فى الوقت الذى تتصاعد فيه حدة قمع نظام الرئيس السورى بشار الأسد الاحتجاجات المطالبة بإسقاطه، تتحول الأزمة السورية تدريجياً إلى ساحة للصراع الإقليمى وربما الدولى، فبالنظر إلى موقع سوريا فى القلب من المشرق العربى الإسلامى، وتأثيرها الكبير على أدوار قوى إقليمية رئيسية، مثل إيران وتركيا والسعودية، إضافة إلى دورها فى لبنان وفى الصراع العربى - الإسرائيلى، يمثل المستقبل السياسى لسوريا أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للعديد من الأطراف الإقليمية.
ومنذ اندلاع الحركة الاحتجاجية فى مارس الماضى، تصرف النظام السورى وكأنه يتمتع بـ«حصانة» من المساءلة، معتمداً فى ذلك على ثقله الإقليمى وعلاقاته، إلا أن استمرار تصاعد الاحتجاجات وتعالى نبرة التعاطف العربى والإسلامى والدولى مع الشعب السورى، وعجز الحكومة السورية عن إدارة الأزمة، قاد نظام «الأسد» إلى عزلة غير مسبوقة. فبخلاف إيران، وبدرجة أقل العراق على مستوى الدول، و«حزب الله» اللبنانى الشيعى، على مستوى اللاعبين السياسيين من غير الدول، لم يعد للنظام حلفاء إقليميون حقيقيون يمكنه الاعتماد عليهم.
وبعدما كانت تركيا خلال الأشهر الأولى من الثورة السورية أقرب إلى الحفاظ على نظام «الأسد»، باعتبارها «حليفة اقتصادية وسياسية» لسوريا، اتخذت فيما بعد نهجاً أكثر تشدداً عقب نفاد صبرها على النظام السورى، ووصل السخط التركى على دمشق ذروته السبت الماضى بعدما هاجم محتجون بعثاتها الدبلوماسية فى سوريا، حيث حذر وزير الخارجية التركى أحمد داوود أوغلو دمشق قائلاً: «سنتخذ أشد المواقف حزماً ضد تلك الهجمات وسنقف بجوار الكفاح العادل للشعب السورى»، معتبراً أنه «لم يعد بالإمكان الوثوق فى الحكومة السورية»، فيما دعت أنقرة المجموعة الدولية إلى التحرك بـ«صوت واحد» إزاء الوضع فى سوريا.
وجاء إعلان رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان عن قطع الاتصالات مع نظام دمشق، بمثابة دعم جديد للحراك الشعبى السورى، بعدما فتحت تركيا أبوابها لقوى المعارضة السورية، وأكدت اعترافها بـ«المجلس الوطنى السورى» إطاراً سياسياً معبراً عن إرادة الشعب السورى، مما ولد انطباعاً بأن أنقرة، أكثر من أى عاصمة أخرى، تعمل على الإطاحة بالنظام السورى والتحكم فى عملية التغيير. وذكر «مركز الجزيرة للدراسات» فى ورقة بحثية أن أسباب ذلك تعود إلى الحرية الواسعة التى توفرها تركيا لنشاطات المعارضة السورية، وطبيعة الارتباط الجيوبولتيكى والبشرى بين تركيا وسوريا، وإدراك جميع الأطراف المهتمة بأن تركيا ستلعب دوراً رئيسياً فى أى تدخل عسكرى دولى محتمل، إضافة إلى التعاطف بين «حزب العدالة والتنمية» التركى الحاكم والقوى الإسلامية السورية التى تشكل القطاع الأكبر من قوى المعارضة، وقد بات هذا الانطباع مصدر قلق متزايد لدى إيران - الحليف الاستراتيجى للنظام السورى - حيث وجه المستشار العسكرى للمرشد الأعلى الإيرانى قائد الحرس الثورى السابق رحيم صفوى، تهديداً صريحاً لتركيا فى 9 أكتوبر الماضى على خلفية تراكم الخلافات بين الجارتين، فقال إن على تركيا «أن تتوقع الكثير من المتاعب من شعبها وجيرانها، إن لم تعد النظر فى سياستها تجاه سوريا». ويقول «مركز الجزيرة» إنه لابد من النظر إلى سوريا باعتبارها مصدر التوتر الأكبر فى العلاقات الإيرانية - التركية المستجدة.
وتمثل سوريا قاعدة استراتيجية بالغة الأهمية للنفوذ الإيرانى فى الجوار العربى المشرقى، حيث توفر نافذة على المتوسط، وطريقاً آمناً إلى لبنان، وشريكاً يُعتمد عليه يجعل من إيران طرفاً فى الصراع العربى - الإسرائيلى، كما أن التحالف الإيرانى - السورى يعتبر ضمانة حيوية للنفوذ الإيرانى فى العراق. وفى حين يصب التدهور فى العلاقات بين أنقرة ودمشق لصالح طهران، فإن إيران ستبذل كل جهد ممكن لمنع سقوط نظام الحكم فى دمشق وبروز نظام حكم سورى جديد وثيق الصلة بتركيا. وعلى الرغم من دعم إيران و«حزب الله» للنظام السورى - حيث هدد أمينه العام حسن نصر الله مؤخراً بأن «الحرب على إيران وسوريا لن تبقى فيهما بل ستتدحرج على مستوى المنطقة بأكملها» - فإن قرار الجامعة العربية بتعليق مشاركة دمشق فى اجتماعاتها زاد من عزلة النظام السورى على الساحة الإقليمية، بعدما كانت 4 دول خليجية سحبت من قبل سفراءها من دمشق، وهى قطر والسعودية والبحرين والكويت، غير أنه من غير المؤكد أن يكفى هذا القرار لحمل نظام الأسد على التهدئة ووقف العنف، بحسب محللين ودبلوماسيين. ففى الوقت الذى شجبت فيه السعودية وقطر ومعهما تركيا وفرنسا الاعتداء على بعثاتها الدبلوماسية فى دمشق بعد قرار الجامعة العربية، دعا النظام السورى الأحد الماضى الزعماء العرب إلى مزيد من المحادثات فى محاولة لـ«تمييع» الإدانة العربية وتفادى التدخل الخارجى فى الأزمة.