«لن نتوقف عن عفرين. ناقشنا ذلك مع أصدقائنا الروس، ولدينا اتفاق، تحدثنا مع شركاء آخرين في التحالف، وتحدثنا مع الأمريكيين، لكننا لم نستطع إقناعهم».. كانت تلك التصريحات التي أطلقها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، معلنا أن العملية العسكرية ضد قوات كردية في منطقة «عفرين» سيدعمها مقاتلون من المعارضة السورية.
وعلى ما يبدو أن الموقف التركي موافق تماماً للموقف الروسي هذه المرة فوفقاً لتصريحات سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي والتي قال خلالها: « فيما يتعلق بالدور الكردي في العملية السياسية، فإن هذ الدور يجب يكون موجودا، لكن يجب أن يكون ضمن منصة مشتركة تشمل كل العرقيات والمذاهب والقوى السياسية في سوريا، والتي يتعين عليها أن تحترم سيادة وتكامل سوريا» تؤيد ذلك التدخل مقابل التوافق حول سوريا خاصة بعد سيطرة الجيش السوري على الكثير من الأراضي بدعم روسي.
التصعيد العسكري التركي في المنطقة ليس وليد اللحظة، فلطالما أكدت أنقرة على الحاجة إلى طرد وحدات الحماية الكردية من «عفرين» التي تقع تحت سيطرة وحدات الحماية الكردية الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، الذي تعتبره أنقرة إرهابيا، نظرا لارتباطه بحزب العمال الكردستاني.
على الجانب الآخر، لا يزال الأكراد يتمسكون بالأمل الأخير في الحصول على الاستقلال والاعتراف الدولي رغم الرفض التركي والعراقي وحتى السوري متأملين بما يمكن أن يحصلوا عليه من دعم أمريكي لهم أثناء حربهم ضد داعش كما ظن القيادات الكردية أن ما فعلوه ضد التنظيم الإرهابي من مقاومة سقط بسبب الآلاف سيشفع لهم لإقامة حلمهم في الدولة التركية.
المحاولات الكردية لم تواجه انتكاسة فقط بسبب إعلان تركيا الحرب عليها لكنها واجهت أيضاً رفض في العراق وسوريا وحتى روسيا رفضت ذلك، أما الولايات المتحدة الأمريكية التي يعول الأكراد عليها اكتفت ببيان يطالب تركيا بضبط النفس.
حلم قديم.. «دولة كردستان»
بالنظر إلى الوراء فإن الصراع التركي الكردي لم يكن وليداً لليوم لكننا على ما يبدو أمام حرب ستشهدها المنطقة هذه المرة بين تركيا والقوات الكردية التي باتت أكثر تدريبا ودراية بعد مشاركتها في الحرب على داعش ونجاحها إلى حد بعيد في القضاء على خطورة التنظيم الإرهابي.
أما الصراع التركي الكردي فيعود إلى مطلع القرن العشرين عندما بدأت النخب التركية الحديث عن الدولة المستقلة «كردستان» بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأول، ووضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورا لدولة كردية في معاهد سيفر عام 1902، لكن المعاهد تحطمت بعد سنوات ثلاث فقط إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضحت الحدود الحالية لتركيا بشكل لا يسمح بأي وجود لدولة كردية.
على مدار القرن الماضي كان الحلم الكردي مؤجلاً بل يواجه أحياناً بالقوة فلم يسمح لأي محاولة كردية لتأسيس دولة مستقلة أو حكم ذاتي ونتيجة لحركات التمرد الكردي في العشرينيات والثلاثينيات اتخذت تركيا موقفاً متشدداً كحظر اللغة الكردية والهوية العرقية الكردية.
ولم تتوقف المحاولات التركية فأسس عبد الله أوجلان حزب العمال الكردستاني 1978 ونادى بتأسيس دولة مستقلة في تركيا ثم بدأ الحزب الصراع المسلح بعد 6 سنوات من تأسيسه ومنذ ذلك الحين قتل أكثر من 40 ألف شخص .
يتراوح عدد الأكراد ما بين الـ30 و40 مليونا يسكنون المنطقة الجبلية الممتدة على حدود تركيا، العراق، سوريا، إيران، ويعدون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط .
الحرب على داعش تحيي آمال الدولة التركية
في السنوات الأخيرة وخاصة بعد سقوط نظام صدام حسين ثم ثورات الربيع العربي تزايد الدور الكردي في التطورات الإقليمية، فلعبوا دوراً هاماً في العراق وسورياً كما لعبوا دور سياسي دولي بفضل علاقاتهم القوية بالولايات المتحدة الأمريكية والتنسيق مع روسيا.
