كلما تغيرت خريطة الفضائيات، مع انتقال الملكية من رجل أعمال لآخر، أنتظر أن يتغير المحتوى، أن تكون الإدارة الجديدة واعية بأهمية «المضمون»، وألا تستهلك ميزانية القنوات في شراء المسلسلات للترفيه (أو الإلهاء).. حتى تسقط في بئر الديون، وتعجز عن أداء دورها في هذه المرحلة الدقيقة من عمر البلاد!.
في صفقة لم يتوقعها أحد، انسحب رجل الأعمال «أحمد أبوهشيمة» من المشهد الإعلامي تمامًا في مصر.. وقامت شركة إيجل كابيتال للاستثمارات المالية، والتي يرأس إدارتها «داليا خورشيد»، وزيرة الاستثمار السابقة، وزوجة «طارق عامر» محافظ البنك المركزي، بالاستحواذ على حصة «أبوهشيمة» في شركة «إعلام المصريين» للتدريب والاستشارات الإعلامية.. ولا أحد يعرف لماذا دخل «أبوهشيمة» مجال الإعلام ولماذا انسحب منه؟.
وحتى الآن الصفقة يكتنفها الغموض، رغم تصريحات «أبوهشيمة» بأنه يريد تنويع مصادر استثماراته داخل مصر وخارجها خلال الفترة المقبلة!.
ما يهمنى في هذا المقام هو المتغير الذي دخل سوق الإعلام، إذا جاز التعبير، فالأول: هو أن رئيسة مجلس الإدارة ذات مكانة رفيعة في مجال «الاستثمار»، فقد احتلت المركز الثاني في قائمة «فوربس ميديل إيست» لأقوى 10 نساء في القطاع الحكومي بالشرق الأوسط سبتمبر 2016، عندما كانت تتولى حقيبة الاستثمار.. وهو ما يعنى تغير مفهوم إدارة العملية الإعلامية وقيامها على أسس «الربح»، الذي يرتبط بالضرورة بالنجاح الجماهيرى.. وهنا قد يلتبس مفهوم «الربح» مع مفهوم «الرسالة الإعلامية».. وهى كما أفهمها رسالة تنوير وثقافة وفكر علاوة على الترفيه.
ثانيا: ما يجعلنى أراهن على نجاح المنظومة الجديدة لإدارة «إعلام المصريين»، هو تعيين المهندس «أسامة الشيخ»، الرئيس الأسبق لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، في منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة إعلام المصريين للتدريب والاستشارات الإعلامية.
و«الشيخ» له باع طويل في تأسيس القنوات داخل مصر وخارجها، قبل أن يعمل في «ماسبيرو».. وهو خبرة لا يستهان بها استطاع خلال فترة رئاسته لاتحاد الإذاعة والتليفزيون أن يحول المكان إلى «خلية نحل».. فهو يبحث عن الكنوز الفكرية لتقديمها إلى الجمهور بشكل مبسط.. يتمتع بجرأة اتخاذ القرار وتحمل تبعاته، ولا يباشر دور «الرقيب» لإطلاق مواهب المبدعين.
كان «ماسبيرو» في قمة ازدهاره حين كان «الشيخ» رئيسًا للاتحاد، تختلف أو تتفق مع تداعيات ثورة 25 يناير 2011، التي حاول البعض بعدها تجريد الرجل من إنجازاته.. لكن إنجازاته ستظل مسجلة باسمه سواء في القطاع الخاص أو العام.
هل نتوقع إذن إعلامًا يخوض معارك الوطن دون تردد، من الإرهاب إلى الفساد، إعلامًا ينشر الوسطية وينبذ التعصب والتطرف؟!، خاصة أن كيانًا مثل «إعلام المصريين» يحتكر العديد من الصحف منها اليوم السابع وصوت الأمة ومواقع انفراد وبرلماني ودوت مصر، إضافة إلى مجموعة قنوات أون تي في وشركات برزنتيشن للرياضة وشركات إنتاج سينمائي.. وكأن «أبوهشيمة» كان يسعى لاحتكار الإعلام المصرى ثم تراجع فجأة عن قراره.. فإن غابت الرؤية والموضوعية عن كيان بهذا الحجم، لن تكون الخسارة مادية بل ستكون كارثة على العقل المصرى.
نحن نخسر معركتنا الإعلامية يوم يتشابه علينا الأعداء، وتختلط المصالح الشخصية بالصالح العام.. نخسرها حين يتصدر المشهد الإعلامى منافقون وأفّاقون، لقد أصبح الإعلام (مرئياً ومكتوباً) مثل «حلقة زار» في غرفة مغلقة على مجموعة تخاطب بعضها البعض أو تتعارك سويا.. حتى اختار الجمهور لنفسه «الإعلام البديل» من وسائل التواصل الاجتماعى و«يوتيوب».
لقد مللنا توك شو «صراع الديوك» وبرامج «السحر والدجل»، ونشر ثقافة «الفضائح» وبرامج «التسول».. مللنا هيمنة «الإعلانات» على رسالة الإعلام، وفرض الوصاية على المشاهد بتلقينه فتاوى التطرف أو تغييبه ببرامج (5 مواااااه).. وفى ظل غياب «ماسبيرو» وغرقه في الديون والإهمال الإدارى.. يصبح الرهان على الإعلام الخاص الذي يهيمن الآن على قاعدة المشاهدين.
لم يعد استنساخ البرامج يجذب أحداً، ولا «الفورمات الأجنبية» المسروقة تسعدنا.. ولا الوجوه «المحروقة» لها مصداقية.. نحن ننتظر إعلاما يخاطب عقل المواطن ووجدانه ويعبر عن واقعه وأحلامه.. فهل يتحقق هذا؟.
أتمنى.