أكد الخبير الاقتصادى السعودى عبدالعزيز تركى أن مصر لديها ثروات طبيعية وبشرية ولا تحتاج إلى معونات أو قروض من أى طرف خارجى بشرط أن يتوافر فيها حكم رشيد وعادل.
وتحدث «تركى» لـ«المصرى اليوم» من واقع خبراته واهتماماته الاقتصادية والاجتماعية كرئيس للعديد من منظمات المجتمع المدنى الهادفة حول رؤيته لأوضاع الاقتصاد فى مصر ودول المنطقة بعد ثورات الربيع العربى وتناول دور رجال الأعمال فى الجهود الخيرية والتطوعية.
وتناول الحوار مبادرة «تركى» لمكافحة الأمراض المزمنة والتوعية بمخاطرها وضرورة الكشف المبكر عن مرض السرطان ودور رجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدنى والمستثمرين فى هذا الصدد.. وإلى نص الحوار
■ بداية ما حقيقة مبادرتك الخاصة بمكافحة الأمراض المزمنة؟
- هذه القضية المهم فيها الإنفاق على التوعية بمخاطر المرض، والكشف المبكر عبر الفحوصات الطبية، التى شهدت طفرة كبيرة مؤخرا، فالكشف المبكر عن السرطان، خاصة فى المستوى الأول أو الثانى للإصابة، يزيد من فرص الشفاء، وثبت فى حالة التشخيص المبكر ورصد الإصابة خلال المستوى الأول والثانى للمرض أن فرصة الشفاء تتجاوز نسبة 88% وتتضاءل النسبة فى المستوى الثالث والرابع لأقل من 18%. وفى الواقع هناك مشكلة خطيرة تعانى منها الدول العربية نتيجة نقص المعلومات عن المشكلة وحجمها، ووفقا للدراسات العلمية الموثقة نجد أن نسبة الكشف المبكر عن المرض لدينا تصل إلى 50% من عدد المصابين، وهذا يعطى لنا مؤشرا مهما وإلزاميا للتحرك فيه كمنظمات مجتمع مدنى ورجال أعمال ومستثمرين وشركات حريصة على أداء دورها ومسؤوليتها الاجتماعية فى سبل توعية المجتمع لأنها تمثل نقطة فارقة فى العلاج المبكر للسرطان سواء بالنسبة للسيدات أو للرجال.
■ ما نسبة مشاركة رجال الأعمال السعوديين فى العمل الخيرى التطوعى؟
- فى فترات سابقة كانت نسبة الاستجابة ضعيفة جدا، لكن الآية انقلبت الآن، حيث أصبحت المشاركة فى العمل الخيرى التطوعى هى الأساس وظهرت تنظيمات مدنية شبابية يشارك فيها المتقاعدون «المحالون للمعاش» الذين كونوا جمعيات أهلية انخرطت بقوة فى العمل العام وأصبح لها دور مؤثر فى الشارع السعودى، الأمر الذى دفع الحكومة السعودية إلى الاهتمام بها ورعاية أنشطتها، وهنا أعود لرجال الأعمال لأقول لهم، يمكنكم أن تلعبوا دورا مؤثرا وإيجابيا، خاصة إذا كان منهم من يدير كيانا كبيرا يفصل فيه بين الملكية والإدارة لأنه فى مثل هذه الحالة سيكون لديه الوقت الكافى لممارسة العمل العام والخيرى.
■ وهل تعتقد أن الشركات الخاصة بأحجامها المختلفة تسير فى نفس الاتجاه؟
- كانت الشركات فى السابق لديها هدف أساسى وهو تحقيق الربحية، وكان هذا على حساب تجاهل المجتمع، لكن الوضع اختلف حاليا وهذه الشركات أصبحت تخضع لتقييم أدائها مسؤوليتها الاجتماعية من عدمه ومدى ارتباطها بالمجتمع الذى تعمل وتعيش فيه.
■ كيف ترى كرجل أعمال ثورات «الربيع العربى» وما الإيجابيات والسلبيات من وجهه نظرك؟
- ثورات «الربيع العربى» بمثابة عاصفة على السياسيين ورجال الأعمال، فلا أحد يعرف كيف بدأت أو متى تنتهى، والجميع الآن يراجع نفسه، ويعيد ترتيب أوراقه، ومعروف أن رجل الأعمال يسعى وراء الأمان، وكما تقولون فى مصر «رأس المال جبان»، وبعد اندلاع الثورة مطلع العام الحالى فى مصر انسحب الكثير من المستثمرين خاصة الأجانب، وهذا الانسحاب ناتج عن عدم القدرة على قراءة المستقبل فى ظل الشائعات القوية حول مشاكل الأراضى والعقود وهذا من أكثر الأشياء التى تخيف صاحب رأس المال، وبالتالى ما لم يكن هناك استقرار وأمان فسيظل رأس المال مشوشا ومحجما عن العمل فى مصر، وإن كنت أرى ذلك الإحجام مؤقتا وسيزول فور تجاوز مصر الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة ولا يمكن أن نلوم المستثمر عندما يتحدث عن هذا المشهد لأن ما حدث يفوق المتوقع خاصة فيما يتعلق بالأراضى والعقود الخاصة بمشاريع المستثمرين.
■ وكيف ترى السيناريو الذى تسير مصر فيه حاليا؟
- مصر لديها ثروات كبيرة طبيعية وبشرية، ولو كان فيها حكم رشيد وعادل لما احتاجت أى معونات أو قروض من أى طرف خارجى، فمصر لديها العقول، وأعلم أنها قبل نحو 60 عاما كانت دولة دائنة للقوى الكبرى، وكان لديها عملة قوية وأيضا أقوى بورصات العالم لكن خضعت لمن ليس لهم خبرة ودراية بشؤون الحكم وإدارة شؤون البلاد، كما خضعت طويلا لفكرة التجربة والخطأ وظهر بها «الرجل غير المناسب فى المكان المناسب» وهذا عكس دول الخليج فمن يحكم هناك له تاريخ طويل وخبرة كبيرة فى الحكم وهو أيضا يملك الشرعية بمبايعة الناس له.
■ وما تأثير «الربيع العربى» على اقتصاديات دول المنطقة؟
- من سوء الطالع أن الاقتصاد العالمى يعانى أزمات متلاحقة منذ عام 2008، وهذه الأزمات شملت دول «اليورو الأوروبى» والدولار الأمريكى، و«الأسيان» وأسفرت عن هزات لانشطة الاستثمار ثم جاءت ثورات الربيع العربى التى لها تأثير مماثل وبالتالى فإن الاقتصاد العربى سيتأثر لحين التوصل لآليات متكاملة وقوية فى «معالجة الأزمات». ولديكم فى مصر لا ينبغى التركيز فقط على الحلول المؤقتة لأن مصر تعانى مشكلتين خطيرتين تتمثلان فى البطالة المرتفعة والبيروقراطية فى الجهاز الإدارى فضلا عن الحالة الأمنية ولا يجب الاستهانة بتلك المشكلات فى إدارة شؤون الدولة.
■ وهل تعتقد أن تأثير الربيع العربى سيصل كل الدول العربية؟
- المشكلة ليست خاصة بالدول العربية وحدها فالعالم كله مهتم بما يطلق عليه «الحكم الرشيد»، والثورات العربية ناتجة عن «ظلم اجتماعى شديد» وهذا كان واضحا فى دول مثل ليبيا واليمن ومصر، ونأمل بعد تغيير بعض الأنظمة أن يعى من يحكم أنه لن يخلد على كرسيه ونتمنى أن يكون الدرس من هذه الثورات قد وصل، وعلى المجالس البرلمانية والتشريعية الجديدة أن تؤكد وتتشدد فى أن الرئاسة لا تزيد على فترتين وأن يقتنع الجميع بسلوك الاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
■ من وجهة نظرك هل تمتد تأثيرات «الربيع العربى» لتشمل دول الخليج؟
- الوضع محتلف تماما والجميع يدرك أن الجزيرة العربية طوال تاريخها لم تتوحد سوى مرتين الأولى فى عصر الرسول «صلوات الله عليه» والثانية فى عصر الملك عبدالعزيز، وأسرته، وبصفه عامة الكيانات التى ظهرت فى الجزيرة العربية بنيت على أسس متشابهة ومتقاربة.
■ لماذا فشل مشروع السوق العربية المشتركة؟
- السوق العربية المشتركة تمتلك مقومات النجاح لكن هناك بعض المشاكل التى تعرقلها، كما أن نجاح نموذج مجلس التعاون الخليجى، لا يعد مؤشرا على نجاح مشروع السوق العربية، ومجلس التعاون فشل حتى الآن فى الوصول إلى العملة الموحدة ومع ذلك نفذ خطوات كبرى للتوحد وهذا النموذج غير صالح للتكرار فى الشمال الأفريقى لاختلاف أنظمة الحكم.
