x

أيمن الجندي بولندا وحلايب أيمن الجندي الإثنين 25-12-2017 21:52


لدىَّ ولعٌ خاصٌّ بمشاهدة كل ما يتعلق بالحرب العالمية الثانية. ربما لأننى لم أصدق بعد أن أوروبا الخضراء الحسناء، أوروبا الباردة المتكبِّرة، كانت شعوباً من الهمج يدكُّ بعضه بعضاً، ويقتلون عشرات الملايين بلا رحمة. ضحايا الحرب يُقدَّرون ما بين خمسين وثمانين مليوناً، معظمهم من الأوروبيين! فإلى هذا الحد كان الأوروبى بلا قيمة.

■ ■ ■

واليوم أصبحت أوروبا كوكباً آخر! فانظر كيف يكون للإدارة الناجحة هذا الفارق المؤثر! مثالاً: الفارق المهول بين ألمانيا الشرقية والغربية قبل اتحادهما! مع أن الألمان هم الألمان. لكن كانت إدارة الشرق فاشلة، وإدارة الغرب ناجحة.

قِسْ على ذلك أحوال مصر: الشعب هو الشعب، لكن القائد إما أن يهوى ببلاده إلى الثرى، أو يرفعها إلى الذرى. وكانت حظوظ المصريين انحداراً يتلوه انحدار، وكل مرة نظن أننا وصلنا لقاع المنحدَر، حتى نعرف قاعاً آخر. مع أن المصريين إذا أُحسنت قيادتهم صنعوا المعجزات، شأنهم شأن أى شعب آخر.

■ ■ ■

ما الذى أوصل ألمانيا إلى النازية؟ معاهدة فرساى المُذلَّة عقب هزيمتهم فى الحرب العالمية الأولى، وشروطها المجحفة التى اقتطعت أجزاء من التراب الوطنى الألمانى، وفرضت التعويضات وتحديد الجيش، بل وصل بهم الإذلال أن يفرضوا عليهم تدمير طائراتهم بأنفسهم!

ضَعْ إلى جانب ذلك الأزمة العالمية المالية عام ١٩٢٩ التى أهدتها أمريكا للعالم، واحدة من هداياها المسمومة. أُغلقت المصانع، وصلت البطالة إلى ستة ملايين عاطل. انتحر آلاف الألمان يأساً وجوعاً. كانت الشوارع تموج بالعاطلين والجائعين. تخيَّل معى: ألمانيا التى تطعم أوروبا بأكملها، ألمانيا العظيمة ذات الإسهام المؤثر فى الحضارة الإنسانية، ألمانيا الخضراء التى تَهْمِى عليها الأمطار بغزارة طيلة العام، جائعة!!

■ ■ ■

وهكذا دفع اليأس الأمة الألمانية إلى اعتناق النازية فى جانب، والشيوعية فى جانب آخر، ثم كُتبت الغلبة للنازيين، وتبوَّأ هتلر مقعد الزعامة وأصبح حاكماً مطلقاً، فهل تعلمون ماذا حدث؟ استطاع هتلر - ويا للعجب - تحقيق أعلى نسبة نمو فى الاقتصاد الألمانى. أتصدقون أنه استطاع فى سنوات معدودات توفير وظائف لستة ملايين عاطل! شق الطرق، أنشأ المصانع، سلَّح الجيش، أصبحت ألمانيا فى خلال سنوات تُعدُّ على اليد الواحدة أعظم قوة فى أوروبا.

وكل أحلامه التى دوَّنها فى كتابه (كفاحى) راح ينفذها الواحد تلو الآخر. ضمَّ الأراضى الألمانية التى تم سلخها فى معاهدة فرساى، وإنجلترا تسترضيه وفرنسا خائفة.

■ ■ ■

لكن الذى أورده الهلاك هو طمعه فى بولندا. كانت واقعة بين عملاقين: الاتحاد السوفيتى شرقاً، وألمانيا غرباً. والغريب أن كلتا الدولتين كانت مساحتهما شاسعة. الاتحاد السوفيتى هو أكبر دول العالم مساحةً فما حاجته إلى قضم قطعة من بولندا؟ وألمانيا شاسعة خضراء مليئة بالموارد، فما سر جوعها المحموم إلى التمدُّد شرقاً؟

■ ■ ■

ذكَّرنى ذلك بحلايب، وما تفعله الحكومة السودانية من تأليب السودانيين على أشقائهم المصريين، مع أن نظرة واحدة إلى الخريطة تجعلك توقن أن حلايب وشلاتين هى - قولاً واحداً - أراضٍ مصرية. فالحدود الجنوبية لمصر هى خط مستقيم - كما المسطرة - يقع شمال خط عرض ٢٢، فبأى منطق يُسْلَخ هذا المثلث ليُضمَّ إلى السودان؟

وإننى لأتساءل: ما حاجة السودان أصلاً إلى حلايب ولديها مناطق شاسعة ساحلية مماثلة؟! ما سر تلك الرغبة الحارقة إلى ضم ما لا يملكونه وفى الوقت نفسه يهملون ما يملكونه فعلاً؟!

■ ■ ■

لعن الله كُلَّ من يؤلِّب بين الشعوب الشقيقة لأغراض سياسية ضيقة، ويحيا الشعب السودانى أخاً وصديقاً وحبيباً للشعب المصرى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية