هو واحد من بين أهم الخبراء المتخصصين في دراسة أسواق العمل.. إنه الدكتور راجى أسعد، أستاذ السياسات العامة في جامعة مينسوتا الأمريكية، والزميل في منتدى البحوث الاقتصادية، وفى منتديات بحثية شرق أوسطية وعالمية. في هذا الحوار يكشف أسعد حقائق مثيرة عن البطالة والأجور والفقر التي وصفها بأنها الصداع المستمر قبل وبعد ثورة 25 يناير، كما يتحدث عن عمل النساء ودور وزارة القوى العاملة، وتشوهات نمط النمو المنحاز إلى «الكمباوند» على حساب المصنع، ويؤكد أن المشاريع العقارية تخاطب ٢% من السكان، وأن وزارة القوى العاملة وظيفتها تسهيل السيطرة على النقابات، مشيرا إلى أن الوضع الاجتماعى الحالى يضعف فرص شباب الطبقات الفقيرة في العمل.. وإلى نص الحوار:
■ هل حدث تغير في إصلاحات أسواق العمل قبل يناير 2011 وبعد برنامج الإصلاح الاقتصادى الحالى مع صندوق النقد؟
- البطالة وتدهور سياسات الأجور صداع مستمر قبل «25 يناير» وبعدها، فالعناية بأسواق العمل حتى مع إصلاحاتنا مع صندوق النقد لا تزال أقل من المأمول، والطريف أنه على الصعيد البحثى نفسه فإن المهتمين بأسواق العمل عددهم قليل، ومن المهم أن تتم متابعة تطور النشاط الاقتصادى في ظل الإصلاح وتأثيره على العرض والطلب في سوق العمل وديناميكية هذه السوق ومدى التطور في مجال التدريب والتأهيل والتعليم.
■ يشير صندوق النقد وغيره كثيرا إلى ما يسمى بعدم مرونة سوق العمل في مصر ونشأ من ذلك الدعوة لتسهيل فصل العمالة.. ما رأيك؟
- حينما أصدرنا قانون العمل الموحد في 2003 تم حل مشاكل كثيرة كانت متوارثة من وقت اقتصاد القطاع العام والحكومى، حيث كان هناك عدم مرونة بالفعل مما يقيد قدرة أصحاب الشركات الخاصة على إتاحة مزيد من فرص العمل أو يجعل القطاع الخاص يتحايل على تأمينات وحقوق العمالة أو يخلق فرص عمل بعضها رسمى وبعضها غير رسمى أو كلها بدون تأمينات وعقود حتى لا يطبق قانون العمل مما يعمق الطابع غير المنظم لهذه السوق، ومن هنا فالتوازن مطلوب في قوانين العمل مع الاستخدام العادل لآلية التعويض عند الاستغناء عن العامل.
■ وما القوانين الاخرى التي تؤثر على سوق العمل؟
- قانون 2003 سهل عملية التشغيل الرسمى من خلال عقد محدد المدة ويتم تجديده، وحدث تأثير للقانون على نسبة العمل الرسمى حيث زادت، ولكن في شق آخر فإن توأم قانون العمل هو قانون التأمينات الاجتماعية ومن 1975 لم يعدل إلى أن تم تغييره في 2010 ولكن تم إلغاء الجديد في ظروف ما زلت لا أفهمها أو لأسباب سياسية وليست اقتصادية، وربما لأن صانعه يوسف بطرس غالى أصبح مغضوبا عليه بعد الثورة وعليه فأى شىء قام به سيكون خاطئا مع أنه كان قانونا جيدا ومهما ومطلوبا لأن نظام التأمينات يزيد التكلفة على العمالة منخفضة الأجر ويشجع فتح الباب لعدم التأمين على العمال وعدم الرسمية حتى باتفاق صاحب العمل والعامل، وإشاعة ظاهرة الأجر التأمينى والأجر الحقيقى حيث يتم التأمين بأجر قليل لأن المعاش يحتسب على متوسط آخر 5 سنوات. في أمريكا مثلا يتم احتساب المعاش على طول فترة العمل.
■ ما أهم التعديلات المطلوبة تأمينيا بنظرك؟
- خفض التكلفة على صاحب العمل خاصة في الأجور المنخفضة فالمتبع الان أن يدفع صاحب العمل 26% والعامل 14% وهذا لا يشجع على تغطية العمالة منخفضة الأجر، وعموما فإنه من ناحية علاقة الطلب على العمل بالعرض فالعقبة هي في مجال التأمينات وليست في قانون العمل، والاخير جيد ولا يحتاج إلى تغيير جذرى ولكن قانون التأمينات يحتاج التغيير فعلا.
■ وماذا عن قانون النقابات العمالية وأثره؟
- النقابات العمالية هي الضلع الثالث وهو يعتبر قانونا سياسيا في المقام الأول، والقانون الجديد المقترح رفضته منظمة العمل الدولية لأنه لا يحقق حرية التنظيم النقابى ولكن النقابات تكاد تكون غير موجودة في القطاع الخاص، ولكن في القطاع العام فقط أو العام الذي خضع للخصخصة، ومهم أن يكون هناك أكثر من اتحاد نقابات لأن وجود اتحاد واحد للنقابات يعنى تسهيل سيطرة الحكومة عليه، والخيار الافضل هو قانون نقابات يدعم حرية العمل النقابى ويوسع العضوية.
■ تم مؤخرا إقرار قانون التأمين الصحى كيف تنظر إليه؟
- من الخطأ ربط التأمين الصحى بالعمل لأن ذلك يوجد مشاكل في التغطية الشاملة وفى أوروبا والغرب عموما، فالتأمين الصحى حق للمواطن وكل الناس لها الحق فيه ومن شأن ذلك عدم زيادة تكلفة العمالة على صاحب المشاريع من ناحية وضمان تغطية من ليس لديهم عمل صحى من ناحية أخرى ومصر تحاول أن تتبع هذا النهج.
■ يحتشد الخطاب الحكومى بكلام كثير عن التشغيل وأهميته لكن الحصاد لايزال قليلا؟
- القيد الأساسى على التشغيل والبطالة في مصر ليس هو مدى ديناميكية سوق العمل والقوانين ولكن القيد يأتى من محدودية خلق فرص عمل جيدة ووجود بعض القيود أيضا من ناحية التدريب والتأهيل والتعليم لخلق عمالة مؤهلة. إن الأخطر هو أن نمط التنمية في مصر يخلق فرص عمل سيئة، لأن التنمية في مصر معظمها يعتمد على قطاعات تتيح فرص عمل غير منتظمة ولها طابع غير رسمى كقطاع العقارات مثلا فهو من أكبر «قاطرات» التنمية في مصر وهو كثيف العمالة لكنه يخلق عملا في فترة البناء والتشييد فقط وكله عمالة غير منتظمة أي خارج المنشآت «أرزقية»، ويتوجه كثير من استثمارات القطاع الخاص إليه على حساب الصناعة ومن أسباب ذلك التعقيدات البيروقراطية وعدم وجود حوافز مناسبة تجذب المستثمرين إلى الصناعة، أما مشروعات البنية الاساسية فهى مثله ولكنها تساعد في تنمية مشروعات وقطاعات أخرى وهذه أهميتها.
■ وما هي القطاعات الأخرى التي توفر فرص عمل أكثر؟
- التشييد والبناء، فهو يستوعب وحده عمالة أكثر من الصناعة التحويلية والتعدين والمرافق والطاقة مجمعين، والقطاعات الاخرى منها النقل وقطاع تجارة التجزئة وهى مع التشييد توفر 60 % من العمالة في القطاع الخاص ونوعية العمل فيها غير جيدة، فالنقل معظمه سائقو نقل وتاكسى وأتوبيس وهم عمالة غير منتظمة ولا تتمتع بالحماية الاجتماعية، ونفس الأمر
بقطاع تجارة التجزئة ما يعنى أن ثلثى العمالة في القطاع الخاص بمثابة فرص عمل جيدة، وهذا الأمر ليس مشكلة سوق عمل ولكن مرة أخرى نمط تنمية يجعل معظم الاستثمارات في القطاع الخاص تذهب في اتجاهات معينة.
■ لكن الصورة تتغير نسبيا بعد التعويم والإصلاحات؟
- الإصلاح الاقتصادى وتعويم سعر الصرف يمكن أن يغيرا اتجاهات القطاع الخاص فقد شجع التعويم مثلا قطاع التصدير، ولنلاحط أن العقارت وما مثلها سلع لا تقبل التجارة الدولية، والمهم هو تصدير الصناعات التحويلية والأهم تصدير الخدمات ولدينا فرصة كبيرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات وهو قطاع ينمو بسرعة ولدينا عمالة مؤهلة مثل الهند ولم نكن كمصر ننافس بقوة لأن أسعارنا كانت مرتفعة ولكن بعد سعر الصرف أصبح النشاط تنافسيا، أيضا نحن من أغنى الدول في الطاقة المتجددة ويمكن أن نكون مصدرين لها.
■ وهل تعتقد أن منظومة الطاقة المتجددة تشجع المستثمرين؟
- تم تغيير الاطار المؤسسى عام 2014 بإخراج تعريفة التغذية إلى النور ولكن رغم أن التعريفة أعطت حافزا للمستثمر الاجنبى فإنه بعدها مباشرة نظر على ترتيب مصر في فض المنازعات والنظام القضائى لفض المنازعات خاصة في عقود الحكومة وكان ترتيب مصر في مؤشر البنك الدولى 159 من 179 دولة في فضل المنازعات ومن هنا طلب المستثمرون نظاما للتحكيم في العقود وإلا فلا، ورفضت الدولة حتى آخر 2016 ولكن قامت بتقليل سعر الكيلو وات مقابل قبول التحكيم وقبل المستثمرون فتأملوا الدرس!. إذًا السعر لم يكن مشكلة ولكن الاطار المؤسسى للاستثمار في مصر سواء محلى أو أجنبى وهو من أكبر العوائق.
■ ما معنى العمل اللائق ومدى تحققه في مصر؟
- عمل فيه انتظام وأجر مناسب وبيئة عمل مواتية، وأؤكد أن 40 % من عمالة القطاع الخاص بمصر غير منتظمة أو موسمية أو متقطعة.
■ وهل يعبر معدل البطالة بدقة عن الواقع علما بأن آخر رقم هو 11.9 %؟
- معدل البطالة ليس المؤشر الأخطر في سوق العمل ويتأثر به أكثر من غيرهم الداخلون الجدد لسوق العمل الباحثون عن عمل رسمى لأنه يوضح لهم الصعوبات التي سيلقونها. هؤلاء عادة من المتعلمين والذين يستطيعون الانتظار بدرجات، ولذا فمعدل البطالة مرتفع بينهم، بينما هناك فقراء وغير متعلمين وليس لديهم فرصة في سوق العمل الرسمى وأيضا لا يمكن أن ينتظروا بلا عمل ولذا يدخلون كأرزقية ولذا معدل البطالة لا يبين لنا مشاكل هؤلاء. معنى ذلك أن معدل البطالة ينظر إلى فئة معينة لكن لو نظرنا إلى مؤشر ثروة الأسرة (ما تملكه من أصول غير إنتاجية كثلاجة أو تكييف أو سخان أو فرن أو تليفزيون أو أجهزة مختلفة) نجد أن معدل البطالة بين الرجال يرتفع مع ارتفاع مؤشر الثروة.. يعنى ذلك أن هذه الاسر لديها إمكانية لأن تحتمل وجود الابن المتعلم في وضع بطالة لأمد والعكس بالعكس كلما قل معدل الثروة قلت البطالة لأن الفقراء يجب أن يعملوا ليعيشوا، وبالنسبة للإناث يختلف الامر لأن العمل في القطاع غير الرسمى ليس سهلا عليهن وهن يفضلن عملا حكوميا أو «قعدة البيت» حتى بغض النظر عن مؤشر الثروة.
■ ما تقييمك لدور وزارة القوى العاملة في تطوير أسواق العمل وهل لها شبيه دوليا؟
- وزارة القوى العاملة أنشئت بهدف أساسى هو التحكم في الحركة النقابية.. طبعا لها أدوار أخرى ولكن الاساس أن الدولة تسيطر بها على الحركة النقابية، والمفروض أن تضع وزارة العمل سياسات لتنشيط سوق العمل وتنفذ قوانين العمل والتأكد من التأمين على العمالة وصلاحية بيئة العمل. وفى دول كثيرة تكون مسؤولة عن التدريب والربط بين صاحب العمل والعامل. لكن دورها ضعيف في مصر وأصحاب العمل لا يلجأون لها أصلا، وكل مراكز التدريب التابعة للوزارة لا تعمل بشكل حقيقى ولا تستطيع التعامل مع القطاع الخاص وتكتفى ببعض العمل مع الشركات العامة، ولو أوجدنا نظاما قوميا جيدا للتدريب يمكن أن يكون دور القوى العاملة رقابيا وتمويليا ولكن التدريب ينفذه القطاع الخاص من خلال مراكز تدريب تابعة له، لأن أصحاب الاعمال في القطاع الخاص يعرفون ماذا يريدون وكيفية الوصول إليه وعلى الحكومة مراقبة سلامة الصرف فقط.
■ وإلى أي مدى ساهم العمل بالخليج أو الخارج عموما في إيجاد منفذ للفئات الاجتماعية الفقيرة أو دون المتوسطة؟
- عمل المصريين في الخارج يقلل من الضغط على العمل في مصر، ولكن قياس مجمل الاثر على سوق العمل صعب. بمصر زيادة عرض في فئات معينة خاصة من لديه تعليم فنى أو ثانوى، وهؤلاء عليهم طلب في أعمال يدوية في الاردن ودول الخليج، وفى الأردن «بيحلفوا بالعامل المصرى» وإنتاجيته الأعلى حيث يعمل 18 ساعة يوميا ويسكن في موقع العمل، لكن الآن لا يعطون تصاريح للعمالة المصرية بسبب محاولة إيجاد فرص للاجئين السوريين ولكن لا يزال الاقتصاد الأردنى قائما على العامل المصرى الذي لا يستطيع الأردنى نفسه منافسته.
■ السؤال الذي يطرح نفسه: ولماذا لا يعمل هنا بتلك الحمية؟
- قد يقول قائل إن المصرى يخجل أن يقوم بأعمال هنا لكن يسهل القيام بها وسط الأغراب لكن في اعتقادى أن نظام الحوافز هو العامل الحاسم، الخلاصة «المصرى لما بيلاقى حافز بيموت نفسه في الشغل».