لا حديث في مصر إلا عن الغلاء أو التلوث، فكلاهما يؤرق المصريين ويهدد معيشتهم!
الغلاء يمكن التعايش معه- مرحلياً- في إطار إصلاح اقتصادى، أما تلوث البيئة، فهو ورم «ينهش» ليل نهار في جسد ومستقبل هذا الوطن أو أي إصلاح يمكن أن يطرأ عليه. منظمة الصحة العالمية ذكرت، في تقرير لها، أن نسبة التلوث في مصر تفوق ثلاثة أضعاف المعدلات العالمية. نسب التلوث في العاصمة والمحافظات المحيطة بها «مفزعة»- حسبما أكد تقرير مركز السموم الإكلينيكية والبيئية بطب قصر العينى، فهناك ارتفاع خطير في معدلات التسمم الناتج عن التلوث. القليوبية تتصدر القائمة بنسبة ٥٠% من حالات التسمم، و٣٥% بالقاهرة و12% بالجيزة.. هذه النسب ناجمة بصورة مباشرة عن زحام شوارع القاهرة الكبرى وتكدسها بالسيارات، ما بين الأجرة والملاكى والنقل بأنواعه، إضافة إلى انتشار المصانع بالقليوبية وحلوان. «المصرى اليوم» تحاور د. خالد فهمى وزير البيئة.. المسؤول الأول عن مكافحة التلوث في مصر وتحسين البيئة المحيطة بالمصريين، وتطرح عليه تساؤلات «مشروعة»، يرددها المصريون في حياتهم اليومية.. ومازالت تبحث عن إجابات.. وإلى الحوار:
في الطريق من وسط القاهرة إلى «الفسطاط»، حيث «بيت القاهرة»، وهو أحد مقار وزارة البيئة، تستطيع أن ترسم صورة حقيقية بلا رتوش عن «تلوث البيئة».. من نهر النيل إلى الهواء.. أعمدة كربونية سوداء تتصاعد إلى الهواء ناجمة عن عوادم سيارات النقل العام والنقل الثقيل.. ومركبات أخرى لا تستحق أن نطلق عليها اسم «سيارة» من الأساس.
من هذه الصورة.. بدأ الحوار.. سألت الوزير في البداية:
■ هل أنت راضٍ عن الوضع البيئى لمصر الآن؟
- إذا كنت تتحدث عن الصورة التي رسمتها الآن فأنا غير راضٍ، رغم أنها تمثل نسبة 6% من مساحة مصر. أما نسبة الـ94% فأنا راضٍ عنها تماماً.. القضية في هذا الحيز البسيط الذي نعيش فيه. ولذلك فاستراتيجيتنا مبنية على محورين: الأول مجموعة من الأنشطة تركز على المشاكل البيئية في الوادى القديم. والثانى المحافظة والتخطيط لشكل التوسع العمرانى القادم، ومن بينها المشروعات العملاقة في العلمين والمثلث الذهبى وإقليم قناة السويس والامتداد العمرانى لساحل البحرين المتوسط والأحمر.
■ وما هو قائم الآن.. ماذا يشغل في استراتيجيتكم؟
- الوضع القائم عند تحليله ببساطة نجد أنه ناتج عن الزيادة السكانية غير الطبيعية، وعدم مراعاة التخطيط العمرانى، ما أدى إلى تداخل الأنشطة السكنية مع الصناعية والإدارية.
■ وضياع المسطحات الخضراء.
- أكون صريحاً إذا قلت «معندناش مسطحات خضراء»..! فالأنشطة تكدست بشكل يفوق استيعاب عناصر الطبيعة أو حتى عناصر البنية التي صنعها الإنسان، بمعنى أننى حينما أتحدث عن القاهرة، فمتوسط حركة الكثافة البشرية يومياً هو 20 مليون نسمة، في الوقت الذي لا تستطيع فيه البنية التحتية وما أنشأه الإنسان أن يستوعب هذه الكثافة، وينتج عن ذلك كله كثافة في المخرجات، ومقدمتها عوادم السيارات. وهنا تقل قدرة الهواء على تشتيت الملوثات. إذن نحن نواجه مشكلات، ظاهرها التلوث البيئى وباطنها الخطط الاجتماعية والاقتصادية التي أغفلت هذا البعد.
وإذا نظرنا بأكثر واقعية، سنجد أن نوعية عناصر البيئة الطبيعية هي مرآة نرى فيها أخطاءنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. وقتها لن نكون مخطئين.
■ وما الحل في رأيك بعد أن وضعنا يدنا على «الداء»؟
- الحلول يجب أن تكون ذات جذور اقتصادية واجتماعية وسياسية. وبدون هذه الجذور لا يمكن التحدث عن «إصلاح بيئى». وهنا يأتى دور وزارة «البيئة»، وهو دور تنسيقى، لأنها لا تملك الفعل.. ولا يصح أن تملك الفعل.
■ كيف.. لا تملك؟
- لأن الفعل يأتى من بقية الوزارات..هدفنا الأساسى أن ندمج البعد البيئى في خطط الدولة.
■ ولكن المواطن دائماً ما ينظر إلى مسؤولية «الدولة المصرية» وليس مسؤولية وزارة بعينها.. المهم الناتج؟
- نعم.. ونحن نقدر ذلك.. ونسعى لدمج البعد البيئى في أي مخطط مستقبلى.
■ تلوث الهواء.. أولى القضايا التي يصادفها المصريون في حياتهم اليومية، وتحتل عوادم السيارات موقع الصدارة فيما يعكر صفو هذه الحياة.. كل ذلك في الوقت الذي يتضاءل فيه الاعتماد عالمياً على الوقود التقليدى (البنزين- السولار) لأنه يتسبب في انبعاث كميات كبيرة من ملوثات الهواء مما يؤدى إلى أضرار ومخاطر صحية، إضافة إلى غازات الاحتباس الحرارى، الذي التزمت مصر ضمن المجتمع الدولى في مؤتمر باريس 2015 بالعمل على خفض معدلاته.. كيف ترى هذا المشهد؟
- لا بد أن نفرق بين تلوث الهواء على المستوى المحلى، والاحتباس الحرارى عالمياً. فلكل قضية منهما زاوية تعامل، فانبعاثات عوادم السيارات لا تؤثر في الاحتباس الحرارى عالمياً، كما يعتقد البعض. وعلى المستوى المحلى بيانات الرصد لدينا تشير إلى أن أكثر ملوث للهواء في مصر هو «الأتربة».
■ الأتربة.. في المقدمة؟
- نعم.. فلدينا أحدث شبكة لرصد ملوثات الهواء عالمياً، متمثلة في شاشات تعمل على مدار 24 ساعة، والجهاز الموجود لدينا يوجد مثيل له لدى وزارة الصحة. ويعطينا تقريرا كل ساعتين عن حالة الهواء في شكل درجات لونية عن مستوى التلوث وموقعه واستمراره. فاللون الأحمر مثلاً يشير إلى وجود تلوث ما في المنطقة التي يحددها، يتطلب التدخل الفورى في حالة الاستمرار كعمليات حرق «قش الأرز» مثلاً.
أما اللون الأخضر، فهو في المعدلات الطبيعية، والأصفر لايزال تحت السيطرة. كل هذه القياسات وفقاً لمؤشرات منظمة الصحة العالمية.
■ نرجع إلى «الأتربة».. ما مشكلتنا معها تحديداً؟
- مشكلتنا مع الأتربة أن المعدل الطبيعى هو 150 مليجراما للمتر المكعب، نحن نتجاوز هذا الرقم إلى 250 مليجراما في بعض الأحيان. وأثناء رياح الخماسين من الممكن أن يرتفع هذا الرقم إلى 400 مليجرام. فنحن لدينا مشكلة حقيقية في «الأتربة».
■ ما سببها؟
- 50 % من الأتربة التي تعانى منها القاهرة الكبرى ناجمة عن موقعها وسط منطقة صحراوية، متمثلة في هضبتى الأهرام والمقطم. والمنطقتان صخورهما «جيرية متآكلة».. وهو ما يعنى أن نصف الأتربة التي نعانى منها جاءت من مصادر طبيعية.
