عمل ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسات العربية فى معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سابقا، فى مكتب وزير الدفاع الأمريكى، مديرا لشؤون دول المشرق، ومساعدا أعلى فى سياسة «البنتاجون» الخاصة بدول المشرق العربى، والأراضى الفلسطينية، «المصرى اليوم» أجرت حواراً مع شينكر عبر البريد الإلكترونى، وإلى نص الحوار:
■ من خلال خبرتك الطويلة فى العمل فى منطقة الشرق الأوسط.. ما البلد الذى تتوقع أن يكون هدفا مقبلا للربيع العربى؟
- من الصعب معرفة أى الدول أو الأنظمة التى ستنضم إلى الربيع العربى، لكننى أتوقع الجزائر، وحتى الآن يبدو لى أن وضع الملكيات أفضل حالاً من الجمهوريات، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن الممالك، بقيادة المملكة العربية السعودية، فهمت التهديد، وتجمعت معاً فى محاولة للصمود فى وجه الانتفاضات الشعبية، وتوسع دول مجلس التعاون الخليجى هو مثال على ذلك.
■ ما الدولة العربية التى تتوقع أن تنشأ فيها ديمقراطية حقيقية؟
- الآفاق تبدو جيدة فى تونس، وإذا تمكن اللييبيون من تنحية القبلية جانباً، فستكون لديهم فرصة جيدة جداً لإقامة ديمقراطية حقيقية، ونظراً لقلة عدد السكان والموارد النفطية الهائلة، فعندما لا يجد الناس تحسناً اقتصادياً فى حياتهم، فإن الديمقراطية تحتاج الكثير من الوقت لترسيخها.
■ كيف ترى دور الإسلاميين فى المنطقة بعد ثورات الربيع العربى؟
- قدرة الإسلاميين على الاستفادة سياسياً فى أعقاب الربيع العربى، يرجع فى جزء كبير منه إلى أنه فى ظل العديد من الأنظمة الاستبدادية فى المنطقة، كان يجرى قمع الليبراليين بشكل أقوى من الإسلاميين، لذا أصبح الإسلاميون أكثر تنظيماً وانضباطاً من الليبراليين، وفى أعقاب الثورات العربية أصبحت السياسة أكثر شعوبية، وهو ما يصب فى مصلحة الإسلاميين، لكن السؤال الحقيقى الآن هو ما إذا كانت لدى الإسلاميين سياسات بإمكانها أن تستجيب للمشاكل الحقيقية التى تواجهها دول الشرق الأوسط أم لا.
■ الربيع العربى.. فرصة أم تهديد لإسرائيل؟
- الديمقراطيات ستشكل علاقات أكثر استقراراً بين تل أبيب ودول المنطقة، فالموروثات القديمة تحث على عدم خوض الحروب، وأرى أن سقوط بشار الأسد سيكون من مصلحة الجميع فى المنطقة، بما فى ذلك إسرائيل، فقد أمضى الأسد السنوات العشر الماضية فى زعزعة استقرار جيرانه، وحتى لو حل محله نظام إسلامى، فإنه سيكون أفضل للجميع.
■ كيف ترى تأثير الربيع العربى؟
- كانت السودان تمهيداً للربيع العربى، حيث صوّت الجنوبيون لتحرير أنفسهم من النظام القمعى فى الشمال، تماماً مثلما انتفض الثوار فى مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا للتحرر من أنظمتهم القمعية، وأرى أنه سيكون هناك تطور إيجابى إذا نشط الشعب الإيرانى بسبب التطورات فى العالم العربى، وانتفض مرة أخرى لدعم حكومة أكثر تمثيلاً له، لكن المذابح التى جرت فى 2009 ستمثل عقبة قوية للإيرانيين فى النزول إلى الشوارع للتظاهر، لأنهم يدركون جيداً أن رد نظامهم سيكون مماثلا لرد النظام السورى على ثواره.
■ وكيف ترى الدور التركى فى المنطقة؟
- آخذ فى التوسع، فرئيس الوزراء رجب طيب أردوجان، أصبح زعيماً شعبياً فى منطقة تخلو من القادة، كما أن لديه قبولا واسعا، لكن من غير الواضح ما إذا كان كونه تركياً وليس عربياً، سيمنع توسيع النفوذ الإقليمى لتركيا أم لا.
■ هناك من يتكهن بحدوث صدام بين تركيا وإيران.. ما تعليقك؟
- رغم تنافس تركيا وإيران على النفوذ الإقليمى، فإن كلا الطرفين يفضل أن تكون المنافسة هادئة، ورغم تصاعد حدة التوتر بينهما، ووجود بعض الاختلافات بينهما حول سوريا، فإنهما يشتركان فى الرأى بأن الشرق الأوسط سيكون أفضل حالاً فى المستقبل، مع تأثير أقل للولايات المتحدة، كما أن كليهما يتشاطر الكراهية تجاه إسرائيل.
■ فى ظل الانتفاضات الشعبية.. هل تعتقد أن تظل أمريكا لاعباً أساسياً فى المنطقة؟
- بالطبع، مادامت تلعب دوراً حاسماً فى المنطقة، فرغم عدم تقدير كثير من العرب للرئيس الأمريكى السابق، جورج بوش، فإنهم قدّروا قيادته فى الإصلاح الديمقراطى الذى سعى لتحقيقه من خلال «أجندة الحرية»، وأرى أن التغييرات التى طرأت على العالم العربى فى العام الماضى جعلت دور الولايات المتحدة أكثر أهمية من أى وقت مضى، وأعتقد أن دور واشنطن فى الشرق الأوسط يكمن الآن فى الأمن، وتعزيز الحكم الرشيد، والمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية.
■ بالنسبة للشأن المصرى.. كيف ترى القاهرة بعد 25 يناير؟
- ثورة مصر لم تنته، وليس واضحا ما إذا كانت ستصبح دولة ديمقراطية أم لا، فهناك مشاكل أمنية حقيقية، وأزمة اقتصادية معلقة، فضلاً عن وجود اتجاه حقيقى نحو سياسة شعبية خطيرة، وتحركات من قبل الإسلاميين نحو إقامة دولة إسلامية، فى الوقت الذى يبدو فيه الليبراليون غير منظمين سياسياً، ونوايا المجلس الأعلى للقوات المسلحة غير واضحة.
■ هل ترى تغييراً حقيقياً فى مصر؟
- نظام الرئيس السابق، حسنى مبارك، انتهى بالفعل، لكن مصر لا تزال تحت سيطرة الجيش، وأرى أن ما تغير فى مصر هم الناس أنفسهم وليس القيادة، إذ شعر المصريون بأن لديهم تفويضا من قبل الثورة، فهناك تغيير ثقافى سيستمر فى التأثير على السياسة المصرية.
■ ما التحديات التى تواجه مصر فى الفترة المقبلة؟
- أشعر بالقلق من زعزعة الاستقرار الاقتصادى الكلى، فقبل بضعة أشهر أعرب أحد أعضاء المجلس العسكرى عن قلقه من «ثورة جياع» فى مصر، لذا أرى أن هناك مشكلة كبيرة تواجه مصر فى ظل انعدام الأمن وتعليق الانتخابات، وضعف السياحة والاستثمار الأجنبى المباشر.
■ كيف تقيم إدارة المجلس العسكرى للفترة الانتقالية؟
- أداؤه حتى الآن مختلط، لكنه أمر متوقع، فهو جيش وليس حكومة.
■ هناك من يعتقد أن الجيش لا يرغب فى ترك السلطة.. فما رأيك؟
- أعتقد أنه يريد العودة إلى ثكناته، لكنه لا يريد فى الوقت نفسه أى تغيير فى وضعه المتميز داخل المجتمع، لذا يبدو لى أن الجيش لن يخضع للحكم المدنى، فهذا خط أحمر، لكنى أؤكد أنه ستكون هناك حكومة مدنية فى مصر، ودور الجيش فى السياسة لم يتحدد بعد.
■ ما تعليقك على محاكمة «مبارك» ورموز النظام السابق؟
- تسير بشكل رائع، وأرى أنها لحظة مصر للعدالة الانتقالية، إذ كان من المنطقى أن يمثل «مبارك» للمحاكمة بشأن جرائمه خلال 30 عاماً قضاها فى السلطة، وما لا أراه مألوفا هو محاكمته عن الجرائم الحديثة نسبياً فقط، وأتوقع ألا تتم إدانته بتهمة قتل المتظاهرين، وفى هذه الحالة ستتسبب تبرئته فى خيبة أمل شديدة للكثيرين، وبالتالى عودة الاعتصام مرة أخرى فى ميدان التحرير.
■ كيف ترى العلاقات المصرية-الأمريكية بعد الثورة؟
- أصبح كل السياسيين فى مصر يستمدون شرعيتهم من فكرة كونهم «ضد مبارك»، ما يعنى أن الساسة الإسلاميين وغير الإسلاميين على حد سواء، سينأون بأنفسهم عن واشنطن وسياسة الولايات المتحدة، والفترة المقبلة ستكون صعبة جداً بالنسبة للعلاقات المصرية - الأمريكية.
■ وماذا عن الإخوان قبل وبعد الثورة؟.. ولماذا تغير موقف الولايات المتحدة تجاههم؟
- «الإخوان» لم يبدأوا الثورة، لكنهم استفادوا منها، وسيستمرون فى ذلك، أما بالنسبة لعلاقات الولايات المتحدة مع الجماعة، فأمريكا لديها مصلحة واضحة فى رؤية الديمقراطيين الليبراليين يسودون الانتخابات البرلمانية فى مصر، لكن بما أن الجماعة لم تعد محظورة، وأصبح لديها حزب سياسى لا يروج للعنف، فإن واشنطن أصبحت تتصل بها، وهذا ليس بجديد، فصغار الدبلوماسيين الأمريكيين كانوا يجتمعون مع النواب الإسلاميين فى البرلمان المصرى.
■ إذا طلبت منك تقديم المشورة حول قيام مصر الديمقراطية.. ماذا ستقول؟
- الإجابة تحتاج إلى رد طويل للغاية، وأعتقد أنه سيكون لزاماً على مصر أن تلتزم بالإصلاح الاقتصادى، فالديمقراطية لن تترسخ إذا لم ير المصريون تحسناً ملموساً فى حياتهم.
■ ماذا عن العلاقات المصرية - الإسرائيلية فى أعقاب التطورات الأخيرة؟
- من المحتمل فى الفترة المقبلة، أن يتم اختبارها بشكل قاس، لأن التطورات فى مصر تشكل تحدياً حقيقياً لإسرائيل، وسياسة مرحلة ما بعد «مبارك» أصبحت شعبوية ومناهضة لاتفاقية «كامب ديفيد»، ورغم استمرار الجيش فى دعم المعاهدة، فإننى أتوقع أن تتدهور العلاقات على المدى القصير بين البلدين.