■ وهل لديك رؤية لكيفية خروج الاقتصاد المصرى من كبوته الحالية؟
- مصر فى حاجة أولا إلى الاستقرار السياسى، والوصول إليه يتطلب تشكيل برلمان، وإعداد دستور جديد، وأيضا على المصريين أن يتفقوا أولا ويتوحدوا على نظام حكم إما رئاسى أو وزارى رئاسى يكون فيه دور الرئيس شرفيا، والنموذج التركى فى نظام الحكم الحالى قد يكون صالحا للمصريين لكن من سيحدد هذا أو غيره هم الناس عبر التركيبة البرلمانية التى ستفرزها الانتخابات المقبلة.
أيضا الاقتصاد المصرى ونظامه السياسى فى حاجة لإدارة مستنيرة ولا يجب أن تؤدى الحكومة الحالية أو المقبلة مهامها بنفس أساليب الحكم فى النظام السابق، وعلى من يحكم ويدير البلاد أن يخضع للمساءلة والمراقبة والمحاسبة من البرلمان المنتخب ويجب أن تكون هناك حكومة منتقاة بعناية فائقة، وليس شرطا لدخول التكنوقراط فى تشكيلة تلك الحكومة أن يكونوا حققوا فوزا فى الانتخابات بل يجب أن نأتى بهم بالتعيين لأنه فى الغالب لا يكون لدى التكنوقراط طموح سياسى ومن المؤكد أن هناك حاجة إلى وجود التكنوقراط فى الحكومة فى فترة التخطيط والتنفيذ عند الخروج من عنق الزجاجة على أن تكون هناك محاسبة.
■ القطاع الخاص العربى يعانى ردة بعودة الشركات العائلية، وتجاهل قواعد الحوكمة فى الإدارة كيف ترى هذه الإشكالية؟
- الشركات الخاصة العائلية كانت تعتمد على المؤسسين وعندما يختفى المؤسس تختفى الشركة، ولذلك فإن الأغلبية العظمى من الشركات تتحول من شركات عائلية إلى شركات مساهمة، والكثير من الشركات المساهمة والعائلية تأخذ بنظام الحوكمة وفصل الملكية عن الإدارة، ولم يعد هناك مجال لأن يكون المؤسس أو ابنه هو من يدير فالابن قد لا يفهم أو لم يكتسب الخبرة بعد، صحيح لا يمكن إنكار أن الكثير من الشركات تعثر بعد الجيل الأول أو الثانى من المؤسسين ولذلك بعد أن أدرك الناس المشاكل تحولوا إلى فصل الملكية عن الإدارة، والكثير من الشركات فى السعودية تسير فى هذا الاتجاه وتتعاون مع شركات متخصصة فى الإدارة وفى إصلاح أوضاع وإدارات الشركات، وأنا كمالك للعديد من الشركات ليس لى دور فى عمل الشركة، ولو حدث تدخل يكون مقصوراً على الاستراتيجيات وأنا أعتبر أن الردة عن الحوكمة ما هى إلا مكابرة ونحن فى السعودية نسير فى الاتجاه وابتكرنا مجلس العائلة فى هذه الشركات وهذه المجالس تناقش استراتيجيات سنوية وتتدخل عندما يحدث خلاف بين من يملك ومن يدير.
■ سمعنا عن مبادرتك لـ«تمكين الشباب» ما المقصود بها؟
- فى الكثير من المجتمعات العربية ومنها السعودية نجد الشاب يدخل الجامعة تائها فى اختيار تخصصه، وكلنا يعلم أنه عندما يكون الأب طبيبا يقال إن ابنه سيكون طبيبا أيضا رغم أن امتهان الطب قد لا يكون فى دائرة أو بؤرة اهتماماته وهذا يعطينا مؤشرا أن الشباب العربى بصفة عامة يكون ضائعا فى اختيار تخصصه أو مهنته أو حرفته، فلا أحد يسأله أو يتابعه للتعرف على رغبته، ولذلك أطلقت مبادرة «تمكين الشباب» وهى تتخذ من مصطلح «اعرف ذاتك» شعارا لها ونقيم معرضا سنويا يضم نحو 105 مهن وندعو شباب المدارس الثانوى والجامعات- من الجنسين- للحضور وأجرينا استطلاعا للرأى كشف عن أن 40% من المشاركين فى المبادرة غير فكرته عن اختيار تخصصه.