■ كيف نقاوم ذلك؟
- مقاومة بشرية متمثلة في نظافة الشوارع، فأغلب الأتربة طبيعة تتساقط إلى الطريق، ومع حركة السيارات تندفع إلى أعلى في الهواء، وهنا تبدأ المشكلة!.. قديماً كنا نرى عمليات «كنس الشوارع» تتم بصورة منتظمة تتبعها عملية «رش» بالمياه، فتقل الأتربة بالتبعية.
■ ولماذا اختفى ذلك رغم أنه كان «مجهوداً متواضعاً»؟
- هذا الجزء المهم تدهور، لأننا مازلنا نديره من خلال أجهزة المحليات. والأجهزة الحكومية ليست «أفضل مدير» في إدارة عمليات القمامة وجمع المخلفات. فنحن نبدأ بـ«أسطول ضخم» من السيارات، سرعان ما يتآكل بسبب انعدام الصيانة، وأسلوب إدارته.. وتكون النتيجة غير مرضية في النهاية.
أما ما يتعلق بالغازات الناتجة عن العوادم فهى في مناطق محددة بها تكدس مرورى، ولكنها لا تتخطى متوسط القياس. وبالتالى لا يمكننى أن أسجل مخالفة لمصنع ما دون أن يستمر مستوى القياس في مرحلة عالية.
■ كيف لـ«المواطن القاهرى» أن يتعايش مع ذلك.. لو فرضنا أن هناك قياسات عالية في ميدان التحرير، مثلاً، وهى لحظية وتتراجع.. بينما هو يتحرك إلى رمسيس أو شبرا الخيمة.. يومه بالكامل يقضيه في تلوث من موقع إلى آخر؟!
- كل هذا نطاق محلى.. لو نظرنا إلى المنطقة سنجد أن المعدلات لحظية وغير مستديمة. ولكن الوضع يختلف مع «السحابة السوداء» مثلاً، فهى تغطى مساحات كبيرة في وقت سريع.. ولذلك نحن نعد لخطط تحمل عنوان منظومة «إدارة تلوث الهواء»، بمعنى أن تعمل على كل مصدر تلوث على حدة، بمجموعة من الخطط بداية من الأتربة إلى مصادر الصناعة وعوادم السيارات.
■ كيف يمكن إدارة هذه المنظومة؟
- بكل بساطة.. «التحكم في مصادر تلوث الهواء».. وأهم بند فيه هو «الرصد»، الذي يتم بناء على مؤشراته اتخاذ القرار المناسب. وقد شاركت في صناعة هذه المنظومة مع بداية تسعينيات القرن، وكانت أكبر نتاج في المعونة الأمريكية لمصر. وأطلق عليه آنذاك اسم «مشروع تحسين هواء القاهرة الكبرى»، وللأسف هذا المشروع لم يجد سبيله للتطبيق، لأننا كنا نتعامل مع نظم لا تؤمن بذلك..!
مشاكلنا كلها متراكمة عبر عقود طويلة، والعمل عليها سيستمر لعقود أخرى!.. نحن لن نتحدث عن «أحلام وردية».. هناك مدن وعواصم عالمية كانت لديها نفس المشكلات، واستطاعت أن تقهرها، منها طوكيو ولوس أنجلوس ومكسيكو سيتى.. وغيرها.
■ ولماذا توقفت حملات الكشف عن نسب الكربون بالسيارات أثناء سيرها بالشوارع؟
- كان ذلك في فترة الانفلات الأمنى لاستحالته.. أما الآن ربما لا يراها الناس في المدن، ولكنها تتم على الطرق، وفى مناطق عديدة داخل العاصمة. فأثناء السحابة السوداء، يتم تنظيم أضخم حملات للكشف عن السيارات.. ولكن دعنى أؤكد لك أنه ليس بهذه الحملات وحدها يتم إدارة ملف «عوادم السيارات».. إدارة هذا الملف تتوقف على مدى جدية تعاملك- كدولة- مع «السيارات القديمة» ماركات الميكروباصات التي تجاوزها الزمن.. و«التوك التوك» وغيرهما.
■ دعنا نمثل هنا وجهة النظر الأخرى: هل لدى مالكيها بدائل وسط ارتفاع أسعار السيارات؟
- حقيقة.. هي سياسات.. علينا أن نتعامل معها ككل ومنها الوقود ونوعه. نحن لم نصل لوقود يتوافق مع المواصفات الأوروبية Euro 2، بينما العالم الآن يتعامل بمواصفات (Euro 5)، وكذلك التوسع في مصانع «تكسير الوقود» لتقديم نوعية أفضل لسيارات النقل والأتوبيسات، مما لدينا الآن.
القضية المهمة حالياً هي الاستثمار في وقود سيارات النقل والأتوبيسات، والحكومة تعمل حالياً على تحسين نوعية الوقود فيهما، من خلال المعمل الجديد الذي سيقام في مسطرد، ويعمل على استخراج أفضل أنواع الوقود، وخاصة في «السولار»، وهو ما سيتيح في الأسواق نوعا من الوقود به أقل نسبة كبريت.
■ ومن المنتج؟
- هي شراكة بين الحكومة المصرية وإحدى شركات القطاع الخاص باستثمارات 4 مليارات دولار. ومن المقرر أن يتم بناء معمل آخر في أسيوط وفقاً لخطة وزارة البترول. وهنا أؤكد أن الوقود الأفضل سيعطى كفاءة أكبر للمحركات عموماً، والقضية الأساسية لنا وهى نسب تلوث أقل، وهنا دورنا التنسيقى مع الوزارات الأخرى، لأن المسؤولية هنا «مسؤولية حكومة» وليست وزارة بعينها.. وكذلك بالنسبة للمصانع لأن تحسين كفاءة الوقود سيقلل من الانبعاثات التي تؤثر على تلوث الهواء. وكل أهدافنا البيئية وضعناها في استراتيجية (20- 30) بمعنى أن يكون لدينا خطط ممولة لدى كل وزارة على حدة.
■ العالم كله- تقريبا- يتجه الآن إلى الاعتماد على السيارات الكهربائية بدلا من السيارات التقليدية.. وخلال الشهور القليلة ثار جدل كبير حول هذا المشروع في مصر.. إلى أين وصل؟
- وصلنا إلى إجراء عدة دراسات حول بدائل للسيارة التقليدية داخل مصر. وكان هناك اتجاه إلى السيارة «الهجين»، التي تعمل بين الوقود والكهرباء، وهذا الاتجاه «مرجح» بشكل كبير. وبحثنا في دراسات مطولة بالتعاون مع وزارة المالية عن الأثر الاقتصادى للمشروع وأبعاده وكيفية التمويل..
■.. ولكن خبراء صناعة السيارات تحدثوا عن ضرورة توفير بنية تحتية وتجهيزات خاصة قبل اتخاذ تلك الخطوة المهمة.. ماهو تصوركم؟
- الدراسات معظمها طرحت معظم تساؤلات الناس عامة للنقاش وما يشغل أفكار المصريين والصناع والصناعة نفسها، ومنها هل نستورد أولاً أم نتجه إلى التصنيع في مصر؟.. وهو بالتالى ما يتطلب- للإجابة على هذا السؤال- دراسات أخرى حول مدى استيعاب السوق المصرية لذلك، وتأثيره على الموارد السيادية للدولة وما مدى اتفاقها مع سياسات دعم الوقود.. كل هذه الدراسات هي دراسات اقتصادية بحتة لا علاقة لها بالبيئة.. هو قرار سياسى له انعكاسات اقتصادية وأهداف بيئية في مقدمتها التأثير المستقبلى على الحالة الصحية للمواطنين.. فليس من المعقول- كدولة- أن نوفر في اتجاه ما، وننفق أضعافه في علاج الناس!
■.. والى أين وصلت هذه الدراسات؟
- وصلت إلى دراستين.. الأولى نجريها مع مركز البيئة والتنمية للإقليم العربى وأوروبا «سيدارى»، وهو مؤسسة تشارك فيها الحكومة المصرية، وتديره الدكتورة نادية مكرم عبيد أول وزيرة للبيئة، والتى أطلق عليها لقب «سيدة البيئة الأولى». والثانية هي دراسة مستقلة نجريها على السياسات اللازمة للمشروع، وكلا الفريق القائمين على الدراسة سينتهيان خلال أيام، ثم نتوجه بعدها إلى وزارة المالية لمناقشة الآثار الاقتصادية..
■ بحكم موقعك كوزير سياسى وخبير بيئى.. ما هو الاتجاه الغالب؟
- أرى أن الاتجاه «إيجابى».. لأن السيارة الكهربائية هي مستقبل مصر، وكل ما نحن بصدده الآن يتوافق مع السياسات الخاصة بالطاقة. لأننا كدولة ندعم الطاقة، وبالتالى إذا وجدنا مزايا وحوافز أخرى، فإنها ستقلل الدعم من ناحية، إضافة إلى تشجيع الصناعة من جهة أخرى.
■ وهل هناك تصور حول التكلفة بالنسبة للمستهلك.. سواء في أسعار السيارات الكهربائية أو «شحنها»؟
- لا أعتقد أنها ستختلف كثيراً، وسط الأسعار التي تشهدها سوق السيارات حالياً، ولننظر إلى تجارب دول أخرى مجاورة لنا مثل الأردن، فقد نفذت التجربة بنجاح، والسوق تحولت بنسبة 30% إلى سيارات كهربائية، بتقديم مجموعة من الحوافز سواء في الجمارك أو المدخلات وقطع غيار السيارات، مما ساعد في انتشار السيارة الكهربائية، ونمو حجم سوق الصيانة وورش الإصلاح، وأصبح لديهم تخصصات في المجال وفرص عمل كبيرة فرضها هذا القطاع كصناعة.
■.. وفى التطبيق الأولوية ستكون لأى قطاع؟
- نحن نركز حالياً على قطاع النقل العام، لأنه هو القطاع الوحيد الذي يخدم «الراجل الغلبان» بالدرجة الأولى، وهذا لايعنى أننا لا نفكر في القطاعات الأخرى.. هناك دراسات جادة في ذلك..
■.. وماذا عن النطاق الجغرافى.. هناك حديث عن الـتطبيق في العاصمة الإدارية مثلاً..ما الجديد لديك؟
- من الممكن.. دعنى قبل أن نوجه الحديث إلى النطاق الجغرافى، نتحدث عن «الحوافز» لخلق هذه السوق، فبقدر ما ستقدم الدولة في هذا المجال سترفع من أعباء مالية أخرى، في مقدمتها الصحة والبترول وحجم الوقود الأحفورى (البنزين والسولار)، الذي يتم هدره في الاستخدام. مثلاً نحن نتعاون الآن في وضع نظام جديد للنقل داخل مدينة «6 أكتوبر»، ولو تمكنا من استبدال النقل العام فيه إلى الكهرباء، فإننا سنحدث نقلة غير مسبوقة.
■ ما المدة الزمنية المتوقعة للتنفيذ؟
- أتوقع أنها ستكون ما بين عام إلى عام ونصف بعد أن ننتهى من الدراسات كاملة. وبعد أن نقدم «الحوافز»، ثم نبدأ في الاتفاق مع الشركات الراغبة في دخول هذه السوق، وماهو التدرج الزمنى؟ وهل سنبدأ بالاستيراد لمدة ما ثم نتجه إلى التصنيع داخل مصر؟ كلها أسئلة ما زالت مطروحة للنقاش والدراسة..
■ مكامير الفحم النباتى تغولت بشكل كبير ووصل عددها خلال السنوات الأخيرة إلى ما يقرب من 12 ألفا مما يهدد البيئة لتلويثها للجو لحرقها للأخشاب بشكل مكشوف.. إلى أي مدى تتحملون مسؤولية هذا الملف رغم تبعيته للمحليات.. وماهى خطتكم؟
- سياستنا التي نسير عليها، هي أننا لن نقف عاجزين أمام مشكلات تتعلق بتلوث الهواء أو المياه بحجة أننا غير مسؤولين!
■ مثل ماذا؟
- هي مشكلة حكومة ونحن جزء من هذه الحكومة. نحن نعمل دائما في إطار عمل مؤسسى واحد. وسأعطيك مثلاً في قضية قش الأرز الوزارة تتحمل هذه القضية في الوقت الذي يوجه فيه الإعلام انتقادات لنا بسبب إزالة المخلفات، وهو لا يعلم حقيقة القوانين التي تنظم ذلك من حيث الأسس والمسؤوليات!
