقصر الزعفران بالقاهرة، وتألف من ديباجة و20 مادة، و3 ملاحق خاصة الملحق الأول خاص بفلسطين وتضمن اختيار مجلس الجامعة مندوباً عنها للمشاركة فى أعماله لحين حصولها على الاستقلال والمحلق الثانى خاص بالتعاون مع الدول العربية غير المشتركة فى مجلس الجامعة. أما الملحق الثالث فهو خاص بتعيين السيد عبدالرحمن عزام الوزير المفوض بوزارة الخارجية المصرية كأول أمين عام للجامعة لمدة عامين.
وفى 22 مارس 1945 تم التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية من قبل مندوبى الدول العربية عدا السعودية واليمن اللتين وقعتا على الميثاق فى وقت لاحق. وحضر جلسة التوقيع ممثل الأحزاب الفلسطينية، وفى 28 مايو 1946 عقد مؤتمر قمة أنشاص بدعوة من الملك فاروق، وحضرته الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية، وهى: مصر، والأردن، والسعودية، واليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا ولم يصدر عن مؤتمر القمة بيان ختامى، وإنما مجموعة من القرارات أهمها:
مساعدة الشعوب العربية المستعمرة على نيل استقلالها، وأن قضية فلسطين قلب القضايا القومية، باعتبارها قطرا لا ينفصل عن باقى الأقطار العربية، وضرورة الوقوف أمام الصهيونية، باعتبارها خطرا لا يداهم فلسطين وحسب وإنما جميع البلاد العربية والإسلامية، والدعوة إلى وقف الهجرة اليهودية وقفا تاما، ومنع تسرب الأراضى العربية إلى أيدى الصهاينة، والعمل على تحقيق استقلال فلسطين، واعتبار أى سياسة عدوانية موجهة ضد فلسطين تأخذ بها حكومتا أمريكا وبريطانيا هى سياسة عدوانية تجاه كافة دول الجامعة العربية. والدفاع عن كيان فلسطين فى حالة الاعتداء عليه، ومساعدة عرب فلسطين بالمال، وبكل الوسائل الممكنة.
وفى 30 نوفمبر 1946 تم تشكيل اللجنة السياسية نتيجة الصراع الدائر فى فلسطين مع قوى الصهيونية وبروز الحاجة إلى تفعيل المشاورات السياسية بين الدول الأعضاء والتنسيق بين مواقفها فى هذا الصدد، وفى 13 إبريل 1950 وقعت معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى. ونصت المعاهدة فى مادتها السادسة على تكوين مجلس للدفاع المشترك يستطيع اتخاذ قرارات ملزمة لجميع الأعضاء بأغلبية الثلثين، وعدم إلزام القرارات التى تتخذ بالأغلبية لغير الموافقين عليها.
وفى 1 نوفمبر 1950 حصلت الجامعة على أول اعتراف فعلى بها من قبل الأمم المتحدة، وذلك بصدور قرار من الجمعية العامة يطلب من أمين عام الأمم المتحدة دعوة أمين عام جامعة الدول العربية لحضور دورات الجمعية العامة بصفة مراقب، وفى 14 سبتمبر 1952 وقعت «اتفاقية بشأن «تسليم المجرمين الفارين من وجه العدالة»، واتفاقية بشأن «جنسية أبناء الدول العربية المعتمدين فى بلاد غير التى ينتمون إليها بأصلهم»، وكان مجلس الجامعة فى 11 ديسمبر 1954 قد قرر مشاركة الأمانة العامة فى أعمال «مؤتمر باندونج للتضامن الأفرو ـ آسيوى» وهو المؤتمر الذى وضع الأساس لحركة عدم الانحياز. فى 15 أكتوبر 1955 تم إنشاء «اتحاد إذاعات الدول العربية» بالقاهرة، ثم اختيرت تونس العاصمة مقراً دائماً له. وغاية هذا الاتحاد تعزيز روح الإخاء العربى، وتنمية الاتجاهات المشتركة، من خلال تنسيق برامج وأنشطة إذاعات الدول الأعضاء، واتسع ميدان أنشطته بعد ذلك ليشمل البرامج التليفزيونية، وفى 12 إبريل 1956 وافقت الجامعة على صيغة اتفاق التعاون بين جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) وفى 26 مايو 1958 وقعت اتفاقية التعاون بين جامعة الدول العربية ومنظمة العمل الدولية فى جنيف وفى 22 مارس 1960 تم افتتاح المبنى الحالى للمقر الدائم للأمانة العامة، الذى يقع فى ميدان التحرير بالقاهرة، فى الذكرى الخامسة عشرة لتأسيس الجامعة.
وفى 27 مارس 1979 عقد مؤتمر بغداد بناء على طلب من العراق إثر توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل وشارك فى المؤتمر عشر دول مع منظمة التحرير الفلسطينية. وكان من أهم قراراته: تعليق عضوية مصر من الجامعة العربية ونقل مقر الجامعة إلى تونس، وسحب سفراء جميع الدول العربية من مصر، والتوصية بقطع العلاقات السياسية الدبلوماسية مع الحكومة المصرية، وحظر تقديم أية مساعدات اقتصادية للحكومة المصرية. وفى الفترة من 23 إلى 26 مايو 1989 عقد مؤتمر القمة العربى الطارئ فى الدار البيضاء واستأنفت مصر عضويتها فى جامعة الدول العربية بعد غياب دام 10 سنوات.
وفى 11 مارس 1990 أصدر مجلس جامعة الدول العربية فى اجتماعه بالعاصمة التونسية قراره بعودة مقر الجامعة إلى القاهرة فى دورة سبتمبر 1990، وعادت الجامعة العربية إلى مقرها الأصل بالقاهرة فى 1 نوفمبر 1990.