رفض جمال عبدالناصر، الثائر والرئيس، أن يسكن فى أحد قصور المَلَكية ليتخذ من بيت متوسط كان يقطنه أحد الجنرالات الإنجليز سكناً له، وقرر أن يحكم من خلاله مصر ويكون قائداً للأمة العربية التى حارب كثيراً لتكون القومية العربية خط الدفاع الأول عنها، لكنَّ أموراً عديدة حالت دون أن تتبلور الفكرة رغم أنها كانت قيد التنفيذ إبان الوحدة مع سوريا.
المنزل الذى حرصت الدولة على تحويله إلى متحف ليكون شاهد عيان على تاريخ زعيم بحجم جمال عبدالناصر يضم نياشين وأوسمة ذهبية وفضية وعلب سجائر كوبية؛ فعلى مسافة 50 متراً من بداية أول شارع الخليفة المأمون يقع المتحف الذى تحولت تبعيته إلى رئاسة الجمهورية ثم لوزارة الثقافة بهدف تحويله لمتحف قومى لتأريخ المرحلة الناصرية.
وحرص المهندس كريم الشابورى، مصمم المتحف، على أن يحتفظ بمعالمه دون تغيير واضح حتى يشعر الزائر بأنه يعيش فى منزل ناصر الذى كان يستمع إلى خطاباته؛ ففى القاعات الداخلية للمتحف هناك فى الطابق العلوى الصالون ومكتب الرئيس وغرفة النوم والحمام والمعيشة.
ويمر المتحف بـ3 مراحل تبدأ من الباب الخلفى المجاور للحديقة التى كان يجلس فيها مع أبنائه وأحفاده، ومن ثم ينتقل الزائر إلى مسار الدور الأرضى الذى تم تخصيصه لعرض ما كانت عليه مصر قبل قيام ثورة 1952 وكذلك الأحداث السياسية والاجتماعية التى عجَّلت بقيام الثورة، ثم يمرُّ الزائر بمسارات يتعرف فيها على أبرز ما حدث فى تلك الحقبة من تغيرات سياسية ومواقف داخلية ودولية وإقليمية تتضمن نكبة فلسطين وبداية الثورة وبيانها والجلاء وتأميم القناة والوحدة مع سوريا والحرب، وكذلك رؤية الصور مع زعماء ودول العالم، انتهاءً بمشهد جنازة حبيب الملايين.
وتضمُّ الغرف المخصصة للمقتنيات الشخصية لـ«ناصر»: الملابس العسكرية والمدنية ونياشين وأوسمة تم إهداؤها من أسرة ناصر، وحرصت الدكتورة هدى ابنته على الاحتفاظ بتلك المقتنيات من أجل عرضها فى متحف يشهد عليه التاريخ، كما حرص مصمم المتحف على توفير 16 شاشة فى ممرات المتحف تستعرض الفيديو الأول لجلاء القوات البريطانية عن مصر وخطاب تأميم قناة السويس والوحدة مع سوريا والتنحى، انتهاء بالجنازة، مع موسيقى أنشودة الوداع.
كما أن المتحف له سور مكشوف وجراج للسيارات، وتم تحويل مبنى العيادة الخاص بالطوارئ لمكتبة بجانب المدخل.
ومن أبرز النياشين والأسمة التى حازها الزعيم: وسام الكلية الحربية وهو من الذهب، ووسام بركة كنيسة أنطاكيا عبارة عن صليب ونسر مزدوج، ووسام الشرطة، وووسام باراجواى من الرئيس ماريسكال فرانسيسكو سولانو، ووسام برافدا الروسى، وقلادة عبارة عن 11 نجمة، وطبق شركة السد العالى، ووسام يوغسلافى، ووشاح موف مُرصَّع بالماس، ووسام تايلاندى عبارة عن صليب أحد وجهيه أبيض والثانى أبيض فى بنى، ووسام البرازيل، ووسام سبأ اليمنى، ووشاح جمهورية توجو، ووسام روسيا بصورة لينين، ونجمة فؤاد الأول، ومبسم سجائر من العاج الذهبى وساعة مكتب سيمكا سويسرية مهداة من الجيش الأمريكى، ورمز تذكارى من الفضة بمناسبة مرور 25 سنة على جلوس الملك الحسين على العرش وعملات تذكارية فضية ومفتاح مدينة تعز وعصا من العاج تحتوى علم أفريقيا ومبسم سجائر هدية من الإمبراطور الإثيوبى هيلاسلاسى من العاج والذهب وسيف من الذهب والفضة مطعَّم بفصوص ماس هدية من الملك فيصل وخنجر من الذهب والعاج وعلبة سجائر خشبية من الرئيس الكوبى.
وقالت الدكتورة هدى عبدالناصر، أستاذة العلوم السياسية، إن تحويل منزل والدها بمنشية البكرى إلى متحف توثيقٌ لتلك الفترة التاريخية المهمة بالنسبة لمصر والعالم العربى.
وأضافت فى تصريحات لـ«المصرى اليوم» أن البرلمان المصرى عقب وفاة عبدالناصر بادر بتلك الفكرة ليضم مقتنياته، كما أبدى الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى رغبته فى زيارة المنزل عقب وفاة والدتها فى بداية التسعينيات من القرن الماضى، وانزعج من منظر المنزل الذى امتلأ بالأتربة فتبرع بمبلغ من أجل المساعدة فى تحويله لمتحف.
وأكدت «هدى» أن الأسرة سلمت جميع متعلقات «ناصر» باعتبارها ملك الشعب المصرى والعربى وليست ملكاً لأسرته الصغيرة، موضحة أن والدها كان حريصاً على اللعب مع أطفاله سواء تنس الطاولة أو كرة القدم أو الشطرنج فى حديقة المنزل، كما كان دائماً مشغولاً بالقراءة. ولفتت إلى أن الحياة فى المنزل كانت مثل أى منزل يتسم بالبساطة، لكنه كان مليئاً بالضباط والوزراء والزائرين، لكن والدها لم يكن بعيداً عن السؤال عن مستوى أبنائه الدراسى والتعليمى، قائلة: «عندما كنا نرى ضابط المراسم غير موجود كنا ندخل عليه ويستفسر منا عن أحوال الدراسة».
وقالت نادية أحمد كامل، مدير المتحف، إن المتحف مفتوح يومياً للزوار من 10 صباحاً حتى 3 عصراً، عدا الاثنين والجمعة، باستثناء ذكرى الميلاد والوفاة، موضحة أن المتحف زاره منذ افتتاحه فى سبتمبر 2016 حتى سبتمبر الماضى أكثر من 5 آلاف زائر.
وأضافت «كامل»، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»، أن هذا العدد ضعيف مقارنة بالمتاحف الدولية، حيث لا توجد دعاية كافية. وأكدت أن المتحف الذى افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى زارته حرمه انتصار السيسى بصحبة 17 زوجة وزير فى الحكومة المصرية.
وأكدت أن دخول المتحف بالمجان، مؤكدة أن هناك شخصيات رفيعة من لبنان واليمن وبعض الدول العربية زارته.