■ بمعنى..؟
- دعنى أتحدث بصراحة.. هل تتوقع أن أخرج كمسؤول لأقول «ده مش أنا.. ده اللى جنبى».. نحن نتحرك في إطار المسؤولية السياسية، فعندما كانت هناك مشكلة القمامة في الإسكندرية لم نتوقف وتحركنا، وكذلك الموقف بشأن شحنة المبيدات السامة بأحد الموانى لم نقل إنها مسؤولية غيرنا. نحن نتحرك من منطلق مسؤولية جماعية..
■.. نعود إلى «مكامير الفحم»..
- هذا الملف على وجه التحديد أعتبره من أكبر الملفات التي حققنا فيها تقدماً كبيراً. فمنذ أكثر من خمسة عشر عاماً، كان هم وزير البيئة هو استقبال جمعيات الحفاظ على البيئة الموجودة بالقليوبية على وجه التحديد للشكوى الدائمة من «مكامير الفحم» وتأثيرها على صحة المواطنين في القرى، بينما يلتقى أيضا بجمعيات منتجى الفحم النباتى الراغبة في تقنين أوضاعها. وتجد القرية الواحدة منقسمة مابين «راغب ومقاوم»، وكانت مهمة البيئة في ذلك التوقيت هي «المطاردة» بالتعاون مع المحليات بأن نزيل الحفر، ولكن بعد أيام تجد حفرا أخرى في أماكن أخرى!..
■ وماذا فعلتم؟
- قبل الانفلات الأمنى كنا نتحدث عن ألفين من المكامير، ارتفع العدد إلى 12 ألفا.. وهنا أمام هذا الاستفحال، كان الأمر يقتضى أن نتدخل بالدراسة الكاملة للموقف، فوجدنا أن 70 % من الفحم النباتى المنتج يتم تصديره. إذن نحن نلوث بيئتنا لنصدر لدول أخرى كى لا تتلوث بيئتها!.. ومن هنا تدخلت الحكومة، وتم الاتفاق مع وزارة الصناعة على عدم السماح بالتصدير من المصانع غير المتوافقة بيئياً. وهنا اختلف الموقف تماما.. «مين يجرى.. ورا مين؟».. أصبح المنتج الآن مطالبا بتوفيق أوضاعه البيئية وإلا لن يستطيع التصدير.. وخصصت الحكومة «شباكاً واحداً» شاركت فيه معنا 4 وزارات هي الزراعة والرى والمحليات والصناعة، وصدر قرار رئيس مجلس الوزراء في هذا، واتجهنا إلى تحديد نماذج لهذه المكامير بحيث تخضع للمواصفات والمعايير الصناعية حسبما يرغب المنتج، بل إن الفكرة عموماً تضمنت منح المنتج قرضاً بنسبة 20 % من التكلفة في حالة الموافقة على توفيق أوضاعه.. وكانت النتيجة أن بدأت تحدث هناك عمليات لتوفيق الأوضاع، وهنا نعتبر ذلك نجاحاً وبنسبة كبيرة..
■.. وما هو عدد المكامير الآن؟
- تقريباً.. تقدم نحو 6 آلاف لتوفيق أوضاعهم، وقبلت المحافظات نحو 300 منهم، وأصبحوا خاضعين للمعايير والمواصفات.. والبقية في طريقها للحل، لأنه ليس أمامه سوى.. توفيق الأوضاع. كما أننا في سبيل تجهيز منطقة متكاملة لهذه الصناعة، وكذلك المخلفات النباتية والطبية وغيرها، في منطقة «كوم أوشيم» بالفيوم، وتم تخصيص الأرض لهذا الغرض.
■ تحدثت على مدى سنوات عن إنشاء هيئة متخصصة ومستقلة لإدارة منظومة المخلفات والقمامة على أن يكون عملها من خلال المحليات بينما يكون دور الوزارة هو الإشراف الفنى فقط ووضع خطط للتطوير.. هناك جديد طرأ قبل أسبوعين في الاجتماع الذي عقد بينكم ووزراء الإنتاج الحربى والمحليات وقطاع الأعمال، يتعلق بـ«قانون إدارة المخلفات» الذي سيتم عرضه قريبا على مجلسى الوزراء ثم النواب.. ماهى ملامح هذا القانون؟
- ما يحدث الآن هو استمرار للمساعى التي بدأت قبل 5 سنوات، بإنشاء كيان منظم لإدارة المخلفات، هي مشكلة تواجه الحكومة وكلنا مطالبون بمواجهتها وحلها. ونحن- كوزارة بيئة- لن نسكت إلا عندما تتعاون كافة الأجهزة معنا في هذه القضية.