إلا أن أكثر ما ساهم في إحياء الحلم الكردي الحرب على «داعش» حيث أن قوات د قوات البيشمركة الكردية، ووحدات حماية سهل نينوى وقوات مسيحية وآشورية أخرى ساهموا جميعاً في تحرير العديد من المناطق من قبضة التنظيم الإرهابي وربما ذلك ما دفعهم للتفكير في خطوات الاستقلال وإقامة الدولة التركية وهو ما حدث بالفعل بمجرد السيطرة على تلك المناطق.
في سبتمبر من العام الماضي شارك الأكراد في الاستفتاء على الانفصال وأيد أكثر من 92 في المئة من الأكراد المشاركين في الاستفتاء في إقليم كردستان العراق الانفصال عنه، بحسب النتائج الرسمية الأولية التي اعلنتها اللجنة العليا للاستفتاء في الإقليم فيما بلغت نسبة المشاركين 3 ملايين ونصف بإقبال بلغ 72.61 في المائة.
خلق هذا الاستفتاء حالة من الغضب الدولي فطلب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، إلغاء نتائج الاستفتاء فيما وطالب القيادة الكردية على الدخول في حوار قائلا: «يجب أن يُلغى هذا الاستفتاء ونبدأ في حوار في إطار الدستور. لن ندخل في أي حوار بناء على نتائج مثل هذا الاستفتاء».
أما الرئيس التركي فوصف الاستفتاء بالخيانة ويدفع المنطقة لمخاطر الحرب مهدداً باتخاذ إجراءات عقابية إن استمر أمام مجلس الأمن.
كل الطرق تؤدي للحرب
إذن كل الطرق كانت مهيأة لمواجهة المحاولات الكردية الساعية لتقسيم المنطقة واستقطاع أجزاء من سوريا والعراق وتركيا لإقامة دولتها التي حلمت بها طوال قرن وعقدين من الزمان.
منذ يوليو الماضي والانتشار العسكري التركي قرب مناطق يسيطر عليها الأكراد في شمال غرب سوريا يصل إلى مستوى إعلان حرب في مؤشر أكيد على أنه سواء أجري استفتاء أم لا فإن تركيا لن تسمح بتمرير ما تريده الميليشيات التركية وهناك احتمالات لمواجهة كبرى.
بعد خطوات التصعيد العسكري بدأت تركيا رحلاتها إلى روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وأجرت تنسيقا دوليا كبيرا كما بدأ تنسيق بين تركيا والنظام السوري والعراقي بما يتلاءم مع مصالح الجميع.
«عفرين» أرض الحرب
تعتبر عفرين إحدى أهم المناطق وهي أرض الحرب حالياً وتمثل 2% من مساحة سوريا كما تقع أقصى الزاوية الشمالية الغربية من سوريا قرب الحدود التركية، وتتبع إداريًا لمحافظة حلب، تبلغ مساحتها نحو 3850 كيلومترًا مربعًا، تضم منطقة عفرين سلاسل جبلية أعلاها الجبل الكبير (كري مازن)، ويمر منها نهر عفرين الذي يعتبر مصدرًا مهمًا للمياه في المنطقة.
وفق الإحصائيات الرسمية فإن عدد سكان عفرين بلغ قبل الثورة السورية نحو 500 ألف نسمة، لكن هذا العدد تضاعف بعد عام 2011، وما يقرب من نصف مليون نازح من حلب وريفها استقروا في عفرين على اعتبار أنها منطقة ظلت آمنة نسبيًا خلال الثورة.
نتيجة لطبيعتها الجبلية وغطائها النباتي الكثيف ووفرة المياه فيها، شكلت عفرين مكانًا سياحيًا مهمًا بالنسبة لسكان الشمال السوري، وبالتحديد سكان محافظتي حلب وإدلب.
يشكل الكرد غالبية سكان منطقة عفرين، مع الإشارة إلى وجود بعض القرى ذات الغالبية العربية في المنطقة، ولا توجد إحصائيات دقيقة عن نسبة العرب إلى الكرد، وهي القضية التي كانت تثير جدلًا وسط تضارب أرقام حكومة النظام السوري مع ما يقوله أبناء المنطقة لكن مع نزوح نصف مليون نسمة من حلب والمناطق المجاورة فإن ذلك يجعل نسبة العرب في عفرين حاليًا أكبر من الكرد.
«غصن الزيتون».. طبول الحرب
أطلقت تركيا اسم «غصن الزيتون» على عملية تتضمن شن ضربات جوية ومدفعية، والآن قوات برية تركية تدخل منطقة عفرين شمال سوريا ذات الأغلبية الكردية. الهدف هم المقاتلون السوريون الأكراد مع وحدات حماية الشعب، وهي قوة عسكرية تشكل الجزء الأكبر من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة والتي كانت حليفاً رئيسياً لأمريكا في الحرب ضد داعش في سوريا.
وتعتبر تركيا قوات وحدات حماية الشعب جماعة إرهابية لصلتها القوية بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يسيطر على المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا، ونشرت تركيا المئات من الجنود وعشرات المدرعات والدبابات في محافظة إدلب التي تسيطر عليها جماعة هيئة تحرير الشام ( النصرة سابقا)، كما أقامت هناك ثلاث قواعد عسكرية تشرف على منطقة عفرين المجاورة.
كما حشدت تركيا قوات كبيرة على الحدود مع منطقة عفرين وقصفت عدة قرى فيها انطلاقا من قواعدها داخل الأراضي التركية ومن منطقة إعزاز المجاورة ومن محافظة أدلب.
لم يكن الرئيس التركي أردوغان يقف أمام محاولات الأكراد بناء دولة مستقلة على حدوده لذلك فإن السبب الرئيسي يكمن في ذلك، أما الأسباب المعلنة هي أن بلاده تهدف إلى إعادة ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري إلى بلادهم، دون توضيح السبل أو الآلية في حين تحدث رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم عن أن بلاده تسعى إلى إنشاء منطقة آمنة تمتدّ نحو 30 كيلومتراً على الحدود التركية السورية، نحو الداخل السوري.
وذكرت محطة خبر ترك، نقلا عن يلدرم، قوله إن أنقرة التي تدعم مقاتلي الجيش السوري الحر في شمال سوريا، تستهدف إقامة "منطقة آمنة" عمقها 30 كيلومترا في إطار عمليتها في عفرين.
فيما نزح نحو 5 آلاف من منطقة عفرين هربا من المعارك بين القوات التي تقودها تركيا والفصائل الكردية المسلحة التي تسيطر على المنطقة، حسب الأمم المتحدة.
وتقول الأمم المتحدة إنها مستعدة لتوفير مساعدات إنسانية لنحو 50 ألف شخص في عفرين إذا تطلب الأمر ذلك.
الحرب التركية الكردية إلى أين؟
الباحث في الشؤون التركية إسماعيل شكشك والمقيم في إسطنبول، يقول إن عملية غصن الزيتون كانت الحل أمام تركيا التي تيقنت من استمرار الدعم الأمريكي للميليشيات التركية بما يهدد مصالحها خاصة أنه وصل لمناطق السيطرة التركية في شرق وغرب نهر الفرات والبحر المتوسط.
يضيف شكشك لـ«المصري اليوم» أن هذا الدعم والتقدم يعني إقامة دولة كردية أو كيان إرهابي وفقاً لما تصنفه تركيا التي حاولت دبلوماسياً التأكيد على أن تلك المجموعات تتلقى دعم من حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً لكن ردة الفعل لم تكن على المستوى ورغم تغاضي تركيا كثيراً إلا أن كل الجهود الدبلوماسية فشلت.
وتابع عملية غصن الزيتون الحل الأخير أمام تركيا لتحقيق مكاسب حقيقية فقد دخلت العملية يومها الخامس تقدم فيها الجيش التركي على 9 محاور وهناك تقدم بري بالتأكيد لا يزال محدود وهناك رد عنيف من القوات الكردية وكذلك المدفعية والقوات التركية لكن المؤكد أن تركيا تريدها عملية بسيطة تحقق من خلالها مكاسب حقيقية دون أزمات أو خسائر.
عباس محمد صالح الباحث والمحلل السوداني بإسطنبول يقول لـ«المصري اليوم» إن تركيا تتحرك من الواقع الميداني الواقع في سوريا حالياً والتسوية السياسية في عملية سوتشي، فالواقع الميداني يميل إلى النظام السوري والأكراد الذين يحلمون بإقامة دولة تخصهم.
بالنسبة لتركيا تعتبر أن الترتيبات الأمنية ما بعت سوتشي تحمل تهديدات للأمن القومي التركي وهي أيضاً تناهض أي شكل للحكم الذاتي والانفصال الذي يسعى له الأكراد أو السماح بأي نوع من الحكم الذاتي كذلك الأكراد حصلوا على تسليح نوعي وكبير من الغرب بحكم التحالف للحرب على داعش.
ويخشى الأتراك أن المرحلة التي تلي التسوية السياسية في سوريا يمنح الأكراد على الحكم الذاتي المدعوم حالياً بالدعم العسكري الكبير وهذا الواقع يحيي نشاط حزب العمال الكردستاني لذلك تحاول تركيا استباق مؤتمر «سوتشي».
وأضاف غالبا تركيا ستنجح بدعم الجيش الحر والفصائل المقاتلة مع الجيش التركي في طرد الميليشيات الكردية والسيطرة على عفرين لكن قد تكون بداية لسلسلة عمليات استنزاف للجيش التركي والمسلحين السوريين كما أن الناتو وروسيا والاتحاد الأوروبي وأمريكا لديهم موقف متناقض دعموا تركيا لكن على أرض الواقع هذا ليس موجودا.