هو أحد الذين كانوا يوجّهون انتقادات حادة لنظام حسنى مبارك دون خوف خلال السنوات الماضية، وأثرى بفكره وقلمه العمل القبطى خارج وداخل مصر من منطلق وطنى يسعى لتحقيق العدالة والحرية والديمقراطية لكل المصريين دون تفرقة، يقف فى منحنى الدفاع عن حقوق الإنسان ليس للأقباط فقط ولكن لجميع المصريين.
«المصرى اليوم» التقت الدكتور وليم ويصا، الكاتب الصحفى والناشط السياسى المقيم فى باريس، وأجرت معه هذا الحوار لمعرفة رؤيته للتطورات المتلاحقة التى تعيشها مصر منذ الخامس والعشرين من يناير.
■ ما رأيك فى قانون تشكيل الأحزاب؟
- أراه مجحفا فى شروطه، خاصة شرط توفر خمسة آلاف عضو، ومن عشر محافظات، حيث كان الشرط السابق هو توفر 50 شخصا، وفى فرنسا مثلا لا يوجد شرط لعدد معين أو تحديد منطقة جغرافية. وإذا كان هذا الشرط يستهدف منع أى مجموعة صغيرة من إنشاء حزب، فى إطار هوجة تكوين الأحزاب، فإن الكفيل بالغربلة والتنقية هو الشارع السياسى، وليس لجنة الأحزاب.
كما يعطى المرسوم لرئيس لجنة الأحزاب سلطة حل الحزب بعد تقرير من النائب العام وهو تدخل إدارى وليس قضائياً يفتح الباب أمام تأثير الأهواء على حل الأحزاب.
ومن شروط التأسيس عدم تعارض مبادئ الحزب وأهدافه وبرامجه مع المبادئ الأساسية للدستور، وهو ما يعنى وفقا لما أفتى به الدكتور طارق البشرى، الالتزام بالمادة الثانية من الدستور أو إعلان المبادئ الدستورية، وهذا معناه أنه إذا ما أراد أى حزب أن يطالب بدولة مدنية وإلغاء المادة الثانية، لن يسمح له بالظهور إلى النور، فى وقت توجد فيه قوى سياسية عديدة داخل المجتمع المصرى تريد، على تنوع عقائدها الدينية، إلغاء المادة الثانية، ولن تتمتع بحرية تكوين حزب على هذا الأساس، وهذا تمييز سياسى صارخ بين المواطنين.
■ ما رأيك فى إصدار إعلان دستورى لم يتضمن التعديلات الدستورية التى تم الاستفتاء عليها؟
- لقد أصدر المجلس العسكرى إعلانا دستوريا لم يتم التصويت على الأغلبية الساحقة لمواده، وهو ما يعنى أنه لم تكن هناك حاجة لإجراء استفتاء طالما صدر الإعلان الدستورى بمرسوم من المجلس الأعلى.
ولكن يبدو أن المجلس العسكرى الأعلى قد أراد إعطاء شرعية ضمنية وبالإسقاط، للإعلان الدستورى من خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية فقط.
ومع ذلك كانت هناك عدة فوائد من إجراء الاستفتاء، منها احتشاد 40 فى المائة من الشعب المصرى للتعبير عن خيارهم، وهو الأمر الذى يحدث للمرة الأولى ويكشف تعطشا حقيقيا للمشاركة السياسية، وهذه «بروفة» يجب الاستفادة منها فى الإعداد للانتخابات القادمة وضمان نزاهة العملية الانتخابية.
■ من وجهة نظرك لماذا قال الأقباط لا للتعديلات؟
- التصويت بـ«لا» كان يستهدف منع وصول الفاشية الدينية إلى الحكم فى مصر، وهو أمر لا يرفضه الأقباط فقط، ولكن كثيراً من أشقائنا المسلمين من التيارات الليبرالية. والدليل على ذلك أن نسبة الذين قالوا «لا» تجاوزت الـ22 فى المائة، وهى نسبة تتجاوز عدد الأقباط فى مصر. ولو لم تكن هناك مخالفات وتجاوزات، وتحويل للاستفتاء عن هدفه بإشاعة أن «نعم» هى للدين الإسلامى، ولو أتيحت الفرصة للتيارات التى أرادت التصويت بـ«لا» للتعبير عن رأيها فى الإذاعة والتليفزيون، لتجاوزت النتيجة هذه النسبة بكثير.
■ هناك جدل شديد حول إدارة المرحلة الحالية بين المجلس العسكرى الذى يرى ضرورة الإسراع بتسليم السلطة إلى رئاسة مدنية وبين من يرى ضرورة إفساح الوقت أمام ثوار التحرير لتشكيل أحزاب تنزل إلى الساحة السياسية لتعبر عن مطالبهم؟
- المشكلة تكمن فى وجود فراغ دستورى وسياسى بعد تنحى الرئيس السابق، حيث عادة ما تترك الأنظمة الديكتاتورية بعد سقوطها فراغا دستوريا، ولهذا يبدو المجلس العسكرى الأعلى متعجلا للتخلص من هذه الكرة المشتعلة ولإلقائها سريعا فى ملعب النظام القادم.
ويثير تعجل المجلس العسكرى لعمل انتخابات فى الظروف الراهنة مخاوف لدى الكثيرين، حيث لن يتيح ذلك الفرصة لتشكيل أحزاب جديدة تخرج من رحم الثورة، وتعبر عن مطلبها وأهدافها التى قامت من أجلها، فى أى انتخابات قادمة.
كما يحمل ذلك مخاطرة بسيطرة الإخوان المسلمين على الانتخابات القادمة، لأنهم القوة الوحيدة المنظمة، هذا فضلا عن عودة فلول الحزب الوطنى المنحل، وفى وقت لا وجود فيه لأحزاب المعارضة التقليدية فى الشارع المصرى.
وهكذا يمكن أن نجد أنفسنا، بعد هذه الانتخابات، أمام ائتلاف بين الفاشية الدينية والاستبداد السياسى وسيقولون لنا هذه الديمقراطية.
■ ولكن المجلس يتحدث دائما عن تحقيق المطالب «المشروعة»؟
- لا أعرف ماذا يقصدون بالمطالب «المشروعة، وبعد البيانات الأولى للمجلس العسكرى التى أعلنت حمايتها للثورة ولمطالب الثوار، نرى الآن محاولات «للفصال» والالتفاف على مطالب الثورة الرئيسية وهناك من يقترح تسليم السلطة لمجلس رئاسى وتشكيل حكومة من الفنيين للمرحلة الانتقالية، وصياغة دستور جديد.
منطق الجيش بطبيعته يختلف عن منطق الثورة، إذ يتمثل منطق الجيش فى احترام القانون والاستقرار والأمن، أما منطق الثورة فيطيح بالنظام السابق وبكل مؤسساته السياسية وممارساته.
ومع التسليم بأن منطق الثورة يخلق فى المرحلة الأولى شكلا من عدم الاستقرار بسبب الفراغ السياسى الناجم عن سقوط نظام ديكتاتورى، إلا أنه سوف يقيم مع الوقت مجتمعا جديدا تماما على أسس سياسية ودستورية مختلفة اختلافا جذريا، ترسخ الديمقراطية والعدل الاجتماعى والمساواة.
أخشى ما أخشاه أن يتحول الأمر من ثورة غير مسبوقة فى التاريخ المصرى، إلى مجرد عملية تطهير للنظام وتجميل وجهه، وسيكون ذلك بمثابة قضاء على الثورة.
■ ما رأيك فيما قاله اللواء إسماعيل عتمان، مدير إدارة الشؤون المعنوية، إننا لسنا إخوانجية، أو جماعة سلفية، لكننا نتيح حرية التعبير عن الرأى للجميع؟
- أعتقد أن الذى أدى إلى هذا الاعتقاد لدى البعض هو تشكيل اللجنة التى كلفت بالتعديلات الدستورية، وتضمنت بعض الشخصيات المحسوبة على التيار الدينى. ولم يكن المجلس العسكرى الأعلى بحاجة إلى تشكيل لجنة بهذا الشكل، لأنه أراد فقط تعديل بضع مواد تتعلق بانتخابات رئيس الجمهورية ومجلسى الشعب والشورى، دون التعرض للمادة الثانية، وقد خانه التوفيق فى هذا الصدد.
هذا بالإضافة إلى وجود اعتقاد لدى البعض، أيا ما كانت صحته، بأن مسارعته لعمل انتخابات قبل أن تتمكن التيارات السياسية الجديدة من تشكيل أحزابها، تستهدف تسليم السلطة للتيار الدينى.
هذا فضلا عن أنه لم يجر إتاحة حرية الرأى للجميع، حيث لم تجر مناقشة التعديلات الدستورية، كما تم توظيف أجهزة الإعلام لصالح «نعم» فى الاستفتاء ولعل السؤال المهم هنا، هل يقبل قادة الجيش أن يكون المرشد محمد بديع، أو من يمثله، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة إذا ما وصل التيار الدينى للحكم؟
■ كيف تتصور المستقبل القريب لو وصل التيار الدينى بالفعل إلى السلطة بعد الانتخابات؟
- لو تحقق ذلك، سوف تمر مصر فى الغالب بأيام صعبة، لأنه سوف تصعب زحزحته عن الحكم حيث يستميت فى البقاء فى السلطة مستخدما العنف. وفى رأيى أن مستقبل مصر سوف يتحدد وفقا لنتيجة المواجهة بين التيار الدينى، خاصة السلفيين، والتيارات السياسية الأخرى وسلطات الدولة.
وقد أثبتت جميع الأنظمة الدينية فشلها، والدليل على ذلك فشل ولاية الفقيه فى إيران فى التقدم بهذا البلد فى اتجاه الحرية والديمقراطية، وقد قام بتزوير الانتخابات الرئاسية وقمع المعارضة بالحديد والنار، وها هى الأرض تميد تحت أقدامه وسيأتى عليه الدور فى السقوط، ولننظر أيضا إلى السودان الذى أدى تطبيق الشريعة فيه إلى تفتته، هذا دون الحديث عن حماس التى ترفض إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية منذ وصولها إلى الحكم لأنها تعرف أنها سوف تسقط سقوطاً ذريعاً.
ومع ذلك لا أعتقد أن مصر ستكون مثل إيران أو غزة أو السودان، لأن التراث الليبرالى فى مصر، وإن خمد إلا أنه عريق، وقد عادت إرهاصاته مع ثورة الخامس والعشرين من يناير. وإذا كنا سنمر بأيام عصيبة، إذا ما وصل التيار الدينى إلى الحكم، فإننى لا أتصور أن يقبل هؤلاء الذين رفضوا الاستبداد السياسى بالفاشية الدينية.
■ ما رأيك فى توجه التيارات الدينية إلى تشكيل أحزاب مثل جماعة الإخوان والمنشقين عنهم مثل الوسط بل والسلفيين؟
- هذا الأمر يشكل انتكاسة سياسية خطيرة، وهو أمر يتناقض مع الإعلان الدستورى الذى يحظر تشكيل الأحزاب على أسس دينية.
ففى الباب الأول لبرنامج حزب «الحرية والعدالة» للإخوان، الذى نشرته «المصرى اليوم»، ينص على أن الحزب «يتخذ من الشريعة الإسلامية مرجعيته ودليله»، ثم يعود ويقول لنا فى نفس الفقرة إن برنامجه «ينص على مدنية الدولة، فلا هى دولة عسكرية ولا دولة دينية».
وبغض النظر عن أن مصطلح «عسكرى» يطلق على الأنظمة وليس الدول، يوجد تناقض فاضح بين النص على مرجعية الحزب وهى مرجعية دينية، والقول بمدنية الدولة. والغرض من ذلك هو محاولة الالتفاف على المبدأ الوارد فى قانون الأحزاب بعدم تشكيل أى حزب على أساس دينى.
وتكمن المشكلة فى عملية الخداع التى تتمثل فى القول بإمكانية إقامة دولة مدنية بمرجعية دينية، إذا لا يمكن التوفيق بين مدنية الدولة وشريعة دينية، وهذا شكل من أشكال الخلط يستخف بعقول الناس، وعندما صرح أحد مؤسسى هذه المشاريع الحزبية «بمرجعية دينية للدولة المدنية مثل المرجعيات الشيوعية والليبرالية» فإنه يخلط هنا بين النظريات السياسية والشريعة الدينية، لأن النظريات السياسية تتبدل وتتطور وتختفى بينما الشريعة ثابتة لا تتبدل ولا تتطور ولا تختفى.
■ ولكن البعض يتصور أنه يمكن تقليد التجربة التركية العلمانية؟
- النظام التركى الحالى يقوم بوضع نهاية لتجربة الدولة المدنية التى وضع أسسها كمال أتاتورك على نار هادئة، ويتجه رويدا رويدا لإقامة دولة دينية، وهو فى سعيه هذا يقوم بتقليص دور الجيش الذى كان يحمى التجربة الكمالية المدنية، ويقوم أيضا بضرب استقلال القضاء.
المشكلة أن الجماهير تفهم خطأ معنى العلمانية، بسبب الأمية السياسية، وبسبب انتهازية المطالبين بالدولة الدينية الذين يصورون لهم الأمر على أنه محاولة للقضاء على الدين، وهذا غير صحيح، لأن العلمانية فى جوهرها هى فصل الدين عن الدولة، وإتاحة الفرصة لجميع الأديان والمعتقدات فى التعايش فى سلام، كما هو الحال فى جميع الديمقراطيات الموجودة فى العالم الآن.
■ يقول الإخوان ومؤسسو بعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية إنهم لا يرفضون رئيساً مسيحيا لمصر، ما رأيكم ؟
- هذا الأمر هو من قبيل الخداع، حيث تتبدل برامجهم وفقا للحاجة ووفقا للمزاج العام السائد. ولعلك تتذكر أن الإخوان قدموا برنامجا لمشروع حزب سياسى عام 2007 قضى بعدم جواز تولى غير المسلمين والمرأة منصبى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووصل إلى حد حظر تولى المرأة منصباً، ثم عادوا وسحبوه وها هم يحاولون تقديم غيره. ثم ماذا عن الاختلافات بينهم وبين أحزاب أخرى بمرجعيات دينية، وأى منهم نصدق وأى برنامج بمرجعية دينية سيطبق؟ هل ستكون المرجعية الدينية التى يستندون إليها هى مرجعية المرشد محمد بديع أم مرجعية السلفى الشيخ محمد حسان، أم هى المرجعية الدينية التى ينادى بها عمرو خالد أو عبود الزمر؟
الذين يسعون لتأسيس أحزاب بمرجعيات دينية يجدون أنفسهم فى مأزق خطير بسبب مشكلة عويصة لن يستطيعوا تقديم حل لها، وهى وجود أقلية دينية كبيرة العدد فى مصر ترفض الخضوع لبرنامج سياسى ذى مرجعية دينية تختلف مع إيمانهم وعقيدتهم الدينية، وأقول لك إنهم حتى ولو اختاروا مرشدا مسيحيا للإخوان، فإننا لن نصدقهم.
■ ما تعليقك على التقارب الذى يحدث بين جماعة الإخوان المسلمين والكنيسة؟
- لا أعتقد أن هناك تقارباً بين الكنيسة والإخوان، ولكن الإخوان يحاولون دائما إعطاء انطباع غير حقيقى فى هذا الصدد، لأنهم أمام مشكلة عويصة وهى وجود أقلية دينية كبيرة العدد ترفض إقامة دولة دينية كما يريدون. وقد نفى قداسة البابا ما أشاعه أحدهم فى هذا المجال.
■ لوحظ عدم اشتراك الإخوان فى جمعة إنقاذ الثورة؟
- الإخوان ليسوا ثوريين على الإطلاق، ولكنهم ينتهزون جميع المواقف لتدعيم مواقعهم ومن أجل مصالحهم فقط. ولعلك تذكر أنهم أصدروا فى اليوم الأول للثورة تصريحات تصف ثوار التحرير بالمشاغبين، بل وأعلنوا أنهم لن يشاركوا فيها. ولكن بعد أن وجدوا احتشاد الشعب وراء الشباب فى ميدان التحرير فى الأيام التالية، انضموا إليها بعد عدة أيام، وحاولوا القفز عليها وإعطاءها طابعاً دينياً.
هم يلعبون مع الجميع ومن وراء ظهرهم فى نفس الوقت، ولعلك تذكر تجربة أحزاب المعارضة معهم عندما أرادت مقاطعة انتخابات مجلس الشعب الماضية، نزلوا بمفردهم، وعندما وجدوا حجم التزوير قاطعوا الجولة الثانية.
كما كشف هيثم أبوخليل القيادى بالإخوان، لإحدى الجرائد الإلكترونية عندما قدم استقالته من الجماعة عن لقاء سرى جمع بين عدد من أعضاء مكتب الإرشاد وعمر سليمان، نائب الرئيس السابق، فى الأيام الأولى للثورة للتفاوض من أجل إنهاء مشاركة الإخوان فى فعاليات الثورة مقابل منحهم «حزباً وجمعية».
ويأتى عدم مشاركتهم فى جمعة إنقاذ الثورة فى إطار اللعب من وراء ظهر الجميع وفى الغالب بالتنسيق مع جهات معينة، ومن أجل مصالحتهم فقط وليس مصلحة الثورة.
وأنا أعتقد أن الإخوان أخذوا حجما أكبر من حجمهم الحقيقى أيام مبارك، بسبب الفساد الذى كان سائدا وغياب أحزاب المعارضة التقليدية فى الشارع المصرى، ولكن مع الوقت ومع ترسخ العملية الديمقراطية سوف يظهر حجمهم الحقيقى فى الشارع المصرى.
■ الغالبية العظمى يدينون بالإسلام فى مصر فلماذا الاعتراض على المادة الثانية من الدستور من قبل البعض؟
- يترتب على تطبيق المادة الثانية من الدستور إصدار قوانين وتشريعات تجعل الدولة والحكومة منحازتين إلى طائفة دينية واحدة من مواطنيها، وهو الأمر الذى يؤدى إلى فرض هذه القوانين والتشريعات على أتباع الديانات والعقائد الأخرى فى الوطن، ويفرض أوضاعا تتناقض مع عقيدتهم ومع إيمانهم، وتنتهك مبدأ المساواة فى الحقوق والواجبات بين المواطنين.
وأقول إن الحقوق والواجبات ثوابت تقوم على المساواة بين جميع المواطنين، فى جميع دساتير العالم، ومن بينها الدساتير المصرية المتعاقبة، ولا تتعلق ببرنامج سياسى معين أو مؤقت ولا تتغير بوجود أغلبية معينة أو بتغير الحكومات أو النظام السياسى، كما لا تتغير بالتبديل السياسى بين الأغلبية والأقلية.
وقبل كل ذلك فإن المطالبة بالدولة المدنية لا يقتصر على الأقباط فقط، إذ إن هناك الكثير من أشقائنا المسلمين يرفضون تطبيق أى مرجعية دينية. هذا فضلا عن أن تطبيق شريعة دينية معينة، يقتضى اتفاقا على مبادئها التى يجب أن تطبق، وهو أمر لم يحدث بشأنه إجماع حتى الآن بين جميع الطوائف الدينية التى تنتمى لهذه الشريعة.
■ ما رأيك فى اللجوء لرجال الدين الإسلامى لحل المشكلة فى قرية صول؟
- إنه لأمر مفزع للغاية أن يسمح بتصدير التيار لسلفى لحل مشكلة من مشاكل الأقباط، ويكفى أن نرى ما قاله الشيخ محمد حسان للتليفزيون المصرى لتبرير عدم قتل القبطى أو هدم الكنيسة، حيث استند فى كلامه إلى الذمية والمعاهدة، وتحدث عن الأقباط بوصفهم ذميين ومعاهدين، وهى مصطلحات يرفضها الأقباط، جملة وتفصيلا.
وقد رد فضيلة المفتى على هذه الأقاويل وأكد «أن التعدى على المسيحيين من أهل مصر نقضٌ لعقد المواطنة، حيث إنهم مواطنون لهم حق المواطنة». هذا فضلا عن أن بيان أطفيح، الذى قرأه الشيخ محمد حسان اتسم بالتجنى عندما يطالب فى مادته الثانية بعدم الاستقواء بالخارج ورفض الابتزاز السياسى، ونتساءل هنا: هل استقوى الضحايا من سكان قرية «صول» بالخارج أو مارسوا الابتزاز السياسى بإصرارهم على بناء الكنيسة فى نفس المكان؟
كما جاء فى المادة السابعة من هذا البيان «أن المجلس الأعلى قرر بناء كنيسة صول فى نفس مكانها وفقا للأحكام العامة لشرع الله وفتوى أهل العلم»، ولم يكن بين أهل العلم هؤلاء، قبطى واحد من الضحايا.
ولكن دعنى أقول لك إن اعتصام الأقباط، فى ماسبيرو لمدة ثمانية أيام متصلة هو الذى فرض إعادة بناء الكنيسة فى نفس المكان وليس بيان أطفيح، لأن المجلس الأعلى بدا وكأنه موافق فى البداية على مطلب بنائها خارج القرية.
■ ما رأيك فى قول أحد قادة السلفيين إذا كان النصارى يريدون أمانا فعليهم الاستسلام لحكم الله والتأكد من أن الشريعة تحميهم؟
- إن هذا القول «إذا كان النصارى يريدون أمانا» يتضمن تهديدا سافرا ومرفوضا ولن يرهب أحداً، وسترفضه الغالبية الساحقة من أشقائنا المسلمين المستنيرين قبل الأقباط. وأريد أن أسأل المجلس العسكرى عن موقفه إزاء هذه التهديدات السافرة؟
ومع كل ذلك، لن يستطيع أحد مهما أوتى من قوة، أن يفرض على 15 مليون قبطى شريعة غير شريعتهم، وإذا لم تستطع الدولة حماية الأقباط فى مواجهة هؤلاء المتطرفين الدمويين، سيضطر الأقباط للدفاع عن أنفسهم وعقيدتهم، وفقا للقانون. ولعل هؤلاء يجهلون أن التقويم القبطى هو تقويم بدأ مع عصر الاستشهاد أيام الرومان، الذين أرادوا فرض عقيدة أخرى على الأقباط غير عقيدتهم.
وعندما يطالبون بتكوين شرطة «تكون مهمتها الأساسية محاربة المنكرات والأمر بالمعروف» فإن معنى ذلك تقليد تنظيم «المطوعين» وهو بوليس دينى موجود فى السعودية، ونتساءل هل سيحاولون تطبيق ذلك على أشقائنا المسلمين فقط أم على الأقباط أيضا؟
وأقول لأشقائى المصريين المسلمين، إنهم إذا ما بدأوا بالأقباط، سينتهون بكم، حيث لم يتوقفوا عند هدم كنيسة أطفيح، بل ذهبوا لهدم أضرحتهم التى يقدسونها، وغدا سيهدمون مقابر المسيحيين والمسلمين، وبعد غد سيمنعون بناتنا وأمهاتنا من السير فى الشوارع لأنهن «متبرجات» من وجهة نظرهم، وقد هددوا بإلقاء «مية» النار على المتبرجات ثم تراجعوا.
يبدو أن أحدا لم يتعلم الدرس من ممارسات الجماعات الإسلامية فى السبعينيات والتى مارست الإرهاب والقتل ضد الأقباط، وسكت عليها نظام السادات بل إنه قام بتشجيعهم، مع عثمان أحمد عثمان، على ممارسة الإرهاب ضد التيارات السياسية، التى كانت تعارضه وقتها، وانتهى بهم الأمر باغتياله.
■ لقد تعاظمت الاعتداءات ضد الأقباط بعد ثورة 25 يناير ما هو تفسيرك لذلك؟
- لقد تزايدت الاعتداءات ضد الأقباط منذ الخامس والعشرين من يناير بشكل غير مسبوق، ونلاحظ هنا اللجوء إلى جلسات الصلح العرفية التى يهرب فيها المجرمون من العقاب، ويتنازل فيها الضحايا عن حقوقهم.
إن قيام الحاكم العسكرى فى قنا بإقامة جلسة عرفية بين المجرمين المسؤولين عن قطع أذن أحد الأقباط والضحية، والتى تنازل فيها عن شكواه، خوفا على أسرته كما قال، بدلا من القبض عليهم، يعنى سقوط هيبة الدولة.
وإذا كان الضحية قد تنازل عن حقه تحت ضغط الإرهاب، أين هو حق المجتمع وأين هى النيابة التى تمثل ضمير المجتمع فى مواجهة هذه الجرائم؟.
ويحق لنا التساؤل، إذا كان المجلس العسكرى قد أصدر قانونا ضد البلطجة وأحال البلطجية فى مباراة الزمالك والفريق التونسى إلى محاكمة عسكرية سريعة، وبعض الذين مارسوا البلطجة ضد المواطنين، لماذا لا يفعل نفس الشىء فى الاعتداءات التى وقعت ضد الأقباط؟ ولو كان قد فعل فى اعتداء واحد، لما تكررت هذه الاعتداءات. إن الأمر يحتاج لوقفة حاسمة من المجلس العسكرى تجاه هذه الاعتداءات.