شوارع دون أمن، ومواطنون دون زمان، هكذا عاش المواطنون فى بعض شوارع القاهرة على إيقاع «البلطجية»، ليس فقط أولئك الذين يسلبون أموال المارة، لِكنْ صنف آخر ظهر للشوارع بينما الشرطة لم تعد إلى الشارع بكامل قوتها. 5 أسر تحكى قصصا تصلح لأفلام الرعب، لكنها واقعية ولا أحد يعرف متى سوف تنتهى.
«كنت سامعها بتصرخ فى التليفون ومش قادر أعمل حاجة.. حسيت إنى مشلول»، هكذا بدأ والد إيمان عبدالحميد (20سنة) يحكى عن ابنته التى اختطفها مجهولون منذ 17 فبراير الماضى وسط غياب أمنى لكنه مع أسر أخرى، دفعوا الثمن كاملا. كانت إيمان تسير فى طريقها إلى أحد المعاهد بالمنطقة لحضور اختبارات الفصل الدراسى الأول وسط أجواء يملؤها الرعب، فلم يكن قد مر سوى 6 أيام فقط على تخلى الرئيس السابق حسنى مبارك عن السلطة، والقاهرة تبدو كأنها منطقة مهجورة، لا يظهر فيها ضابط، ولا تتحرك فى شوارعها دورية. قال الأب: «بعد ما خلص الامتحان قلت اتصل بيها، حاولت مرة واتنين وتلاتة لكن الموبايل كان مقفول». وأضاف الأب: «رجعت البيت وانتظرتها، لكن مارجعتش، دورت عليها عند كل أصحابها، كل القرايب، كل الجيران، سألت كل الناس اللى أعرفهم، رحت المستشفيات، حتى المشرحة دخلتها أدور فيها، وفى الآخر ماكنش فيه حل تانى، بلغت الشرطة. لكن الشرطة لم تعثر على أثر، فقد اختفت ولم يعد أحد يعرف لها طريقا. بينما كان الأب يحاول أن يعرف مصير ابنته، وبعد شهر من اختفائها رن جرس الهاتف ليضيف بعدا جديدا لمأساة الأسرة يوضحها الأب بقوله: «اتصل بيا واحد وهددنى إنى مش هاشوف إيمان تانى، ساعتها سمعت صوت إيمان بتصرخ ومابقتش عارف أعمل إيه حسيت إنى مشلول».
لم تختلف ظروف أمنية هانى (12 سنة) عن إيمان كثيرا، فالهم واحد، والفراغ الأمنى واحد أيضا، خرجت أمنية مع والدتها إلى السوق، لكنها لم تكن تعرف أن ما سوف يحدث سيدخلها وأسرتها فى دوامة لم تنته حتى الآن.
يقول والد أمنية «خطفوها فى عز النهار، كانت مع والدتها واتخطفت، وطبعا كالعادة لا فيه بوليس ولا يحزنون، ما هم سابونا البلطجية يعملوا فينا اللى عايزينه، ومع ذلك بلغناهم ونشرنا صورها فى كل مكان ومفيش فايدة، كل شوية حد يكلمنى ويقولى بنتك فى المكان الفلانى، وأروح ما ألاقيش أمنية، دلوقتى فات على غياب أمنية أكثر من 42 يوما خلاص تعبنا»، ولكن أسرة أمنية عثرت عليها وكانت تائهة فى الشوارع.
ليزا سمير، طالبة فى الثانوية التجارية عمرها 17 سنة، كانت هى الأخرى ضحية من ضحايا «الانفلات»، وقالت والدتها: «زى العادة، ليزا خرجت تروح المدرسة، ودى كانت آخر مرة نشوفها، انقطعت الاتصالات تماما، الهاتف المحمول مغلق، والأصدقاء والزملاء والأقارب لم يروها، عملت محضرا فى قسم الشرطة، وماحدش اتحرك، وبعدين لاحظنا إن الموبايل بتاعها ساعات بيشتغل، فاتصلنا على شركة المحمول، عشان يتتبعوا الخط، وماحدش سأل فينا ولا عملوا حاجة». تحمل والدة ليزا وزارة الداخلية المسؤولية عما حدث بقولها: «لو حصل لبنتى حاجة، الداخلية هى اللى مسؤولة قدامى عن بنتى، والفوضى دى هما السبب فيها.
قصة أخرى ترويها أسرة شيماء (15 سنة) التى خرجت إلى «درس خصوصى» فى الشارع نفسه الذى تسكن فيه بمنطقة عبده باشا بالعباسية، كان الوقت ظهرا تقريبا، لكن هذا لم يمنع اختطافها هى الأخرى. يقول والدها: «بنتى اختفت قرب البيت، الجيران شافوها وهى راجعة من الدرس، بس المصيبة إن المنطقة فيها بلطجية ومسجلين خطر، وبنتى مش أول بنت تختفى، فيه بنات كتير اتعرضوا للتحرش والاختطاف، طبعا ما هو ما فيش شرطة والداخلية بتعاقب الشعب». ذهب الأب إلى قسم الشرطة فتلقى إجابة وصفها بأنها غريبة للغاية بقوله: طالبونى بدليل مادى إن بنتى اتخطفت، طب دى أثبتها.
شيماء عادت أخيرا إلى منزلها، لكن أسرتها ترفض الحديث عن ظروف عودتها.
أما الطفلة غادة جمعة (12 سنة) فقد تركت الدراسة كى تساعد والدها حارس عقار، بمنطقة زهراء مدينة نصر وتقول جدتها «بقالنا 11 يوم بندور عليها، ومافيش فايدة، أبوها وأمها هايموتوا نفسهم من الحزن، كل يوم من طلعة الشمس، يطلعوا يدوروا عليها فى الشوارع، وراحوا الأقسام والمستشفيات، نشرنا صورها ومافيش حد دلنا على مكانها وإذا كانت عايشة ولا ميتة».