■ كيف؟
- في كل دول العالم هناك «جهاز منظم»، وهناك- أيضاً- شركات تعمل تحت إشراف هذا الجهاز. نحن ليس لدينا هذا الأسلوب، كله على عاتق المحليات تتعاقد وتنفذ وتشرف..
■.. وتفشل!
- لا يمكن الحكم بالفشل على الكل.. هناك فشل ونجاحات ولكل أسبابه. ولكن كما يقال في المثل الشعبى «اطبخى يا جارية.. كلف ياسيدى»..
■ بمعنى..؟
- أننا يجب أن نُكلف لكى نخرج من هذه الدائرة، حتى ننتقل بالفعل إلى نطاق الدولة المتحضرة. وهنا كان قرار رئيس مجلس الوزراء بإنشاء جهاز للمخلفات. ودائماً ما يكيل الناس الاتهامات لهذا الجهاز، وهم لا يعلمون أنه «جهاز منظم» وليس مهمته رفع القمامة! مهمته وضع القواعد والسياسات وطرق التمويل وغيرها.. ومراقبة التنفيذ.. وكانت مهمة وزارة البيئة هي تدعيم هذا الجهاز بقانون على أن يكون هو المراقب، والمنفذ هو الشركات سواء قطاع خاص أو عام أو مشترك.. وهنا ضرورة من جانب الدولة بأن تلتزم برعاية المنظومة كاملة.
■.. وماذا عن التكلفة؟
- وزارة المالية ستكون المسؤولة عن تحصيل الموارد المالية، بينما تشرف «التنمية المحلية» على ذلك.. هناك دور محدد لكل جهة..
[image:5]
■.. وما هي ملامح القانون؟
- حتى الآن تمت مناقشة مسودتين.. والمسودة الثالثة سيناقشها مجلس الوزراء قريباً. وملامحه ستتضمن الرسوم ومصادر التمويل ومسؤولية كل جهة..
■ معنى ذلك أن الدولة ستتخارج تماماً من المنظومة..؟
- التعاقد سيكون بين الشركات والمحليات، والجهاز مهمته الإشراف والرقابة وتحديد الشروط للمواصفات. وهنا الهدف هو فصل جهة التعاقد عن المراقب.. فكرة التعاقد ستتغير تماما وإلا تعددت الجهات، وبحيث تكون هناك شركة تتولى المهمة كاملة للمنطقة مثلاً.. هو جهاز ضخم ومهامه كبيرة..
■ ما هو الشكل المتوقع لهذه الشركة- أو الشركات- لإدارة المخلفات.. وماهو الموقف من «جامعى القمامة»؟
- هي شركة قابضة سيتم تشكيلها لتدخل السوق مع شركات أخرى. وهى لن تحتكر ولكنها شركة أموال، ويتم على أساسها إنشاء شركات مساهمة بعدد المحافظات، ولن نجبر الشركة على شىء، فهى صاحبة الاختيار للمحافظة ووسيلة معالجة المخلفات وفى المقابل ستحصل على مستحقاتها المالية. وعلى الجانب الآخر يمكن لهذه الشركة أو الشركات أن تتحالف مع جامعى القمامة، وهنا فإننا لم نخرج جامع القمامة من المنظومة بل هو أساس في كراسة الشروط والمواصفات. هذه المنظومة كاملة ستحدث نقلة كبيرة في العملية بأكملها إلى أن تصل إلى مرحلة صناعة «تدوير القمامة»..
■ هل ستكون هناك مصانع تدوير في كل محافظة؟
- بالطبع.. في كل محافظة سيكون هناك مصنع للتدوير ومدفن صحى.. وسنراعى البعد الجغرافى فيما يتعلق بتكلفة النقل..