أعرب الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والرى، عن قلق مصر من توجه إثيوبيا للدفع ببدء ملء سد النهضة قبل اكتمال الدراسات الفنية، بغض النظر عن نتائجها، لافتا إلى ان هذا التوجه أبداه الجانب الاثيوبي خلال المفاوضات، مؤكداً أن مصر تجدد دعوتها للجانبين الإثيوبي والسوداني للقبول بالمقترحات التي قدمتها مصر لمراعاة شواغلهما، وبأن يتم الالتزام الحرفي بمستندات التعاقد الخاصة بالدراسات دون تجاهل دراسة أية مسأله مذكورة بها.
وأشار إلى أهمية التزام إثيوبيا بأن يكون البدء في الملء الأول للسد وتشغيله مستنداً إلى اتفاق يتم التوصل له بناء على نتائج التقرير النهائي للدراسات، وذلك تنفيذاً لما نص عليه اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين قادة الدول الثلاث عام 2015.
جاء ذلك خلال اجتماع «عبدالعاطي»، اليوم الخميس، بعدد من السفراء الأجانب والعرب والأفارقة المعتمدين بالقاهرة بمقر وزارة الخارجية، للإحاطة عن أخر التطورات الخاصة بملف سد النهضة.
وأوضح الوزير أنه لا صحة على الإطلاق لما تداولته بعض وسائل الأعلام عن أن مصر قد أوقفت مسار الدراسات الفنية الخاصة بسد النهضة، وأن واقع الحال هو أن مصر قد قبلت التقرير الاستهلالي الذي قدمه الاستشاري الفرنسي (شركة بي أر إل) عن الكيفية التي سيستكمل بها الدراسات، وأن إثيوبيا والسودان ترفضانه برغم التزامه بمستندات التعاقد المتفق عليها بين الدول الثلاث، مما يؤدي إلى التعثر الراهن في استكمال الدراسات.
أكد وزيرالرى أنه بالرغم من إلحاح مصر في المطالبة منذ مايو 2017 بعقد اجتماعات على المستوي الوزاري للبت في تعثر المسار الفني، إلا أن الجانبين السوداني والإثيوبي رفضا ذلك، مما تسبب في تعطيل الدراسات لفترة طويلة، وأكد أن كافة المواقف التي أبدتها إثيوبيا والسودان في الاجتماعات الأخيرة للجنة الفنية الثلاثية انتهاء بالاجتماع الوزاري المنعقد في القاهرة في نوفمبر 2017 جاءت متعارضة مع الأطر المرجعية المتفق عليها، كما رفضت إثيوبيا والسودان كل المقترحات التي قدمتها مصر لتجاوز شواغل الطرفين.
وأوضح «عبدالعاطي» أن أحد أبرز الإشكاليات التي واجهت المفاوضات هي إصرار إثيوبيا والسودان على مخالفة مستندات التعاقد، والتي تنص على سبيل المثال على أن أساس تحديد آثار وأضرار سد النهضة هو النظام الراهن لحوض النيل الشرقي بدون سد النهضة، غير أن إثيوبيا تريد انتهاك ذلك والادعاء بأن سد النهضة يتعين تضمينه ضمن هذا الاساس، بما ينافي أي منطق كما يناقض ما هو معمول به في كافة الدراسات المتعلقة بالسدود ذات الأثار العابرة للحدود، فضلاً عن تناقضه الواضح مع نص مستندات التعاقد. أما السودان فيريد انتهاك ذلك بالإصرار على إدارج استخدامات مستقبلية «مخططة» عند قياس النظام الراهن. وقد رفض السودان مقترح مصر بأن يستخدم بيانات حصته طبقاً لاتفاقية 1959 بحيث تدرج استخداماته المستقبلية المخططة في الشق الخاص بذلك من الدراسات.
كما أكد الوزير أن السودان واثيوبيا رفضتا أيضاً مقترحاً بعدم إستخدام البيانات التي ستقدم لإتمام الدراسات في أي سياق أخر وأن هذه البيانات لا ترتب أي تغيير في المواقف القانونية السابقة لأي من الأطراف فيما عدا في إطار تنفيذ الدراسات وتنفيذ إتفاق إعلان المبادئ، معرباً عن استغرابه من رفض السودان وإثيوبيا لهذا المقترح بالرغم من أنه يعالج الشواغل السودانية والإثيوبية، إذ سيؤدي المقترح المصري إلى عدم إمكان استخدام هذه البيانات ضد السودان في الهيئة الفنية المشتركة المعنية بتنفيذ إتفاقية 1959، حيث تقدر مصر أن السودان يستخدم حصته بالكامل، كما يؤدي المقترح المصري إلى عدم فرض أي تغيير على مواقف الدول الثلاث من إتفاقية 1959، استجابة للشاغل الإثيوبي.
وأوضح «عبدالعاطي» أن السودان وإثيوبيا أصرا في المقابل على أن البيانات التي ستستخدم لإجراء الدراسات لن ترتب أية حقوق أو واجبات بالمرة، كما لن تعني القبول بالآثر الذي سيتبين أن السد تسبب فيه بناء على إستخدام هذه البيانات، بما يعني التنصل مقدماً من أي نتائج للدراسات، وهو ما يفرغ الدراسات من مضمونها والغرض منها بالكامل.
ورداً على تساؤل عن مدي صحة ما أثير عن أن مصر رفضت موافاة الاستشاري المكلف بتنفيذ الدراسات بملاحظات الدول الثلاث على تقريره الاستهلالي؛ أكد الوزير أن ما كان مطروحاً من السودان وإثيوبيا هو تقديم توجيهات متعارضة من كل من الدول الثلاث إلى الإستشاري، وهو أمر غير منطقي، مشيراً إلى أن إثيوبيا أصرت على أن يتم توجيه الإستشاري بإجراء تعديلات على خطة عمله بحيث يتجاهل دراسة مسائل جوهرية منصوص عليها بوضوح في مستندات التعاقد، مثل دراسة آثار التملح الذي سيؤدي له سد النهضة من النواحي البيئية والإقتصادية والإجتماعية، وذلك في محاولة لإظهار وكأن سد النهضة لن تكون له آثار سلبية على مصر.
وذكر «عبدالعاطي» أن مصر هي دولة المصب الأخيرة على مجري نهر النيل، وأنها بالتالي الطرف الذي سيكون الأكثر تضرراً من إقامة مشروع هائل مثل سد النهضة على النيل الأزرق، دون إتفاق على كيفية تشغيله وملئه بناء على دراسات واضحة توضح آثارة المحتملة، بالتالي فقد كانت مصر هي الأكثر حرصاً عبر السنوات السبع الماضية منذ إعلان إثيوبيا الأحادي عن سد النهضة في عام 2011 على التعجيل بإتمام الدراسات الخاصة بسد النهضة في أقرب فرصة، وعلي ذلك فمن غير المنطقي بأي حال من الأحوال قبول أية ادعاءات بأن مصر هي التي تسعي إلى إبطاء العمل في الدراسات أو تعطيلها لأن هذا سيكون ضد مصلحتها بالكامل، منوها بأن الأقرب إلى المنطق أن تعطيل الدراسات يصب في مصلحة الطرف الذي يكرس يوماً بعد يوم أمراً واقعاً على الأرض في ظل استمرار عملية بناء السد دون دراسات.