«عبدالخالق السيد» شاب يبلغ من العمر 18 عاما، توجه إلى مدينة «بنغازى» الليبية بصحبة قافلة طبية مصرية لتقديم الإغاثات الإنسانية كمسعف إلى متضررى الأحداث العنيفة هناك، بدأت قصته يوم 10 مارس الماضى عندما انقطعت أخباره عن الجميع، واتضح بعدها أن اللجان الثورية التابعة للعقيد معمر القذافى اختطفته من منطقة رأس لانوف الليبية، ظهر بعدها على شاشة «الجماهيرية الليبية» مرتديا زيا عسكرياً، حيث أجبرته السلطات الليبية على الاعتراف بانتمائه إلى تنظيم مسلح ساهم فى زعزعة الاستقرار.دام احتجازه بين سجون مدينتى «سرت» و«طرابلس» الليبيتين أكثر من 45 يوما كانت أصعب أيام حياته، على حد وصفه، رفض الحديث عما تعرض له من تعذيب خلال تلك الأيام، لكنه أصر على أنه غير نادم على ما فعله من خير لأشقائه الليبيين، يقول: «حاولوا من خلال التعذيب والإهانة أن يجعلونى نادما أمامهم وأمام نفسى، إلا أننى لست نادما، فقد ذهبت بنية خالصة لإنقاذ إخوتى الليبيين، رأيت مشاهد مروعة لأطفال فصلت أعناقهم عن أجسادهم، رأيت أسرا كاملة أبيدت، فدبابات القذافى كانت تطلق نيرانها على أسر بالكامل، وكان على دور أمام الله ولم أندم».
■ ما تفاصيل احتجازك يوم 10 مارس الماضى؟
- فى هذا اليوم توجهت لركوب سيارة أجرة من الموقف الذى يطلقون عليه «الجنسية» لنقل شكارتين بهما أدوية تلزم زملائى من الأطباء فى مستشفى بن جواد غربى مدينة راس لانوف، حيث دارت معارك طاحنة أسفرت عن سقوط آلاف المصابين وعشرات القتلى أغلبهم من الأطفال والشباب العزل، وأسر بالكامل تمت إبادتها، وعلى الطريق علمت أن قوات القذافى سيطرت على راس لانوف والطرق المؤدية إليها أوقفنى أفراد من اللجان الثورية التابعة لقوات القذافى، التى انتشرت على الطرق بعد سيطرتهم على جميع المدن غرب مدينة البريقة، واحتجزونى هناك بعد أن قاموا بتكسير الأدوية التى أحملها وضربونى وشتمونى.
■ ماذا حدث بعد أن أوقفتك اللجان الثورية وصادرت ما معك من أدوية؟
- تمت مصادرة جميع الأشياء التى أحملها، محفظتى كانت بها شارة مكتوب عليها 25 يناير عندما رآها الضابط زاد استياؤه، وقام بضربى مجددا، قام بتكسير هاتفى المحمول، لأنه لم يستطع فك شفرة إغلاقه، لأنى وضعت له كلمة سر لم أعطها له، ثم قام بالتخلص من الأدوية كلها على الأسفلت، كانت تلك الأدوية عبارة عن مستلزمات الإسعافات الأولية للمصابين.
■ إلى أى مدينة تم ترحيلك بعدها، وكيف تم ذلك، وهل تم التحقيق معك؟
- نقلونى بسيارة نصف نقل مغمى العينين ومكبل اليدين، وكان طريقا طويلا عرفت بعدها أنهم أوصلونى إلى مقر للأمن الخارجى فى مدينة سرت، وهناك تم التحقيق معى لمدة ساعة ونصف الساعة، وتم استجوابى خلالها عن دوافع دخولى إلى الأراضى الليبية والدور الذى قمت به منذ دخولى إليها، فذكرت لهم أنى مسعف جئت مع قافلة طبية لإنقاذ الضحايا من الثوار وكتائب القذافى وأقف على الحياد.
■ ما التهم التى وجهت إليك؟
- بعد أن قاموا باستجوابى تأكدوا أن جميع التهم الموجهة إلىّ واهية وغير حقيقية فقد اتهمونى بتحريض المتمردين ومساعدتهم والدخول بصورة غير شرعية إلى ليبيا، والاتهام الأخير لم أستطع دحضه، لأن الضابط الذى اعتقلنى فى البداية مزق جميع إثباتات الشخصية والأوراق المختومة من معبر السلوم، بالإضافة إلى أنه صادر محفظتى بما فيها.
■ لماذا تم إجبارك على الظهور فى التليفزيون الليبى بالملابس الحربية والادعاء بأنك تنتمى لأحد التنظيمات المسلحة؟
- لا أعرف ما هى دوافعهم تحديدا فلم أكن المصرى الوحيد الذى تم اختطافه أو اعتقاله من قبل اللجان الثورية، ولا أعرف ماذا استفاد معمر القذافى من وراء ظهورى بهذا الشكل، لكن بعدها ساعدنى أحد ضباط السجن فى الاتصال بوالدتى خلسة من هاتفه المحمول لطمأنتها.
■ كم من الوقت قضيته رهن الاحتجاز فى مدينة سرت وماذا جرى بعدها؟
- قضيت فى سرت أسبوعين كنت أتناول وجبة واحدة فى اليوم مكونة من المكرونة أو الأرز وبعض الخضار، وكانوا يعطوننى كسرة خبز صغيرة كإفطار صباحا، وأجلس معظم الوقت معصوب العينين، ثم قرروا تسليمى إلى سجن انفرادى فى طرابلس.
■ ماذا حدث فى طرابلس ولماذا السجن الانفرادى؟
- قرروا إيداعى فى غرفة حبس انفرادى معصوب العينين ومكبل اليدين، ولم يتم التحقيق معى سوى مرة واحدة بمجرد وصولى، اكتشفت بعدها أن هناك مصريين محتجزين فى نفس السجن، وكان كل منهم فى غرفة حبس انفرادية، قضيت فى هذا المكان قرابة ثلاثة أسابيع وحيدا، كانت المعاملة فى هذا السجن أفضل بكثير مما كانوا يفعلونه معى فى سرت، كانوا يعطوننا 3 وجبات فى اليوم، ولم يسمحوا لى بالتحدث عبر الهاتف لأطمئن أهلى فى القاهرة، وفجأة قرروا ترحيلنا إلى سجن «جدايدة» غربى طرابلس ويختص هذا السجن بأنه مثل مركز إيداع المتهمين حتى تحقيق النيابة معهم.
■ هل كان هناك نيابة ومحامون وغير ذلك من صور العدالة؟
- لم تكن نيابة بمعنى الكلمة، حققوا معى مرة واحدة أمر فيها المحقق بمد حبسى 6 أيام، سألنى فيها المحقق هل تريد محاميا للدفاع عنك فقلت له إن الله هو من يدافع عنى، وأثق بأنه سيرد لى حقوقى التى أهدرت منذ تم احتجازى، بعد انقضاء الأيام مدوا الفترة مرة أخرى 15 يوما، وفى اليوم الخامس أصدروا قرارا بالإفراج عنى إلا أن النيابة استأنفت وقرروا عدم إطلاق سراحى.
■ هل أتممت فترة التمديد الثانية فى سجن «جدايدة».. وهل كانوا يبلغونك بالجهود التى تقوم بها وزارة الخارجية المصرية من أجل الإفراج عنك؟
- لم يخبرنى أحد بأى شىء، ولم أكن أعرف أى تفاصيل عما يجرى خارج غرفة احتجازى، لكنى لم أكمل مدة الاحتجاز فى السجن فقد استدعونى فى اليوم الخامس وعندما ذهبت لغرفة التحقيق أبلغونى أنه تم الإفراج عنى وأنى سأخرج من السجن، لم أتحمل هذا الخبر فقدت وعيى على الفور، وبعدما أفقت وجدت طبيبا قاس لى الضغط وأعطونى عصائر وأخرجونى من السجن لأحد الفنادق.
■ هل قابلت أحدا من المسؤولين المصريين أو الليبيين فور إطلاق سراحك؟
- ذهبت للفندق وكان فخما للغاية، كانت غرفتى كبيرة جدا، بعدها جاء أحد المسؤولين ليبلغنى أن السفير المصرى بانتظارى، ذهبت لمقابلة السفير ففوجئت بأن وزير الخارجية الليبى على مائدة السفير، فجلست وبعدها طلب منى الوزير أن أعتذر عما فعلته منذ دخولى ليبيا، وأن أعترف بأنى مخطئ، وطلب منى وعدا بعدم تكرار الدخول إلى ليبيا مرة أخرى، كنت أريد إنهاء الموقف سريعا لأعود إلى منزلى وأمى، وأنهيت الحديث معه شاكرا له ولما فعله معى، وبعدها أخذنى السفير المصرى للسفارة، وهناك سمحوا لى بالحديث إلى أهلى مثلما أريد، وأخذنى مسؤول كبير بالسفارة لشراء الثياب الجديدة من طرابلس، وكانت المرة الأولى التى أرى فيها الأسفلت وأسير عليه منذ 45 يوما هى فترة احتجازى.
■ لماذا ترفض الحديث عما تعرضت له من صور التعذيب؟
- تعلمت خلال فترة احتجازى أن أى كلمة يطلقها مصرى خارج السجن تنعكس علينا داخل السجن، فأى حديث لمصرى فى وسائل الإعلام يدفعهم لتشديد تعذيبنا داخل السجون، وهناك مصريون آخرون فى سجون القذافى ولا أريد أن أدفع قواته لتعذيبهم بسبب أقوالى، من ضمن المرات التى شددوا فيها تعذيبنا كانت بسبب بعض المصريين الفارين من مدينة مصراتة الذين ذكروا حجم الدمار الذى ألحقه الثوار بمعدات القذافى وجنوده.
■ كيف كانت رحلة عودتك من طرابلس عاصمة ليبيا التى يسيطر عليها القذافى بشكل تام؟
- قام السفير المصرى شخصيا بمرافقتى حتى الحدود التونسية وسلمنى إلى السفير المصرى فى تونس على بوابة مدينة «رأس جدير»، وقاموا بالترحيب بى بحرارة وقدموا لى خدمات عديدة، وبعدها ركبت طائرة تحمل 250 راكبا مصريا من الفارين من ليبيا أغلبهم من مدينة مصراتة.
■ هل كنت تتوقع الإفراج عنك لو كان نظام الرئيس السابق مبارك مازال قائما؟
- لو كان مبارك مازال رئيسا لما تم الإفراج عنى مطلقا.