x

أيمن الجندي غزليات فى حب الطبيعة أيمن الجندي الثلاثاء 19-12-2017 21:47


الأشجار المثمرة هى أروع وأجمل مشهد فى حياتى كلها، من الألف إلى الياء. أجمل من الحياة نفسها. مشهد شجرة مثمرة أرى فيها ربى.. لا يهمنى نوع الثمرة ولا طعمها.. فقط معجزة الخلق.. لحظتها أتجمد من الذهول وأحترق من اللوعة وأحسن الدهشة.. تبكى روحى دون دموع.. ويتوقف تنفسى وتشخص عيناى.. يا ربى! شجرة من الخشب مغروسة فى الطين.. كيف تنجب تلك الثمار الملونة المعطرة؟ وكيف يشك فى وجودك ولطفك إنسان تجليت له بالخلق والإحسان؟

■ ■ ■

متى أدركت- لأول مرة- أننى أحب الطبيعة حبا زائدا على الحد؟ لا أذكر تاريخا معينا، ولكن دائما كانت روحى ترتاح للأفق الأخضر. لكننى لم أكن أعلم بعد أنها أصلى وفصلى وراحتى وحياتى. كنت ألاحظ خفقة زائدة فى القلب حينما أرى زهرة.. كنت أتوقف دون قصد وأتأملها، حتى أوشك أن أمتصها بعينى.. كنت أكتشف أننى بدأت التسبيح بحمد ربى دون أن أقصد. فقط أستمع إلى لهج لسانى بتمجيد الخالق بعد مُضىّ وقت ليس بالقصير.

■ ■ ■

وانعقد فى ظنى أن الزهرة تسبيحة. هى فى الأصل عاشق خجول لا يعرف كيف يعبر عن حبه لربه، كيان رقيق ضربته صاعقة العشق الإلهى. قال الكيان الرقيق: «إلهى كيف أعبدك؟ كيف أعبر لك عما يفيض بذاتى من لوعة الحب؟ كيف أخبرك أننى أحبك أكثر مما أحب ذاتى؟».

جاءها الأمر بالسجود. حين سجدت تفتحت وفاحت الرائحة. لحظتها فقط عرفت أنها تحولت إلى زهرة. ولذلك فإننى أجزم أن كل وردة هى فى حقيقتها تجسيد سجود.

■ ■ ■

لاحظت أيضا بالتدريج أنى أفضل الزهرة الواحدة على جملة زهور.. لا أحب الباقات التى تفننوا فى تنسيقها. أشعر بلمحة صناعية فيها، وعندما أنظر إليها لا أشعر بشخصية الزهرة وسط أخواتها.. لكنى حين أبتاع زهرة واحدة أشعر على الفور بشخصيتها المنفردة.. أعرف أسرارها. باختصار، تخبرنى بكل شىء عنها، اللون لغة، والرائحة نداء للعشاق كى يقتربوا.

وعرفت من الزهور أحزان الزهور. هكذا أخبرتنى أن حياتها أقسى مما نتصور. هل تتخيل شعورها عندما تستنفد النحلة الرحيق وتكف عن رقصة الحب وتنصرف راضية، هل تستطيع أن تتخيل مشاعر الزهرة المهجورة؟.. ثمة لعنة للجمال لا ريب فيها.. تتوهج الزهرة بالزهو حتى تخال أنها الوحيدة بين الزهور.. بعدها بيومين تنطفئ وتذبل.

وقتها تغمرك الزهور الذابلة بحزن فظيع.. هذا هو أفظع مشهد تطالعه العيون. بعدها يكون مآلها القمامة.. لذلك ليس من مصلحتك أبدا أن تكون زهرة!

■ ■ ■

أنا أخو الزهور والعصافير، شقيق الشجر والنخيل.. ابن عم القمر والكواكب.. هذه الدقائق التى أقضيها فى الحديقة هى التى تجعلنى أحتمل مضايقات اليوم من أجله.

هناك الزهور تعرفنى.. والسماء تعرفنى.. نجوم السماء تعرفنى.. نسيم الليل يعرفنى.. وإذاعة الأغانى الرائعة تبث روائعها انتظارا لتلك اللحظة التى أضع السماعة فى أذنى وأستمع رقصات العصافير: أقضى- بفضل الله- أسعد لحظاتى فى الحديقة فى خلوتى السعيدة..

هذا ما أشعر به: كون متجانس شفيف رفيق.

أعبد الله تعالى بحب مخلوقاته.. مادامت فى الكون زهرة واحدة وعصفور واحد.. شمس وقمر ونجوم، فالحياة جميلة وتستحق- رغم آلامها- أن تُعاش.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية