قلعة عريقة من قلاع الرياضة المصرية.. ومصنع للرجال والنجوم الأفذاذ الذين أثروا البساط الأخضر، ورفعوا اسم بلدهم وناديهم فى شتى المحافل. مشوار البطولة يعود إلى عام 1911، عندما بدأت الفكرة بإقامة ناد يستوعب الطبقة العريضة من المصريين ومعهم كذلك الموظفون الأجانب الذين ليس بإمكانهم الانضمام للأندية الأخرى لممارسة أنشطتهم الرياضية ولقضاء أوقات فراغهم. وبدأت الفكرة تكبر عندما تتردد على ألسنة الوطنيين من أبناء البلد ومعهم بعض الأجانب، وتحمس لها البلجيكى مرزباخ، المستشار الأجنبى فى المحكمة المختلطة وقتذاك، وبدأ «مرزباخ» يفكر فى وسيلة تجمع أعضاء الجالية البلجيكية ليتعارفوا ويتبادلوا الأحاديث، ولم تكن هناك وسيلة أفضل من ناد اجتماعى ورياضى يلتقى فيه الجميع، وبدأت بالفعل خطوات إنشاء النادى مكان كازينو النهر حاليا قريبا من ثكنات قصر النيل، وكانت تلك الثكنات أكبر معسكر للجيش الإنجليزى فى الشرق الأوسط، وأطلق «مرزباخ» على النادى الجديد اسم قصر النيل، وكانت الحرب العالمية لاتزال فى بداياتها والرياضة المصرية كلها كانت لاتزال فى سنواتها الأولى، وكان يسيطر عليها ويديرها اتحاد مختلط يحكمه أجانب لا يسمحون بوجود أى مصرى بينهم.. والزمالك فى ذلك الوقت لم يكن سوى ناد صغير ليس فيه أو ينتمى إليه إلا عدد قليل جدا من المصريين، وكان النادى عبارة عن صالون اجتماعى تلتقى فيه عائلات الأجانب تتبادل الحوار، وملاعب للتنس، وكان من الواضح أن النادى الجديد لم يكن يرضى كبرياء الأجانب البلجيكيين. وظل «مرزباخ» يبحث عن أرض جديدة يقيم فوقها ناديا أكبر من نادى قصر النيل حتى عثر بعد عام واحد من تأسيس النادى على أرض جديدة فى قلب القاهرة فى شارع فؤاد شارع 26 يوليو، مكان مبنى دار القضاء العالى حاليا. ولم يعد من المناسب الاحتفاظ بالاسم القديم «قصر النيل»، فلم يعد النادى يسكن ضفة النيل، كما أشار حنفى بسطان فى كتابه «الزمالك..
حكاية وتاريخ»، وهكذا قرر «مرزباخ» اختيار اسم جديد للنادى وهو «المختلط» لأن أعضاءه كانوا من جنسيات مختلفة والبعض نسب الاسم إلى المحاكم المختلطة، ثم أجريت أول انتخابات لمجلس الإدارة وتولى «مرزباخ» رئاسة المجلس. وفى عام 1913 تأسس أول فريق كروى بنادى المختلط وبدأ هذا الفريق الجديد يشارك فى المسابقات التى كانت تقام فى ذلك الوقت، ولكن كان الفريق متواضع المستوى ومقدرا له أن يبقى طويلا من فرق الدرجة الثانية أو الثالثة، لولا قرار مرزباخ رئيس النادى بفتح الباب أمام المواهب الكروية المصرية لتنضم لفريق الكرة، بشرط ألا يكون للمصريين الحق فى الحصول على عضوية النادى العاملة التى لاتزال حتى ذلك الوقت مقصورة على الأجانب، ثم تولى رئاسة النادى أجنبى آخر وهو بيانكى الإيطالى وفى تلك السنوات ازدادت مدينة القاهرة ازدحاما وضجيجا فاضطر النادى المختلط إلى الرحيل مرة ثانية إلى ضفاف النيل، متوجها إلى مقر آخر أكثر اتساعا على النيل وهو موقع مسرح البالون حاليا بالعجوزة. وفى ذلك الوقت كان هناك لاعب مصرى عظيم اسمه حسين حجازى قد أسس فرقة كروية خاصة به اسمها «إلفين (11)» وبدأت هذه الفرقة تلاعب القوات البريطانية وليس لهم ناد خاص يجمعهم ويمنحهم كيانا وصفة رسمية، وهنا فتح نادى الزمالك أو المختلط أبوابه لهؤلاء المصريين المتحمسين وهذه الخطوة شجعت على إقبال كثير من المصريين للانضمام لهذا النادى الجديد، وكان التحاق هؤلاء اللاعبين بالزمالك خطوة مهمة على طريق تمصير الرياضة المصرية..
وتكون الفريق من أجانب ومصريين منهم الضابط حسن فهمى إسماعيل، وموظف التلغرافات عبده الجبلاوى والفلاح محمود بسيونى وموظف التنظيم نيقولا عرقجى وموظف وزارة الأشغال إبراهيم عثمان، وكثيرون غيرهم. ويذكر كتاب «الزمالك.. حكاية وتاريخ» أن التاريخ سيبقى شاهدا على حسين حجازى، ذلك الرجل الذى قام بثورتين: الثورة الأولى أعادت نادى الزمالك والثورة الثانية صنعت من نادى الزمالك مدرسة للفن واللعب وكرة القدم، وبالرغم من ذلك لم ينشغل حسين حجازى طويلا فى حجز مقعد لنفسه فى قطار النجوم، كان كل ما يشغله هو نادى الزمالك وهذا ما دفعه إلى أن يطوف مدارس مصر الثانوية ليفتش عن لاعبين جدد ينضمون إلى النادى المختلط فى ذلك الوقت، وبهؤلاء التلاميذ لعب حسين حجازى أمام الأهلى عام 1928 وفاز التلاميذ على الأهلى وكان أول مرة يرتبط فيها اسم الزمالك بلقب المدرسة ولكن لم يولد الهتاف التقليدى رغم ذلك ولم يكتمل إلا فى عام 1952 عندما باع الزمالك 20 شجرة بألف جنيه وأعطاها لأحد المقاولين ليبنى مدرجات جديدة.. فاكتمل بذلك الهتاف التقليدى لأول مرة وأصبح يا زمالك يا مدرسة لعب وفن وهندسة.
وكانت نقطة التحول فى تاريخ النادى عندما تولى يوسف محمد أول حكم كرة قدم مصرى يشارك فى نهائيات كأس العالم منصب سكرتير عام النادى، بدلا من نقولا عرقجى، حيث التهبت المشاعر الوطنية وتولدت فكرة عند أعضاء النادى أن يجعلوا ناديهم كما أرادوه معقلا للوطنية، فقررت الجمعية العمومية بالإجماع طرد الأجانب نهائيا، خاصة أن أرض النادى ملك للحكومة المصرية وأن مدة الإيجار انتهت ولم يجددها أحد والنادى ليس له حسابات ولا أرصدة فى البنوك وليس هناك قانون مطبوع للنادى، بالإضافة إلى مجلس الإدارة الأجنبى وبهذه النقاط بدأت المعركة للتمصير. واختير د.محمد بدر، رئيسا للنادى، ومصطفى حسن وكيلا وإبراهيم علاء أمينا للصندوق، وكان ذلك عام 1917م. وتطوع عشرون رجلا من أبناء بولاق لحراسة وحماية نادى الزمالك والحفاظ عليه وعلى مصريته ورغم تدخل وزارة الداخلية ومستشارها الإنجليزى والسفارات الأجنبية بمصر لم يتراجع المصريون ونجحت أولى معارك تمصير الكرة المصرية.. وخلال هذه الفترة نال الفريق شرف إحراز الكأس فى دورتها الأولى عام 1922، وصام الزمالك بعد ذلك عشرة أعوام أخرى حتى استعاد لقبه عام 1932 وعرف فى تلك الفتشرة الممول الأول للفريق مختار فوزى الذى كان يمول مواسم الاستقالات والانتقالات من جيبه الخاص فقد كان شقيقه محمد عبدالله من أكبر تجار مصر فى ذلك الوقت، ثم تولى الفريق محمد حيدر باشا، رئاسة النادى، وكان كومندان السوارى خلال ثورة 1919، بعد إلحاح من يوسف محمد وكان مسؤولا هو وزميله محمد السيد عن إدارة النادى، عندما كان مقره فى الموقع الحالى «دار القضاء العالى». وبفضل حيدر باشا وقدراته القيادية استطاع أن يكمل مسيرة تمصير الزمالك بعد أن كان مزيجا من المصريين والأجانب.. وبعد أن تخلصوا من الأجانب نهائيا جاء الدور على اسم النادى واختير أن يكون الاسم الجديد على اسم «الملك فاروق»، وهنا يوضح محمد ياسين فى كتابه «الزمالك البطل» أنه اختلفت روايات التاريخ، يقول البعض إن الملك فاروق أمر بتغيير اسم النادى من المختلط إلى فاروق، والبعض الآخر يؤكد أن الملك..
