x

سحر الجعارة الفئران تلتهم أدب «إحسان» سحر الجعارة الأربعاء 10-01-2018 21:23


إحسان عبدالقدوس «ليس مجرد اسم عابر في تاريخ الأدب، إنه الرجل الذي غيّر مسار المرأة المصرية وفتح لها أبواب الحرية بأجرأ رواياته «أنا حرة».. من إحسان «تعلمت أن المرأة إنسان» وليس مجرد جنس يسير على قدمين، وأدركت أن «العلم» هو سلاح النساء في مواجهة الفقر والانحراف والإتجار بالبشر.. وأن «عمل المرأة» هو حق وليس منحة من أحد وهو دليل على مدى تحضر المجتمعات.. مع كل رواية لإحسان كنت أعيد اكتشاف ذاتى وقدراتى.. وكلما جرفتنى السياسة إلى معارك لا تنتهى كنت أعود، وكأنما تخطفنى «النداهة» لأقرأ كلماته وأرى بطلاته يتجسدن بالكلمة، فأدرك «سحر الأدب» وقدرته على تغير العالم.. بدون حروب أو نزاعات أو إرهاب.. كنت أدخل عالمه مبهورة وأخرج- كل مرة- بحياة جديدة أمدتنى بها حروفه العبقرية.

ويمثل أدب «إحسان» نقلة نوعية متميزة في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية وترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة.. لأنه كان يعالج قضايا «اجتماعية» في المقام الأول حتى لو كان «الجنس» طرفا فيها، باعتباره محركا للأحداث كما رأينا في رواية «الطريق المسدود»، التي تحولت إلى فيلم.. فهو صاحب النصيب الأكبر في تحويل قصصه وروايته إلى أفلام سينمائية ومسلسلات.

لست بصدد الدفاع عن «أدب إحسان»، لأن من لم يقرأ له قد غرق بالضرورة في دوامة الفتاوى الشاذة والمتطرفة، وانغمس في الحديث عن (وطء البهيمة ونكاح المتوفية ومفاخذة الطفلة).. فلن يشعر بالكارثة الثقافية التي تمت في وزارة الثقافة المسؤولة عن «العقل المصرى»!.

أسرة الكاتب العملاق، وورثته «أحمد ومحمد» تسلما من دار النشر، التي كانت تتولى طباعة أعمال الأديب الراحل، 45 ألف نسخة من أعمال «إحسان عبدالقدوس».. وقررت الأسرة تقديم هذه الأعمال «مجانا» لإحدى الجهات كى تصل الكتب إلى المكتبات.. وبالفعل التقى «حلمي النمنم»، وزير الثقافة، وهو المثقف المعروف، بـ «أحمد عبدالقدوس»، نجل الأديب الراحل إحسان عبدالقدوس.. ورحب وزير الثقافة بمبادرة «ورثة عبدالقدوس» بإهداء الوزارة 50 ألف نسخة من مؤلفات الأديب الراحل، لإثراء المكتبات الثقافية التابعة للوزارة، وتعريف الجيل الجديد بالكاتب الكبير والأديب الراحل.

ثم وقعنا في فخ هو بمثابة «جريمة ثقافية»، لقد ردت الوزارة أو الوزير بأن هناك قواعد لاستلام الكتب والتبرع بها، وأنه يجب أن تشكل الوزارة لجنة لتقييم الأعمال المهداة.. هنا لابد أن «تلطم في صمت»، وتلعن البيروقراطية على الملأ.. ثم تطرح كل الأسئلة المشروعة.

من الذي يملك حق تقييم إبداع «إحسان عبدالقدوس»، وكيف ومن سيتولى التقييم؟.. مجموعة موظفين ربما لم يقرأ أحدهم كتابا في حياته؟.. وبأى معايير ستتم إجازة «نص أدبى» أو منعه؟.. وهل تملك وزارة الثقافة أصلا الحق في طمس الذاكرة الجماعية للفكر والأدب وحذف ما يراه «الموظف» مناسبا للعصر الذي تسود فيه ثقافة «داعش»؟.. والإبقاء على ما يراه «أخلاقيا منضبطا» مع تربيته وثقافته التي تتغلغل فيها أفكار التعصب والتطرف؟!.

أنا لا أرمى بالتهم جزافا، فقط أتساءل.. لقد قال «أحمد عبدالقدوس»، خلال الصالون الثقافي الخاص بوالده، والذى أقيم في نوفمبر 2017، تحت عنوان «التعليم ومستقبل العالم»، قال: (إنه تم تحريف أكثر من ٦٠ كتابا من كتب والده، نصاً ومضمونا، مما دفعه والأسرة إلى عمل تسوية مع دار النشر المتعاقد معها).. وأكد «أحمد»- بحسب جريدة «الفجر»- أن وزير الثقافة نفسه هو من نبهه لذلك، وبناء عليه ذهب إليه، وتم الاتفاق على تسليم الكتب لهم ولكن هذا لم يحدث حتى الآن، «الكتب أكلتها الفران»!!.

أكلتها فئران السلفية المتغلغلة في مؤسسات الدولة، والتهمتها القوانين أو اللوائح التي تنص على وجود لجان «تقييم»، أو بالأدق «لجان رقابة».. ولأننى أعرف الوزير «النمنم» جيدا، وأعرف أنه مهموم تحديدا بكنوز المكتبة المصرية التي تتآكل بفعل الإهمال والفساد و«أخونة بعض المؤسسات».. كان لابد أن يلغى بنفسه كل العوائق أمام توفير كتب عملاق بحجم «إحسان عبدالقدوس» للقارئ المصرى.. وأن يتولى بنفسه إلغاء كافة أشكال الرقابة على «الإبداع»، حسبما ينص الدستور!.

لقد ضاع تراث مصر السينمائى لأن ورثة المنتجين تاجروا به فانتقل من يد إلى يد في مزاد مفتوح لم تدخله «وزارة الإعلام» آنذاك حتى أصبحنا نتسول ذاكرتنا الفنية من الفضائيات الخليجية.. والآن يأتي ما أبدعه عقل «إحسان» على طبق من فضة إلى وزارة الثقافة مجانا.. لكنها تتركه ليغتاله مقص الرقيب.. لنظل ندور في دائرة الغيبوبة الفكرية دون بوصلة ثقافية!.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية