أكد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أن القدس ستظل عاصمة أبدية لفلسطين، مشيرا إلى أن فلسطين تواجه تحديات كبرى بدأت منذ أكثر من مائة عام بوعد بلفور المشئوم، وهناك مؤامرة كبرى تستهدف القدس بكل ما تمثله من قيم ومعان دينية وتاريخية وإنسانية وحضارية وتضرب القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية.
وقال الرئيس الفلسطيني في كلمة ألقاها خلال مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس، الذي انطلقت فعالياته، الأربعاء، إن المؤامرة ضد القدس مؤامرة استعمارية بكل المعاني من أجل زرع جسم غريب في فلسطين لصالح الغرب، وتتمثل المؤامرة في الإعلان الأخير الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وادعى فيه زورا وبهتانا أن القدس عاصمة إسرائيل في تحد سافر لعقيدة ومشاعر ملايين المسلمين والمسيحيين على السواء، وفي انحياز فاضح لصالح الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه وعدوانه المستمر على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا.
وأضاف أن الولايات المتحدة الأمريكية اختارت أن تخالف القانون الدولي وجميع القرارات والاتفاقات الدولية والثنائية وتحدي إرادة الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم كافة، كما تناقض الإجماع الدولي الذي أعربت عنه دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الـ 29 نوفمبر لعام 2012 حين اعترفت بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.
وتابع: «في 21 ديسمبر لعام 2017 رفضت الجمعية العامة تحت بند (متحدون من أجل السلام) بأغلبية 129 دولة قرار الرئيس ترامب واعتبرته مُلغى وباطلا، لقد حصلنا على 750 قرارا في الجمعية العامة منذ عام 47 إلى يومنا هذا بسبب عجز المجتمع الدولي ولم يطبق قرار واحد من كل هذه القرارات».
وأضاف: على كل الدول العربية والإسلامية الوقوف معا لتقول لهذا العالم الظالم لماذا كل هذه القرارات؟، 750 قرارا في الجمعية العامة، و86 قرارا في مجلس الأمن ولا يطبق منها أي قرار، مؤكدا: لن نذهب للإرهاب والعنف بل سنستمر في المطالبات السلمية حتى نحصل على حقوقنا.
وأكد الرئيس الفلسطيني أن القرار الخطيئة لترامب جاء مناقضا لجميع المواقف الأمريكية السابقة بشأن القدس، وقال إن الإدارة الأمريكية ليست محل ثقة لكي تحكم بيننا وبين الإسرائيليين.
واستنكر الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبول الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مؤكدا أن هذا الموقف ناقض كل سياساتها ونسف كل مواقفها السابقة وهز صورتها كدولة عظمى يفترض أن تلتزم بتعهداتها وأن تحترم الشرعية الدولية وقوانينها.
وأضاف أن الولايات المتحدة أخرجت نفسها بهذا القرار من عملية السلام، مؤكدا أنها لم تعد تصلح للقيام بدور الوسيط الذي كانت تلعبه خلال العقود الماضية بعد أن وقفت في صف الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار إلى أن فلسطين ستذهب إلى كل الخيارات للدفاع عن قضيتها عدا الإرهاب والعنف، لافتا إلى أن الشعب الفلسطيني يجب أن يأخذ دورا في الدفاع عن القدس فضلا عن العمل على تدويل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وإيجاد مرجعيات دولية وإقليمية أكثر موضوعية ونزاهة، ومشيرا إلى ضرورة مواصلة الانضمام إلى المنظمات والمعاهدات الدولية كحق أصيل لدولة فلسطين.
وجدد الرئيس الفلسطيني تمسكه بالسلام كخيار للشعب يستند إلى القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وبما يضمن إقامة دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967 وحل قضايا الوضع النهائي كافة.
وأوضح أن فلسطين تاريخيا في عام 1947 كان لنا فيها 96%، ثم جاء قرار التقسيم الأول والثاني وأعطى إسرائيل 56%، و43% لفلسطين، وفي نفس الوقت احتلت إسرائيل 32% من أرضنا وسكت العالم كله ولم يحرك ساكنا.
وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه لن يتخلي أي أحد منا جميعا أو يفرط في حبة رمل من القدس، فهي أولى القبلتين ومعراج النبي محمد إلى سدرة المنتهى ومهد الديانات ولن تغير وجهها أو هويتها لا اليوم ولا غدا ولا إلى قيام الساعة.
وقال عباس- في كلمته خلال مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس الذي انطلقت فعالياته اليوم- إننا سنبقى أوفياء وملتزمين بقرارات المجالس الوطنية الفلسطينية وبخاصة قرار الإجماع الوطني عام 1988 الذي حدد ثوابتنا الوطنية التي لن يتنازل عنها أحد، ولا يمكن المساومة على قضية القدس وفلسطين أو التهاون في مكانتها وسلطانها الروحي، فلا معنى لدولة فلسطين دون أن تكون القدس الشرقية بالمسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة عاصمة لها.
وأضاف أن هناك من اعترف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس من الدول الأوروبية مثل مملكة السويد، بالإضافة إلى البابا فرانسيس الذي رفع العلم الفلسطيني على الفاتيكان، مشيرا إلى أن قرار الرئيس ترامب لن يعطي لإسرائيل أي شرعية ولن يمنح الاحتلال حقا في أرضها أو سمائها.
وأشار إلى أن القدس مدينة فلسطينية عربية إسلامية مسيحية وبدونها لن يكون هناك أي سلام في المنطقة أو العالم بأسره ما لم تتحرر القدس بكل حدودها التي نريدها من الاحتلال الإسرائيلي، فالقدس هي بوابة الجميع للسلام حين تكون فقط عاصمة لدولة فلسطين، وستكون بوابة الحرب والخوف وغياب الأمن والاستقرار إن لم تكن كذلك وعلى ترامب أن يختار.
وتابع «إن الرواية الفلسطينية التي هي حقيقة الدين والتاريخ قد أصبحت الآن أكثر قدرة على إثبات منطقها وثوابتها وحقوقها الوطنية، فيما أصبحت الرواية المناقضة التي تمثل آخر احتلال في هذا العالم تتقوقع أكثر فأكثر داخل أزمتها الاخلاقية والسياسية».
وأشار إلى أن قرار ترامب يواجه برفض دولي بصور شتى، وعلى رأسها اعتراف الجمعية العامة بفلسطين، لافتا إلى أن الرفض الدولي لقرار ترامب تمثل في مقاطعة بضائع المستوطنات من قبل الدول الأوروبية.
وأكد أن الموقف الأمريكي أغرى دولة الاحتلال بالاستمرار في عدوانها وطغيانها وإعادة رسم حدود القدس ولم يعد من الممكن السكوت أمام هذا العدوان، ونحن مطالبون جميعا بخطوات عملية بحسب طاقات وإمكانيات الكل من أجل منع إسرائيل من مواصلة انتهاكاتها لهوية وطابع مدينة القدس واستمرار الاستيطان فيها واعتداءاتها على المقدسات الإسلامية والمسيحية وخاصة المسجد الأقصى.
وقال الرئيس الفلسطيني إن إسرائيل احتلت كل الأراضي وما بقي لنا 22% فقط منها، مطالبا بتلك الأراضي من فلسطين التاريخية، ومع ذلك نواجه رفضا من ترامب الذي يؤكد أن القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل، مشددا على أننا لن نقبل بهذا الكلام لا من ترامب أو من الولايات المتحدة.. فالقدس عاصمتنا.
وأضاف أننا في هذا البلد منذ 1400 عام، ولا نقول منذ 5 آلاف عام منذ أيام الكنعانيين ونحن الكنعانيين، منوها بأن القدس هي عقيدة تسكن القلوب وحضارة تعاقبت عليها الأجيال منذ أكثر من 5 ألاف سنة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع على الأرض بعد المسجد الحرام.