كانت مفاجأة للجميع أن يفوز فيلم «أسماء» بجائزتى الإخراج لعمرو سلامة والتمثيل رجال لماجد الكدوانى فى عرضه العالمى الأول ضمن مسابقة «آفاق جديدة» فى الدورة الخامسة لمهرجان أبو ظبى وهو التجربة الروائية الطويلة الثانية لمخرجه بعد«زى النهارده».
أحداث الفيلم مستوحاة من قصة حقيقية، ما يجعلها تمس وترا ميلودراميا يورط المتلقى فى التعاطف مع الشخصية الرئيسية منذ المشاهد الأولى.
أسماء امرأة من طبقة شعبية جاءت من الريف تحمل ابنتها الصغيرة وتعول أباها السكير وتعمل فى نظافة مطار القاهرة لكنها تعانى من حملها فيروس الإيدز مما يجعل كل الأطباء يرفضون إجراء عملية المرارة لها خوفا من العدوى!، اختيار المرارة تحديدا يعد اختيارا دراميا جيدا لأنها عملية بسيطة لا تحتاج إلى تكاليف أو تجهيزات باهظة إضافة إلى ما للمرارة فى الضمير الجمعى المصرى من دلالة على نفاد الصبر وقوة الاحتمال (فقع المرارة).
اختار عمرو شكلا سرديا هو عملية تكسير الزمن من خلال الحكى عبر خطين متوازيين الأول يمثل رحلة أسماء فى البحث عن حل لمشكلة عملية المرارة ومعاناتها مع اكتشاف مرضها فى العمل والثانى الخط الخاص بشبابها وزواجها وإصابتها بالمرض.
بصريا قام عمرو بتحويل الكاميرا إلى عين متلصصة تتابع الشخصيات وحركاتها وانفعالاتها خصوصا فى الخط الخاص بحركة أسماء نحو العلاج واستسلامها لفكرة الظهور فى برنامج «صفيح ساخن» مع الإعلامى «محسن السيسى-ماجد الكدوانى»، وأسلوب التلصص بالكاميرا منح الفيلم طابعا تسجيليا خصوصا أن الفكرة نابعة من قصة حقيقية.
مشكلة السيناريو أنه خلال الفصلين الثانى والثالث يحول أذهاننا نحو السر الذى تحمله أسماء وترفض أن تبوح به وهو كيف حملت المرض، ولكن عمرو لم يكن بالخبث الفنى المطلوب كى يثير التساؤل حول كونها حملته نتيجة خطأ طبى أم أنها أخطأت، إننا منذ البداية ونتيجة أسلوب هند فى الأداء وطبيعة الطيبة والخنوع اللتين تتسم بهما الشخصية لا نشك للحظة أنها أخطأت، ولكنها تقع فى مكان المظلوم أو المعتدى عليه خصوصا عندما تلمح الحبكة إلى الحقن بالمخدرات التى يتعاطاها شقيق زوجها، مما يسحبنا للحظة تجاه الشك فى أنه ربما اعتدى عليها فأصابها.
هذه التلميحات لم تكن من القوة التى تجعلنا نشك فى أسماء وإنما عمقت شعورنا بأنها مظلومة، وهو ما خلق خطا أحاديا من الصراع من أسماء ضد المجتمع فى سبيل الوصول لحل لمشكلتها وتدريجيا عندما يدخل زوجها للسجن فى قضية قتل خطأ بسببها تبدأ التوقعات فى الاستجابة لصحة المنطق العام، إذن لقد أصيب زوجها بالمرض فى السجن نتيجة اغتصابه وهى حملت منه المرض وعندما يتصارع الأخوان على بيع الأرض نتيجة انعدام الوريث نتوقع أن تحاول أسماء بحكم ميلودراميتها أن تلد الوريث لزوجها و بالتالى تصاب بالمرض.
المشكلة أن السيناريو حاول أن ينحو بنا فى النهاية إلى بلورة فكرة الفيلم حول مرض الخوف من الناس ذلك الخوف الأعمى الذى يحكم على الجميع بالعداء، لكننا نكتشف أن السر الذى تحمله أسماء ليس هو السر الذى تخاف من إعلانه وتحمله فى طياتها طوال سنوات بل ربما لو ركز السيناريو على أن إخفاء سرها عن ابنتها هو الأهم لكان الوضع الانفعالى اختلف، كذلك جاءت فكرة أن نتوقف عن الحكم على الآخرين ونتقبلهم حتى لو أخطأوا والتى روج لها السيناريو فى الفصل الأخير خطابية جدا دون صدمة حقيقية. استخدم عمرو أسلوب السرد اللونى فى التفريق ما بين مشاهد الحاضر والماضى حيث بدأ الماضى أكثر زهوا وسيطرت عليه صفرة فاقعة، بينما الحاضر جاء بزرقة المرض والموت المتربص، وهو استخدام كلاسيكى أيضا.
قدمت هند واحدا من أنضج أدوارها لكنها عانت من مبالغة شكلية فى تجسيد مرحلة الأربعين، وهى مبالغة يحاسب عليها المخرج لا الممثلة، وبدا هانى عادل أكثر تطورا خصوصا فى دور الفلاح الذى يقدمه لأول مرة، وكان اختيار محمد يونس موفقا جدا فى دور أخى زوج أسماء، أما ماجد فى دور محسن السيسى فقد استغرقته محاكاة نماذج مثل عمرو أديب ومحمود سعد، وربما لو خلق لنفسه أسلوبا خاصا- وهو صاحب تجربة فى تقديم البرامج- لقدم أفضل من هذا، وهى أيضا نقطة يحاسب عليها المخرج- المؤلف لأنه من الواضح قصدية الإحالة لنماذج إعلامية معينة بغرض تقديم صورة نقدية جاءت سطحية لحد كبير.