x

أيمن الجندي أهكذا يُضرب الأطباء؟! أيمن الجندي الجمعة 15-12-2017 21:58


الخبر كما بلغنى من أحد الأطباء كالتالى:

«طبيبان مقيمان فى العناية المركزة بقسم القلب بجامعة طنطا، تم ضربهما لأن هناك مريضا توفاه الله، بعد أن جاء إلى العناية المركزة كحالة مُهَملة فى أكبر وأهم شريان يغذى عضلة القلب (احتمالات الوفاة تزيد على ٥٠٪)».

■ ■ ■

استطرد الطبيب فى سخريته الموجعة: «كيف ارتكب النواب هذه الجريمة؟ كيف لم يعلموا الغيب ويحيوا الموتى؟ آنتم ملائكة رحمة أنتم؟! (هكذا كتب فى تهكم). أحيى أهل الحالة اللى تركوها مدة يومين تعبانة، وراحوا المستشفى متأخرين! لكنهم لم يتركوا الدكاترة المجرمين أعداء الشعب! وطبعا لا يفوتنا شكر أمن الجامعة الجميل الذى جاء فى آخر الخناقة، وقام بإخفاء الطبيبين حتى انصرف أهل الميت وأخذوا الجثة وذهبوا. وتحية خاصة لكل برامج التوك شو التى قامت بأحلى واجب وأفسدت العلاقة بين الدكاترة والناس، وصورتنا كلصوص ومهملين. شكرا جزيلا لهم».

بالمناسبة: أحد الطبيبين اللذين تعرضا للاعتداء يذهب إلى (الجيم) بانتظام، وطوله مناسب وجسده قوى. لا يبدو ضعيفا ليغرى أحدا بالاستهتار به، لولا أنهم تكاثروا عليه. أكثر من عشرين بلطجيا، حتى ثقافة الشوارع والخناقات فى الأحياء الشعبية تستفظع هذا.

والأعجب أن هذين الطبيبين بالذات هما من أشد الأطباء هدوءا ودماثة. لم أر واحدا منهما قط ارتفع صوته على مريض أو مرافق أو زميل عمل. شهادة أسجلها لاستبعاد شبهة الاستفزاز، والذى ليس مبررا حتى لو حدث!

والطريف أن قيادة أمنية نزلت المستشفى بالفعل بعد حدوث الخناقة، فقالوا لهم: «الناس موجودة أهه، اقبضوا على اللى ضربونا»، قال لهم ما معناه، والعهدة عليهم «أخشى لو تم القبض عليهم، نجد رجال القرية كلها نازلة المستشفى تؤذيكم، وأنا خايف عليكم».

■ ■ ■

وبالفعل طبيب آخر سجّل تجربة مؤسفة لزميل تعرض هو الآخر للضرب فى مركز القلب بالمحلة. الأحداث نفسها جرت بالتسلسل ذاته، فقام بتسجيل محضر تحول إلى قضية. لكن الضغوط توالت عليه من كل جانب كى يتنازل. وأسوؤها أهل المعتدين الذين أرهبوه حتى قام بالتنازل فعلا وترك العمل كله وانتقل إلى مدينة أخرى.

■ ■ ■

بالنسبة لى فإن تعليقى على هذه الأحداث كالتالى:

أولا: ندعو للميت بالرحمة حتى لو أساء أهله.

ثانيا: لا أتصور أبدا أن يعالج الأطباء المرضى تحت تهديد الضرب! هذا هراء وكفيل بإفساد المنظومة الطبية بأسرها.

ثالثا: لا يعلم كثير من الناس أن فترة الطبيب المقيم ومدتها ثلاث سنوات هى فترة النقاء فى حياة الطبيب المهنية، خصوصا لو كان يتعامل مع اللحظات الفاصلة بين الحياة والموت، كأطباء القلب بالذات والعناية المركزة. هؤلاء ملائكة رحمة فعلا. يتقاضون ملاليم بمعنى الكلمة. ويعملون بجد واجتهاد، يواصلون الليل مع النهار، ينفقون من أموالهم القليلة أصلا على مرضاهم الفقراء، ويقومون بدور إنسانى/ اجتماعى معهم ليس مطلوبا منهم كأطباء أبدا. ولكنهم يفعلونه لوجه الخالق عز وجل، وللفطرة الإنسانية داخلهم التى تطلب الخير.

فيما بعد، حين يعرفون طعم المال فى العيادات، فإن هذا النقاء سوف يُخدش. ما زلت مؤمنا أن الطبيب- كالقاضى- يجب ألا يمد يده إلى المريض أبدا، وأن التأمين الصحى يجب أن يمتد بحيث لا يوجد أى تعامل مادى بين المرضى والأطباء، ولكن هذا حديث آخر.

■ ■ ■

بصفتى الشخصية كإنسان، وباسم القراء جميعا، بل وكل القيم الإنسانية المتحضرة التى أجمعت على احترام الطبيب، أعتذر لهما، وأناشدهما أن يحتسبا ما تعرضا له من أذى عند الله. أعوذ بالله من الجهل ومن غلظة القلب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية