x

التاريخ يعيد نفسه.. الغرب يركب الموجة الثانية من حركات التحرر العربى

الأربعاء 09-11-2011 16:32 | كتب: فهد الأرغا المصري, محمد يوسف |
تصوير : أ.ف.ب

منذ نصف قرن أو يزيد، ظن الوطن العربى أنه تحرر نهائيا من براثن الاستعمار الغربى إثر انفجار الموجة الأولى من «حركات التحرر العربى» فى القرن الـ 20، قبل أن تعصف به الموجة الثانية من حركات التحرر العربى -هذه المرة- من استبداد الحكام. فبعد تعثر دام 8 أشهر، سقط النظام الليبى، وسقطت معه مناجم ذهب لمستثمرين، طالما ارتبطت مصالحهم بالعلاقات الشخصية الوثيقة التى ربطت بين القذافى الراحل وبيرلسكونى المنتظر رحيله عن السلطة قريبا واللذين لم يكن أحدهما أقل إثارة للجدل عن الآخر. ولأن التاريخ يعيد نفسه، يتكرر صراع النفوذ متجليا فى العودة الفرنسية لصدارة المشهد، موطدة علاقاتها بليبيا ما بعد القذافى، ومؤسسة لشراكة جديدة لمستثمريها فى سوق ليبية اعتادت إيطاليا تاريخيا أن تكون هى اللاعب الأبرز فيها طوال السنوات الماضية. وذات اللعبة يبدو أن فرنسا تمارسها أيضا مع المعارضة السورية، التى أطلقت لها العنان مؤخراً، تمهيدا لمرحلة «ما بعد الأسد». أما مصر، ففى وقت يحتدم فيه النقاش بشأن التوجهات الاقتصادية المثلى لمرحلة إعادة البناء، تترقب بنوك الإعمار والتنمية الأوروبية نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة، بحثا عن «استقرار» سياسى يفتح لهم آفاق الاستثمار الاقتصادى.

فرنسا تطلق العنان للمعارضة السورية تمهيداً لـ «ما بعد الأسد»

وسط عدم ممانعة فرنسية، تتحرك المعارضة السورية فى العاصمة باريس بأريحية، على ما يبدو، لتنظيم خطواتها من أجل التمهيد لمرحلة «ما بعد الأسد»، على غرار التمهيد لمرحلة «ما بعد القذافى» التى قام المجلس الانتقالى الليبى بالإعداد لها قبل بضعة أشهر بالتنسيق مع الإدارة الفرنسية أيضا.

وفى هذا السبيل، عقد عبدالحليم خدام، النائب السابق للرئيس السورى بشار الأسد، المقيم فى منفاه الاختيارى فى باريس، منذ عام 2005، مؤتمراً للمعارضة السورية فى العاصمة الفرنسية بمشاركة قرابة 40 شخصية سورية معارضة من الخارج والداخل. ومن الحاضرين فى المؤتمر شخصيات عسكرية يرتبطون بعلاقات قديمة وطيدة مع النائب السابق، الذى قدم استقالته من جميع مناصبه السياسية والحزبية بعد مقتل الرئيس اللبنانى رفيق الحريرى، وتوجيه أصابع الاتهام للمخابرات السورية. وتشير المصادر إلى أن «خدام» يعكف على اتصالات يستعد بها لخوض تجربة سياسية بدعم من بعثيين وعسكريين لقيادة سورية فى المرحلة الانتقالية عقب سقوط نظام بشار الأسد. وعقد المؤتمر دون ممانعة من السلطات الفرنسية، كما يتضح، رغم أن «خدام» عاش أكثر من 5 سنوات لا يقوم بأى أنشطة سياسية أو إعلامية على الأراضى الفرنسية. كان فى كل مرة يود فيها القيام باجتماعات معلنة أو تنظيم مؤتمر سياسى أو إعلامى يقوم بالسفر إلى بروكسل لهذه الغاية لكن التغيرات الجذرية فى العلاقات (السورية-الفرنسية) مكنت «خدام» أخيراً من التحرك فى فرنسا سياسيا وإعلاميا، وخير دليل قيامه بتسجيل 6 حلقات فى برنامج الذاكرة السياسية لصالح قناة العربية. بالتزامن مع التحركات الفرنسية، اتسعت دائرة عمل الأجهزة الأمنية الأمريكية فى جمع المعلومات وإجراء الاتصالات مع أطراف سورية وبشكل خاص عسكرية منها. وعلمت «المصرى اليوم» أن المخابرات الأمريكية كثفت جهودها لتوسيع قاعدة المعلومات لمعرفة كل التفاصيل المتعلقة بالضباط والجنود المنشقين عن الجيش السورى ورتبهم العسكرية ومناطق تواجدهم وإمكانيات نفوذهم وقدراتهم العسكرية.

وأجرت المخابرات الأمريكية دراسة تحليلية لإمكانيات اتساع دائرة الانشقاق فى المؤسستين العسكرية والأمنية السورية لتشمل كبار الضباط من الطائفة العلوية، الذين مازال مجملهم يدعمون نظام بشار الأسد. وبحثت الدراسة عن الأسباب التى تقف وراء تماسك المؤسستين فى دعم الأسد رغم أن الثورة السورية دخلت شهرها الثامن.

ورغم سحب السفير الأمريكى، روبرت فورد، من دمشق كخطوة تصعيدية، لم تأت باريس حتى الآن على اتخاذ خطوة مماثلة، رغم أن السفير الفرنسى لدى سوريا، إريك شوفالييه، تعرض لهجوم فى دمشق، رشقه خلاله شبيحة نظام الأسد بالحجارة والبيض، بعد اجتماعه مع بطريرك الأرثوذكس اليونان أغناطيوس الرابع فى الحى المسيحى من مدينة دمشق القديمة.

إيطاليا تدفع كلفة ترددها فى الحرب الليبية والمستثمرون أكثر المتضررين

لعل إيطاليا واحدة من أكثر الدول المتضررة من سقوط نظام العقيد الليبى معمر القذافى، فخلافا لدولة المؤسسات، كانت العلاقة الشخصية الحميمة بين القذافى ورئيس الوزراء الإيطالى «سيلفيو بيرلسكونى» المتداعية حكومته عاملاً جوهرياً فى التأثير على قوة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وصلت علاقة الرجلين المثيرين للجدل إلى أوجها خلال العامين الأخيرين، وبلغت ذروتها عندما قام بيرلسكونى بتقبيل يد القذافى أكثر من مرة على رؤوس الأشهاد، وكانت نتيجة ذلك أن نجح رئيس الوزراء الإيطالى فى إبرام عقود استثمار مع العقيد الليبى، الذى كان يعتبره بيرلسكونى «المالك الأوحد لليبيا»، لاسيما فيما يتعلق بقطاعات البترول والإعمار وإنشاء الطرق.

لكن فى المقابل، انتزع القذافى اعتذاراً إيطالياً، غير مسبوق على المستوى الأوروبى لدولة عربية، عن فترة احتلال إيطاليا لليبيا إبان الحرب العالمية الأولى، هكذا توطدت أواصر الصداقة بين بيرلسكونى والقذافى، وعندما اندلعت الثورة الليبية، اتسم موقف الحكومة الإيطالية بالتذبذب، وهو ما أدى إلى استبعادها عن الاجتماع الدولى للتنسيق قبل قيام حلف (الناتو) بشن الحرب على النظام الليبى.

فى المقابل، كانت كل من فرنسا والولايات المتحدة وإنجلترا تتخذ مواقف ريادية فى الحملة الدولية ضد القذافى، وهو ما دفع المجلس الانتقالى الليبى إلى الشعور بالولاء لهم، لاسيما الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، أول المعترفين بالمجلس، والذى كان دعمه بارزاً بين سائر القوى الغربية.

ومن ثم، كان إقصاء بيرلسكونى ضربة قوية للتواجد التقليدى لإيطاليا فى ليبيا، المتمثل فى استثمارات تواجه قلقاً إزاء توقعات بفتح المجال الليبى أكثر لاستثمار الشركات الفرنسية والإنجليزية على حساب نظيرتها الإيطالية، هذا ما يتحدث عنه الشارع السياسى الإيطالى فى الآونة الأخيرة عاكساً مخاوف الحكومة الإيطالية والمستثمرين من فقدان السوق الليبية.

ويعتبر المحلل السياسى، ماوريتسيو كبرارا، أن فترة التقارب بين بيرلسكونى والقذافى شهدت طفرة فى التعاون التجارى بين البلدين خلال السنوات الـ3 الأخيرة، لكنه قال إن الثورة الليبية على نظام القذافى كانت حائلاً بين بيرلسكونى وأحلامه فى إيجاد منفذ ومنقذ اقتصادى لبلاده فى خضم الأزمة المالية الأوروبية الحالية، الأمر الذى خلق حالة التذبذب لديه.

ويضيف «كبرارا» أن كمية الاستثمارات والعقود التى تم إبرامها مع ليبيا أثرت بالفعل على القرار السياسى لروما أثناء الثورة، ما جعل الفرصة سانحة للدول التى لم يكن لديها مصالح كبرى تخشى عليها إذا ما استمر نظام القذافى فى قيادة البلاد.

تأثر القرار السياسى الإيطالى فى المشاركة فى الحرب صاحبه أيضا تعرض القوات الإيطالية إلى خسائر جسيمة فى أفغانستان وفقدان جنود فى أكثر من حادث اعتداء، وأضاف «كبرارا»: «لا أرجح أن سبب التردد فى قرار الحرب أو مساندة الثوار فى ليبيا ينبع من عملية الصداقة الشخصية فقط بين بيرلسكونى والقذافى، ولكن أيضاً الظروف المحلية والإقليمية والعالمية كان لها أثر كبير».

كانت ستيفانيا كراكسى، نائب وزير الخارجية الإيطالية من حزب يمين الوسط، قد قللت من تصريحات زعماء المعارضة التى انتقدوا فيها تأخر إيطاليا فى مساندة الثورة الليبية، وقالت إن هناك عقوداً مبرمة مع شركات بترول وإنشاء طرق وإعمار تصل قيمتها إلى 25 مليار يورو وأكثر.

وضربت المسؤولة مثلا بشركة «إينى»، وهى أشهر الشركات فى مجالات الاستثمار فى ليبيا التى تعهدت عام 2008 بزيادة استثماراتها فى مجال البترول والغاز إلى 28 مليار دولار حتى نهاية عام 2040.

كما تقوم شركة «إينى» بتطوير 20% من حقول إنتاج النفط فى ليبيا، حسب تلك الاتفاقيات، وبحسب وسائل إعلام إيطالية، فإن هناك اتفاقية لتطوير الطريق الدولى من حدود ليبيا مع مصر امتداداً إلى تونس، وإنشاء شبكة طرق ساحلية دولية وداخلية تقوم بإنشائها شركات إيطالية حسب الاتقاقات الموقعة.

إلى جانب ذلك، هناك الاتفاقات الموقعة لإنشاء مدن رياضية واستادات ومدن جديدة فى ليبيا وتطوير الأماكن السياحية التى تتولاها شركات إيطالية، ما يجعل المنافسة أكثر صعوبة للشركات الأخرى والدول التى تحاول زحزحة تواجد الاستثمارات الليبية فى إيطاليا.

كما أن الاستثمارات الليبية فى إيطاليا تزيد من قوة الترابط بين استثمارات البلدين، حيث يصل حجم الاستثمارات الليبية فى بنك «يونى كريدت» إلى 7.5%، وتساهم ليبيا بنسبة 2% من شركة «فيمنك شانيكا»، المتخصصة فى إنتاج الأسلحة والفضاء، و2% من أسهم شركة «فيات»، المتخصصة فى صناعة السيارات، و7.5% من أسهم نادى يوفينتوس، و5% من شركة تليكوم إيطاليا، إلى جانب شركة «إديتار» للمطبوعات، التى استحوذت على حق طباعة «الكتاب الأخضر»، على مدار أكثر من 30 عاماً، ويعتبر البنك (الليبى - الإيطالى) «يوباى» الحافظة الكبرى للاستثمارات المشتركة بين البلدين فى المجالين العام والخاص.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية