قبل أن يرفع المؤذن أذان الظهر، الجمعة ، وقف أوتوبيس كبير على كوبرى قصر النيل بجوار عشرات الأتوبيسات القادمة من مختلف المحافظات، لكنه كان متأخراً قليلاً، حسبما ظهر فى حديث السائق إلى ركابه الذين بدأوا النزول والتوجه إلى ميدان التحرير، واقتربت «المصرى اليوم» منهم للتعرف على بعض التفاصيل التى قد لا يعرفها الكثيرون عن كيفية ترتيب تلك الرحلات الطويلة إلى القاهرة، وما الدوافع التى جعلت أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يحملون أمتعتهم، ويأتون بنسائهم وأطفالهم، ومنهم الرضع، ويسافرون إلى القاهرة للتظاهر فى التحرير.
بدأت إحدى الأخوات - هكذا ينادين بعضهن البعض - تحكى كيف كانت رحلتها بلغة تغلب عليها الفصحى، فقالت: «صلينا الفجر وبدأ أبى الاتصال بالإخوة الذين حضروا معنا، للتجمع تمهيداً للتحرك بالأتوبيس من مدينة المنصورة فى الدقهلية، إلى القاهرة، تأخرنا كثيرا لأننا مررنا على عدد من الإخوة والأخوات فى مدينة بلقاس، واستغرقت الرحلة أكثر من 4 ساعات، لكن كل هذا لا يهم طالما أن لنا هدفاً محدداً وهو الجهاد من أجل الوصول ببلدنا إلى بر الأمان».
وقاطع والد الأخت حديثها، ليسأل مندوبة «المصرى اليوم»، «الأخت من محافظة إيه»، واكتفى بمعرفة أنها إحدى أخوات محافظة القاهرة، وأكمل الجميع السير إلى الميدان حيث أوقفتهم اللجان الخاصة بالتفتيش للسؤال عن بطاقة تحقيق الشخصية، والتى كانت مجمعة مع أحدهم وبدأ توزيعها عليهم أمام اللجنة، واتفق الكل بمجرد دخولهم الميدان على أن تكون جامعة الدول العربية مكان تجمعهم، وهو المكان الذى يتجمع فيه قائدو المجموعات، وأيضا يتم تحديد آلية التظاهر والاعتصام.
وترك الأب ابنته وزوجته وبقية الأخوات أمام مبنى الجامعة، وذهب وباقى الرجال لأداء صلاة الجمعة التى جمعوا معها صلاة العصر جمع تقديم، ثم عادوا إلى أمام جامعة الدول العربية يستظلون بالشجر منتظرين الأوامر، وبدأوا فى تناول الغذاء، استعداداً للفترة المتبقية من اليوم والتى لن يتوقفوا طوالها عن التظاهر حتى الخامسة، ثم يتجمعوا مرة أخرى لتلقى التعليمات، سواء بالاعتصام أو العودة.
وأمام باب الجامعة بدأ النقاش على موائد الغذاء، عن القضايا السياسية المطروحة على الساحة، وبدأ الإخوة والأخوات فى التعرف على بعضهم البعض من خلال سؤال «ما اسم عائلتك»، فلا يسأل أحد عن الاسم، ويدور الحديث بصيغة «الأخ من عائلة مرزوق من البحيرة ، والأخ من عائلة الكفراوى بالمنوفية».
وبعد انتهاء الطعام قاد أحدهم مجموعته وتحرك مع باقى المجموعات نحو الميدان، وقبل تحركهم اتفقوا على أن قرار المبيت فى الميدان من عدمه لم تصدر به أوامر بعد، وأن الأوامر ستصدر عند الثامنة مساء من قيادات الجماعة، وأن الأوامر فى ذلك الوقت كانت بالتظاهر فقط، فتحرك الجميع إلى الميدان فى حماس شديد، وشدت الأمهات أبناءها، وتركن أزواجهن يدخلون الميدان مهللين حاملين اللافتات المعبرة عن موقفهم، قبل التفرق فى الميدان نبه الرجال على النساء أنه فى حالة حدوث أى شىء فعليهن العودة إلى مكان التجمع أمام الجامعة العربية للاستراحة، ثم العودة مرة أخرى إلى التظاهر.
وتجمعت الأخوات مع بعضهن البعض وتحركن فى جماعات حتى حديقة الميدان للهتاف، فيما جلست السيدات المسنات أمام مسجد عمر مكرم يقرأن القرآن وينتظرن تعليمات جديدة، وبدأ الجميع الهتاف بجدية لإسقاط وثيقة المبادئ الدستورية، وتسليم السلطة إلى المدنيين، وبدأ أحد المسنين فى حثهم وتشجيعهم، بتأكيده أن ما يفعلونه مثل الجهاد فى سبيل الله، ويحذرهم من خسارة ثوابه إذا لم يؤدوه بإخلاص وأمانة، ويبشرهم بتبؤ منزلة عالية عند الله سبحانه وتعالى إذا أتموه على أكمل وجه، وهتفوا بأعلى صوت، وتحملوا الزحام قدر المستطاع.