وهو يقلد لاعب المختلط ميداليات الذهب.. أشار إشارة عابرة إلى ضرورة تغيير اسم النادى إلى أى اسم آخر بدلا من المختلط بعد أن رحل الأجانب عن النادى وزال عصر المحاكم المختلطة.. فقرر مجلس إدارة النادى إطلاق اسم «فاروق» على النادى، وهناك رواية ثالثة تقول إن إطلاق اسم فاروق على النادى كان مبادرة من مجلس إدارة النادى تقربا للملك ويروى البعض أن اهتمام الملك فاروق بالنادى يرجع لصلة النسب بينه وبين إسماعيل شيرين زوج أخته الإمبراطورة فوزية وحيدر باشا زوج عمة إسماعيل شيرين وكان لذلك أثره أيضا فى تعاطف الملك وتحيزه للزمالك.. فكان يحضر بصفة دائمة الحفل الذى يقيمه النادى سنويا بدار الأوبرا وكان الملك يطلب دائما أن تكون فرقة الريحانى هى التى تحيى الحفل لأنه كان يحب الكوميديا.
وإذا كانت ثورة يوليو أطاحت بالملك فاروق فتغير اسم النادى من فاروق إلى الزمالك.. فإنها فى المقابل أطاحت أيضا بالفريق محمد حيدر، وزير الحربية، ورئيس النادى، ليجلس المحامى محمود شوقى على مقعد الرئاسة.. ولكن سرعان ما تبين أن محمود شوقى ليس هو الرجل المناسب وهكذا تقرر البحث عن مليونير يقبل رئاسة الزمالك، رجل بإمكانه تمويل الحلم الأبيض الطامح والطامع وقد نجح عبدالحميد الشواربى فى تولى مقعد الرئاسة وأصبح رئيسا للنادى ولكن بعد ثلاثة شهور فقط لم يقتنع الشواربى بحكاية المركز الأدبى والوجاهة الاجتماعية كرئيس لنادى الزمالك ولم يفرح طويلا بالمقارنة بينه وبين المليونير أحمد عبود الجالس على مقعد رئاسة النادى الأهلى، ولم يجد المسؤولون عن نادى الزمالك أمام تلك الورطة حلا سوى أن يسندوا رئاسة ناديهم مرة أخرى إلى المحامى محمود شوقى ثم تولى المليونير عبداللطيف أبورجيلة الرجل الذى يملك كل وسائل النقل فى مدينة القاهرة..
والذى نجح فى الحصول بعد معاناة طويلة على لقب أغنى أغنياء مصر وبدأ عهد جديد فى النادى وبعد سنوات قليلة من الانتقال إلى ميت عقبة عادت إلى الزمالك سلطته ونفوذه وأصبح واحدا من مراكز القوى الكروية والاجتماعية والسياسية والعسكرية فى مصر، وجاء حسن عامر، شقيق المشير عبدالحكيم عامر، ليجلس على مقعد رئاسة النادى، وتصبح المرة الأولى التى يعتمد فيها النادى على ثروة الرئيس وكان ذلك عام 1962 وينسب له إضافة 19 فدانا لمساحة النادى لتصبح 35 فدانا. سيبقى الزمالك دائما قلعة للبطولات ومصنعا للرجال والنجوم الأفذاذ الذين أثروا البساط الأخضر بعطائهم اللامحدود وإخلاصهم.