هذا هو الجزء الأخير من رسالة السيدة التى اكتشفت أن زوجها ملحد.
■ ■ ■ ■
«نسيت أن أخبرك أنه كان يقول لى إنه يتمنى أن ينجب أطفالا ملحدين مثله، ويورّثهم خبرته وفكره وإلحاده. وقتها حمدت الله أن طفلى مات، وعرفت أن الله اختار لى- ولطفلى- الخير، وتذكرت قصة العبد الصالح حين قتل الغلام لأنه كان يعلم- بعلم الله- أنه سيصبح كافرا. وإنه لأحب لى أن يموت خير له من أن يورده الهلاك هذا الأب الكافر الجاحد.
■ ■ ■ ■
المهم أنه ذهب للمأذون ونطق كلمة الطلاق، وكنا قد اتفقنا أن أبرئه من كل حقوقى وأنا أعلم أنى الفائزة. لا أكتمك أننى تركته وأنا به متعلقة، فقد كان أول رجل فى حياتى.
الحمد لله صار اليوم مجرد ذكرى. العجيب أننى- بعد طلاقى- ازدحم طلاب الزواج على بابى. وبالفعل منّ الله علىّ بزوج أحسبه على خلق ودين. وعلمت وقتها أهمية الدعاء (اللهم ثبت قلوبنا على دينك. اللهم لا تجعل مصيبتنا فى ديننا). هذه دعوات لا يعرف قيمتها إلا من جربها. أحيانا أشعر بالذنب وتأنيب الضمير لأنى لم أصبر عليه طويلا. لكنى كنت خائفة أن يجرفنى تيار الشكوك وأجدنى غريقة فى بحر الكفر والعياذ بالله. وقلت لنفسى إن ملحدا واحدا أقل ضررا من اثنين أو ثلاثة أو أربعة (لو أنجبنا).
■ ■ ■ ■
ورغم كل الحزن الذى أورثنى فمازلت أدعو له بالهداية. وأنصح كل من يرى فى نفسه النبوغ العقلى ألا يستعلى على الخالق. هو لم يكن يعلم أنه سيصبح ملحدا ولكنه انساق مع التيار. أذكر أنه عندما كان مع القرآنيين وجدته سهران على النت فسألته عما يصنع، فقال: «فيه واحد من الملحدين (ولاد الـ...) بأرد عليه».
تخيلوا! كيف انحدر من رد على الشبهات إلى الإلحاد نفسه!
■ ■ ■ ■
لقد دفعت ثمنا باهظا، ولكنى فزت بـ(لا إله إلا الله) التى لا تُقدر بثمن. مازلت أذكر حالى مع الله أيام البراءة الأولى. كم كنت أحبه من كل قلبى. كنت حين أصلى أرتدى أجمل ملابسى. وكنت أطيل السجود حتى أثير قلق أبى. ورغم ذلك كنت أشعر أن الصلاة تنتهى بسرعة!
كنت أحب خالقى من كل قلبى. وكان لدىّ يقين جازم أنه يحبنى، وإلا لما سمح لى بحبه. أيام كنت مع الله كنت أشعر أن الكون حضن كبير لى. كنت أراه فى كل شىء حولى. كنت أسمع تسبيح الكون فى صوت زقزقة العصافير وأذان الديوك وأنغام اليمام، أنشودة توحيد فائقة الروعة والعذوبة، تعزفها جميع الكائنات حولنا. شكل الهدهد الجميل الدال على خالق بديع، مرور السحاب وتساقط الأمطار ودموعى المنهمرة. وكنت أشعر بأشعة الشمس وهى تطبع على وجنتى قبلة دافئة. وكنت أعلم أن حب أمى لى وانفطار قلبها حين أبكى قبس من رحمته سبحانه.
كنت قليلة الكلام جدا، وأصابتنى عدوى الصمت التى ليتنى لم أبرأ منها. كان قلبى يفيض حبا على من حولى. أضع طعامى للقطط أمام المنزل، وأنظف إناء الماء الذى وضعته لها. وأساعد الفتيات فى حمل الأشياء الثقيلة. كنت أحب الله فأحببت جميع مخلوقاته. هذه كانت نفسى القديمة النظيفة قبل أن يتعلق قلبى بحب الدنيا، وأفقد براءتى. وحين تعلقت بحب البشر تلقيت جزائى. أنا بالفعل نسيت الله فنسيت نفسى. لكن الحمد لله أنه أعطانى القلب المنيب، الذى لا يستبدل أى حب آخر بحبه سبحانه وتعالى.
■ ■ ■ ■
(انتهت الرسالة).