رأينا فى ميدان التحرير، أثناء أحداث «ثورة 25يناير»، لافتات من الكرتون والورق المقوى والخشب والقماش والصور وغيرها، كتبت عليها شعارات حملها الصغار والكبار، وأصبحت، منذ اللحظات الأولى للثورة، جهازاً إعلامياً يعبر بوضوح تام عن العقل الجمعى المصرى وإرادته فى خلع الرئيس مبارك وإسقاط نظامه.
وتؤكد دراسة جديدة بعنوان «شعارات ثورة 25 يناير.. قراءة فى المغزى والدلالات» أنجزها عادل عبدالصادق الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجية، ونشرت ضمن مجموعة من الدراسات والبحوث الأخرى عن الثورة، ضمها كتاب مهم صدر حديثاً عن المركز بعنوان «ثورة 25 يناير.. قراءة أولية ورؤية مستقبلية»، أن شعارات هذه الثورة أصبحت بمثابة وثيقة تُسهم فى التأريخ للأحداث المصرية التى شهدتها وتكشف عن أسباب اندلاعها وكذلك أسباب نجاحها، وترسم صورة مصر كما كانت قبل الثورة والتغير الذى حدث بعدها.
ويقول: «دعمت هذه الشعارات الطابع التنويرى للثورة، عن طريق التعريف بالحقوق والدعوة للإيجابية والمشاركة، كما عكست مفردات الثقافة المصرية الأصلية، حيث جاءت الشعارات كاشفة للمخزون الثقافى المصرى وطريقة تفاعل المصريين أخلاقياً فى رفض الظلم والاستبداد والقهر الذى ترسخ فى وجدانهم وعقولهم، فضلاً عما ترسب عبر التاريخ من خبرات حياتية جلب على المصرى روح التسامح والألفة، والحنين إلى الوحدة والجماعة مع الاستقلال ورفض التبعية».
عكست شعارات الثورة - كما يشيرعادل عبدالصادق - جذور الثقافة الدينية العميقة والتراث الشعبى لدى المصريين، وأدب الثورة العالمى، ومنها ما يعود إلى التاريخ المصرى القديم وعلاقتة بالفرعون، وإلى ثقافة العلاقة بالسلطة لدى المصريين، كما ارتبطت مصادر الشعارات بطموحات وأمنيات المواطن المصرى، وتناولت أخرى الواقع المعيش الذى عانى منه المواطن البسيط، فى ظل النظام السابق.
أعد الكاتب دراسته على ثلاث مراحل: بدأت العملية الأولى، بتجميع الشعارات والكتابات الجدارية واللافتات أثناء الثورة وبالتحديد التى تم استخدامها فى ميدان التحرير، لاعتبارها المحرك الرئيسى فى الثورة، والثانية عن طريق تصنيفها وتسكينها فى فئات فرعية، ثم أخضعها الباحث إلى التحليل واستخلاص النتائج، وذلك فى محاولة لمعالجة سيكولوجية هذه الشعارت، لاستلهام دروسها وجعلها نبراساً للتاريخ.
ويقول عكست هذه الشعارات فى مضمونها التنوع والإبداع والقدرة على التعبير لدى المصريين، فإلى جانب بروز شعارات ذات طابع عام مثل «الشعب يريد إسقاط النظام» جاءت أخرى فرعية حين تدخلت فئات مهمشة تطالب برفع المظالم التى وقعت عليها، وتعبر عن تأييدها للثورة، فكانت اللافتات الإقليمية التى تأتى من محافظات مصر هى أبرزها.
وجاءت الشعارات - حسب عبدالصادق - متنوعة على مستوى الموضوعات وأسلوب الكتابة، فبعضها استلهم مواقف تاريخية، مثل التى عبرت عن الرغبة فى الحرية والاستقلال، سواء ضد الإنجليز أو مع ثورة يوليو، وانتهاء بالشعار ضد الملكية، ومنها: «ارحل ارحل زى فاروق.. شعبنا منك بقى مخنوق»، «خصخصوكى ورجعوكى للعصر المملوكى»، «صباح الخير على الورد اللى فتح فى جناين مصر»، وأخرى متأثرة بالتراث الشعبى، مثل «عايزين نكسر قلل» و«ارحل بقى بدل ما أوز عليك حماتى»، كما جاءت الشعارات لتعبر عن خفة الدم والنكت السياسية، ومنها «رابطة نجارى مصر يسألون الأسطى مبارك ما نوع الغراء الذى تستخدمه؟، و«بن على يدعو مبارك إلى عدم تضييع الوقت واللحاق به فى عمرة المولد النبوى»، وأخرى جاءت دفاعية عن الثورة، مثل «أنا مندس أنا مندس، عندى أجندة مستر إكس»، و«زهقت من كنتاكى عاوز لحمة».
ويوضح أن شعارات الثورة تميزت بالعمومية والتداخل فى كل القضايا والموضوعات التى تعبر عن هموم المواطن المصرى مثل «الشعب يريد إسقاط النظام»، حيث دل هذا الشعار على الشرعية ومكان السلطة وهو الشعب، كما اتسمت بطابع جماهيرى بكونها رسالة قصيرة مكتوبة على الجدران أو اللافتة أو عبر الصور أو الرسم ويراها الجمهور ويقرأها بسهولة، فضلاً عن تناولها تفاصيل الحياة اليومية للمواطن المصرى وما يعانية من فساد ورشوة وظلم فى الحصول على الخدمات الحكومية مثل «يا سوزان قولى للبيه كيلو الأوطه بعشر جنيه ومتر مدينتى بنص جنيه»، ومنها ما عبر عن التحدى والصمود مثل «اشهد اشهد يا زمان.. الشعب المصرى مش جبان» و«واللى خايف خايف ليه هو فاضل لينا إيه».
ويؤكد صادق أن معجم شعارات الثورة يبدو فخراً مكتنزاً بالحكمة والوعى النبيل والتحضر ومخزوناً معبراً عن أفكارها وطموحاتها، وعن مطالب الذين فجروها وغذوها بدمائهم وتضحياتهم.