إذا كنت محظياً فى مصر، فبالقطع ستجد لك قبلتين إحداهما فى مارينا والأخرى على ساحل البحر الأحمر شمالا وجنوبا، وفيهما ستمنحك أيادٍ طويلة قصوراً أو شاليهات، ولزاما عليك لتكمل المشهد أن تقتنى يختا لزوم الرفاهية والتنافس مع رجال السلطة وأغنياء المجتمع، وهناك على شواطئ البحر الأحمر ترسو مئات الملايين من الجنيهات قيمة يخوت الكبار التى أصبح بعضها متحفظا عليه مثل أموالهم أو ينتظر دوره مع الالتزام بقاعدة الاستثناء لكل من تملك يختا من مال حر دون فساد أو تربح أو إضرار بالمال العام وغيرها من التهم التى حفظناها عن ظهر قلب خلال الأيام الماضية.
إنها رحلة على شاطئ البحر الأحمر من شرم الشيخ إلى الغردقة جنوبا لنحكى قصة أخرى من مسلسل استمر 30 عاما عن مبارك ورجاله، رأينا فيه كل ألوان الدراما السوداء من التناقضات والطبقية والفساد، سطور نروى فيها قصة يخوت راسية تحمل ملامح عهد وتاريخ عصر، أسعارها بملايين الجنيهات وأطقمها أجنبية وأجورهم بآلاف الدولارات.. فإلى تفاصيل الحكاية.
فى شرم الشيخ..العاملون يؤكدون: «ديسكفرى» يخت مبارك.. والحماية: بوابة قصر وسور حديدى ومظلة خرسانية
«ممنوع الاقتراب أو التصوير»، نداء قد يتحول لصراخ إذا لم تبتعد جميع الكاميرات عن «مارينا» اليخوت بميناء «ترافكو» بـ«شرم الشيخ»، فرغم توافد آلاف السياح على الميناء لبداية رحلتهم البحرية فى البحر الأحمر من هناك، فإنهم ممنوعون من استخدام كاميراتهم طوال فترة بقائهم على الشاطئ، والسبب هو وجود يخت الرئيس السابق محمد حسنى مبارك على بعد أمتار قليلة منهم.
لا تبدأ قصة اليخت من مرساه الذى يشغل مساحة كبيرة تعادل المساحة التى يتلاصق فيها 220 يختاً سياحياً بجوار بعضها، لكنها تبدأ من نقطة قد تبدو أبعد من ذلك، من «البر» كما يروى عمال بميناء «ترافكو»، فالبوابة الضخمة للميناء والتى صنعت من الحديد وزجاج «الفيميه» والحديد، تبدو للمارة مثل بوابة قصر كبير تخفى ما وراءها تماما، تزيدها أماكن الحراسة على جانبيها غموضاً فوق غموضها، تلك الحراسة التى لم تعد موجودة الآن، أما السور المحيط بها فيعلو بصورة لافتة، وينتهى بأسياخ حديدية تحمل رسالة للعابرين مؤداها «لا تحاولوا».
ينظر المارة الآن للمشهد ويضربون كفاً بكف من خلو المنطقة من الحراسة، وهم الذين طالما أزعجوا من حولهم، فلم يكن مسموحاً من قبل لأحد بأن يقف أمام أو بجوار أو بالقرب من «بوابة المرسى»، وإذا حدث ونجح أحدهم فى الاقتراب، فلن ينجو من سيل الأسئلة التى كانت تنهال على رأسه عن سبب وجوده بالمكان، ثم ينتهى المشهد بالتنبيه عليه بعدم الاقتراب مرة أخرى مع تحذيره من العواقب، وهو ما جعل المكان بمثابة منطقة محرمة.
يبدو «ديسكفرى» للوهلة الأولى غير جذاب من حيث الحداثة أو الفخامة، لونه الأبيض تراكمت عليه الأتربة بشكل ملحوظ، وزجاجه الأسود يخفى معالمه الداخلية، الأمر الذى برره البعض بقدم نوعه، فعمره منذ تواجده بالميناء يتعدى العشر سنوات، ولم يستطع أى من المحيطين به أن يحدد سعره الحقيقى، ففى الوقت الذى قيمه فيه البعض بمليون دولار وقت شرائه- منذ 10 سنوات- أكد آخرون أن به أجهزة رقابة «رادار وشبكة لاسلكى» ومانعاً للرصاص وأدوات صيد بالغة الحداثة جعلت سعره يتجاوز العشرين مليون جنيه حالياً، أما المظلة التى تحيط به والمبنية من الخرسانة المسلحة والحديد الصلب، فتشغل مساحة كبيرة من البحر بتكلفة باهظة الثمن. صاحب إحدى شركات السياحة بشرم الشيخ حاول تقييمها بقوله «حاولت أن أقيم مظلة أصغر منها من حيث المساحة، ودون استخدام الحديد الصلب، فكلفنى ذلك ما يقرب من ربع مليون جنيه، أما مظلة الرئيس فقد تتعدى تكلفتها سبعمائة وخمسين ألف جنيه».
بنظرة حسرة وأسى ينظر المحيطون بالميناء لليخت على أنه كتلة أموال لم تتحرك من مكانها سوى مرتين فقط، فمنذ شرائه أو فى رواية أخرى منذ إهداء إحدى الشخصيات هذا اليخت للرئيس، لم يتحرك من مكانه سوى مرتين فقط عندما قرر «مبارك» أن يذهب لممارسة هواية الصيد بصحبة صديقه حسين سالم أو كما يطلق عليه العاملون بشرم الشيخ «حوت البحر الأحمر»، الأمر الذى يراه البعض «نعمة»، خاصة عندما يتذكرون ما حدث لهم فى هاتين المرتين من إغلاق للميناء والشوارع وعدم السماح لهم بالدخول أو الخروج من أماكنهم حتى ينتهى الرئيس من رحلته ويعود إلى منتجعه مرة أخرى.
بعد تنحى الرئيس السابق، صوب العاملون بالميناء أنظارهم نحو اليخت، ووضعوه نصب أعينهم، خوفا من استخدام مبارك له فى الهروب بعد سفره إلى شرم الشيخ. يقول «م-ح» أحد العاملين بالميناء: «انتظرنا لأيام كثيرة أمام الميناء ليس فقط للسهر على حراسة اليخوت من البلطجية خوفا من تواجدهم، لكن أيضا لنرى هل سيتحرك يخت مبارك من مكانه أم لا، إلا أن مجندى الجيش بالمنطقة أكدوا لنا أنهم يراقبون اليخت بشكل جيد برا وبحرا، خاصة بعد انسحاب طاقم الحراسة منه تماما»، وبقى السؤال فى أذهان الجميع: «هل سيبحر (ديسكفرى) للمرة الثالثة بغرض الصيد.. أم الهرب؟».
يخت «حسين سالم»: اشتراه بمليون جنيه إسترلينى.. وقبطانه إيطالى.. وخصّص يختاً آخر لطاقم حراسته
«شارع.. ففندق.. فشاطئ.. ثم يخت» جميعها على خط واحد تحمل اسم شخص واحد، وسط لافتات الشوارع التى تحمل أسماء بعض الملوك العرب، فمن لافتة زرقاء كبيرة تتوسط أكبر شوارع خليج نعمة، هى الطريق لفندق نفس الشخص، ومنه إلى شاطئه وأخيرا فندقه، وهنا يطلق العاملون بشرم الشيخ كلماتهم قائلين «أهلاً بكم فى مستعمرة حسين سالم».
شارع «حسين سالم» هو الطريق الوحيد للوصول إلى يخته برا، وبمجرد الوصول إلى الشاطئ الخاص بفندقه يظهر فى مرساه بالقرب من مرسى لليخوت الخاصة بالأفواج السياحية، تمر بجانبه اليخوت يوميا يهتز فقط بفعل الأمواج يردد المارون بحرا كلمات وهمهمات يرد عليها العاملون فى اليخوت قائلين «بنشتغل هنا من 10 سنين أمنية حياتنا ندخل يخت حسين سالم ونشوفه من جوه».
حكايات كثيرة رواها المحيطون بمرسى اليخت، ولكنهم يتفقون فقط فى ثمنه الذى أعلنه «سالم» بمجرد وصول اليخت إلى مرساه بـ«شرم الشيخ»، خاصة أنه قدر بمليون جنيه إسترلينى منذ سنوات - ويبلغ سعره حالياً حوالى 20 مليون جنيه- أثار دهشة العديد من المواطنين فقال عنه «هـ. ن» صاحب أحد مكاتب الغوص: «صدمنا بثمن اليخت الذى تضاعفت قيمته اليوم، نظرا لاختلاف القيمة الشرائية للجنيه المصرى، ووقتها لم يكن هناك يخت على ساحل شرم الشيخ بهذا الثمن أو حتى بنصفه، ولكن سرعان ما بردت ثورتنا على الثمن الذى أُعلن عنه بمجرد سماعنا عما يحتويه من الداخل من فخامة وأدوات وديكورات باهظة الثمن».
بمجرد وصول اليخت صغير الحجم وباهظ الثمن أثار فضول من حوله لمشاهدته عن قرب، وعندما فشلوا فى ذلك استقوا معلوماتهم من العاملين على تنظيفه بفندق «سالم»، فكان وصفه على حد قول «س. أ» أحد العاملين هناك «سمعنا من العمال أنه يضم غرف نوم وحماماً على أعلى مستوى وتكييفات وصالوناً فخماً للجلوس عليه أثناء الرحلة، ويحيطه الزجاج ليرى الجالس فيه البحر أمامه وخلفه طوال الوقت، بالإضافة إلى أنه مصنوع من الفايبر وليس الخشب، حيث إن الأول هو الأغلى فى ثمنه وتصليحه صعب لحساسيته الشديدة».
يتذكر «عم صالح» سائق أحد اليخوت السياحية المرتين الوحيدتين اللتين استخدم فيهما «سالم» يخته وتحرك لعمق البحر فيقول «استعان حسين سالم بقبطان إيطالى الجنسية للإبحار بيخته، وقتها عرفنا أنه خصص يختاً آخر للحراسة يحمل نفس ألوان الكبير منه، ولكن بإمكانيات أقل وحجم أصغر، فوجدنا طاقم الحراسة الخاص بـ«سالم» يستقله فى المرتين فقط لزوم الحماية، وطوال السنوات الماضية لم نشاهد سالم يستخدم اليخت فى الصيد أو غيره أو يتحرك به من الأساس باستثناء المرتين».
ويكمل «صالح»: «يحضر القبطان الإيطالى كل فترة ليتحرك بشكل سريع داخل البحر باليخت خوفاً عليه من الأعطال بسبب عدم الاستخدام، أى أن (سالم) من وجهة نظرنا رمى مليون جنيه إسترلينى فى المياه دون أدنى فائدة له أو لغيره، ولكنه فقط تأكيدا لفكرة الثراء الفاحش».
تمر الأيام ويتم فرض حراسة على «يخت الأحلام» كما يطلق عليه البعض، ليتراكم على سطحه طبقة من الأتربة لعدم القدرة على الاعتناء به قدر الاهتمام بتنظيف لافتة «سالم» على شارع المرسى.
هنا يخوت الكبار.. «مارينا الغردقة»
تبدو مارينا الغردقة حالياً مثل بئر أسرار عميقة، لا يملك أحد سبر أعماقها، ومن يحاول مجرد محاولة قد ينتهى به المصير غريقاً فى قاع البئر، أو هكذا يوحى لك العاملون هناك، ما إن تشرع فى سؤال بعضهم حتى يشعروك بأنهم يدلون إليك بأسرار خطيرة، إذا أدلوا، أما البعض الآخر وهم الأكثر فقد يضللونك، أحدهم سألناه عن عدد اليخوت المملوكة للمسؤولين البارزين فى النظام السابق.. تصبب عرقاً وقال وهو يتلفت يميناً ويساراً «بلاش الكلام اللى هيودى فى داهية»، ثم انصرف مسرعاً وهو يتمتم «دى ناس إيديها طايلة ومحدش هيعرف يعملهم حاجة».
اليخوت فى هذا المكان الساحلى أمر طبيعى، يملكها رجال أعمال ومشاهير، أفراد الأمن رفضوا السماح لنا بالتصوير، مؤكدين أنهم تلقوا تعليمات مشددة من رؤسائهم بهذا الصدد، إلا أن «المصرى اليوم» تمكنت من التقاط مجموعة صور لتلك اليخوت، لتنقل لقرائها المشهد كاملاً.
«أحمدك» و«سمورة» و«ريم سكاى» تعد من أكبر اليخوت الموجودة فى مارينا الجونة، يملك الأول أمين التنظيم السابق المهندس أحمد عز، أما الثانى فيخص وزيراً سابقاً، والأخير يمتلكه أحد رجال الأعمال، اليخوت الثلاثة وجميعها تقف فى 3 مراس متجاورة، إلا أنها كحال بقية أموال أصحابها، تقبع فى قائمة الأموال المتحفظ عليها.
أحمدك أو «AHMED AK» كما هو مكتوب على اليخت الخاص بالمهندس أحمد عز يوجد فى منطقة مارينا 1، وهو يخت أبيض اللون كبير المساحة، يعمل عليه 4 أفراد، القبطان يدعى «أكن» ومعه اثنان من الطاقم، وهؤلاء يحملون الجنسية التركية، وآخر مصرى يدعى «محمد»، يتقاضى الكابتن راتباً شهرياً لا يقل عن 7 آلاف يورو، حسب تأكيدات بعض العاملين على يخوت فى نفس المنطقة، وسعر اليخت وفقاً لكلام أحد مثمنى اليخوت هناك لا يقل بأى حال عن 50 مليون جنيه، أما قصة محاولة هروب اليخت التى أكدها أكثر من شخص من الذين يعملون فى تلك المنطقة، فأكدت أنه بعد القبض على أمين التنظيم السابق بعدة أيام، حاول طاقم اليخت الأتراك الهروب تاركين وراءهم الشاب المصرى، وخرج ثلاثتهم فى رحلة تسمى «سيت تراير»، والمعروف عنها أنها لا تستغرق أكثر من ساعة يتأكد الطاقم فيها من سلامة اليخت ومعداته، ثم يعودون إلى الميناء مرة أخرى، لكن ما حدث أن الطاقم اختفى باليخت لمدة يوم كامل، ثم عاد جميعهم فى حالة فزع مقبوضاً عليهم، وكان المشهد، وفق شهود العيان، يؤكد أن اليخت تم تفتيشه بالكامل أثناء إبحاره، ومنع الطاقم بعدها من الاقتراب منه، ومازال جميعهم يسكنون غرفاً فى الفنادق الفاخرة الموجودة هناك.
وبرغم أن المهندس أحمد عز لم يكن كثير التردد على هذا اليخت، فإن بعض العاملين هناك أكدوا أن زوجته الأولى اعتادت الخروج فى رحلة صيد شهرية، وأنه يتردد على المكان مرة أو مرتين فى السنة.
وعلى رصيف آخر من الميناء يوجد «سمورة» وهو يخت أبيض اللون أيضاً، يملكه وزير سابق، ورغم أن البعض هناك أكدوا أنه لم يكن يتردد على اليخت كثيراً كحال أمين التنظيم السابق، فإن المثمن قدر سعره بـ 60 مليون جنيه تقريبا.
أما اليخت الخاص بأحد رجال الأعمال، فيعتبر أحد أفخم اليخوت فى منطقة مارينا الجونة، وهو أيضا أبيض اللون ويصل سعره وفق المثمن إلى حوالى 80 مليون جنيه، وأكد عاملون هناك أن رجل الأعمال وأصدقاءه وأقرباءه كثيراً ما كانوا يترددون على اليخت.
ورغم أن معظم أصحاب تلك اليخوت لا يستخدمونها إلا نادراً، فإن تكلفة وقوفها فى الميناء عالية، فتكلفة وقوف تلك اليخوت فى الميناء تصل إلى 2000 دولار شهرياً، كما يتقاضى أفراد الطاقم 3 آلاف دولار شهرياً تقريبا، إضافة إلى مصاريف الصيانة الأخرى، وبحسبة بسيطة أكد مثمن اليخوت الذى يعمل بالمهنة منذ 16 عاماً فى تلك المنطقة، أن المصاريف السنوية لتلك اليخوت تصل إلى 500 ألف جنيه سنوياً.