جميلة دائما هى الكتابة عمن لا يتوقعون أو ينتظرون أن يكتب عنهم أو يهتم بهم أى أحد.. ولم ولن يطلب الأولاد والبنات الصغار فى نادى باكوس من أى أحد أن يترك كل القضايا الكبيرة والحكايات التى تهم الناس وتشغلهم للتوقف أمام ناد صغير.. ناد فى الإسكندرية لا يلعب فيه إلا الصغار والشباب والفتيات الذين يملكون أحلاما أجمل من الدنيا التى لا تعترف بهم وأكبر من البحر القريب منهم وأغلى من المال الذى لا يملكونه.. وفى بطولة الجمهورية لكرة اليد التى استضافها الأسبوع الماضى نادى الشمس فى القاهرة.. جاءت أربعة فرق فقط من نادى باكوس لأن النادى الصغير لا تتحمل ميزانيته أن يرسل لاعبين ولاعبات أكثر من ذلك.. ورغم ذلك.. فاز نادى باكوس فى هذه البطولة بثلاث ميداليات.. فاز أولاد النادى فى سن العاشرة بميدالية الذهب.. وفازت بنات النادى فى سن العاشرة أيضا بميدالية الفضة.. وفازت بنات النادى فى سن الثانية عشرة بالميدالية البرونز.. وفاز أولاد وبنات باكوس بهذه الميداليات بعد أن فازوا على كثير من كبار وأغنياء كرة اليد المصرية سواء فى القاهرة أو الإسكندرية.. وباتوا الآن يستحقون مشاركتهم فرحتهم الجميلة ومعها كلمات الشكر والاعتزاز وتصفيق الإعجاب والاحترام.. وأصبح نادى باكوس نفسه يستحق التوقف أمامه باعتباره تجربة رياضية مصرية استثنائية.. فهذا النادى بميزانيته السنوية التى لا تزيد على الاثنى عشر ألف جنيه فقط فى السنة..
قرر التخصص فى كرة اليد لأن المسألة ليست التباهى بعدد الألعاب دون اهتمام بالعطاء والمستوى والنتائج.. ولأن أقل عقد لاعب كرة اليد المحترف فى مصر الآن يصل إلى تسعين ألف جنيه.. أى إجمالى ميزانية النادى كله فى أكثر من سبع سنوات.. فقد قرر هذا النادى أيضا ألا يزاحم كبار اللعبة فى مسابقاتهم وبطولاتهم وإنما يكتفى بالصغار فقط كأولاد وبنات يعلمهم ويرعاهم ويجيد إعدادهم نفسيا وفنيا ثم يتركهم حين يكبرون لأندية أخرى أكبر وأشهر تملك المال وتحتاج لمواهب اكتشفها هذا النادى الصغير فى حى باكوس السكندرى القديم والعريق.. وباتت هذه الصورة صالحة لأن تصبح مثالا لكثير من أنديتنا المصرية الصغيرة من الإسكندرية إلى أسوان التى ترفض هذا التخصص والتركيز وتحديد واختيار النجاحات الكثيرة التى يمكن تحقيقها بطموحاتها الكبيرة ومواردها القليلة.. وإذا كنا طول الوقت نتحدث عن تجارب المشروعات الصغيرة جدا التى صنعت النجاحات الاقتصادية الهائلة فى شرق آسيا وبها أصبحت الصين قوة اقتصادية عظمى.. فمن الممكن تطبيق ذلك فى مصر رياضيا عير أنديتها الصغيرة الكثيرة ومراكز شبابها المتناثرة فى كل مكان.. فلو اكتفت كل مجموعة منها بلعبة واحدة تجيد انتقاء عناصرها الجدد وتغرس تحت جلودهم روح التحدى وكبرياء البطولة.. فسيتغير حتما شكل ألعاب كثيرة فى مصر وسنملك أبطالا جددا بعدد أيام السنة.. ولهذا أشكر الآن أولاد وبنات باكوس ومدربيهم أحمد جمعة ومروان سعيد ومصطفى محمد.. وأشكر إدارته أيضا برئاسة الدكتور كرم كردى صاحب هذه التجربة السكندرية الجميلة والرائعة.