أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي قوة العلاقات التاريخية الوثيقة التي تربط مصر وروسيا، مشيرا إلى أن العلاقات التي تجمع البلدين ذات تاريخ طويل وتتسم بالقوة والاستمرارية، سواء في إطارها السياسي من خلال التنسيق المُستمر إزاء مختلف القضايا الإقليمية، أو في إطارها الاقتصادي الثنائي.
وأضاف الرئيس، في كلمته التي ألقاها خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين عقب جلسة مباحثات بينهما في قصر الاتحادية، إن مصر تشهد من أدناها إلى أقصاها علامات راسخة على علاقات التحالف الاستراتيجي بين مصر وروسيا، من السد العالي في أسوان بجنوب مصر مروراً بمجمع الحديد والصلب في حلون وصولاً لتوقيع عقد إنشاء أول محطة نووية في مصر على ساحل البحر المتوسط.
وقال الرئيس إن البلدين وضعا على مدار العقود الماضية أساس العلاقات المتميزة بينهما، مشيرا إلى أن المباحثات تطرقت إلى كيفية دفع العلاقات الثنائية وتطويرها، سواء تلك التي تتصل بالتصنيع المشترك، أو الأمن الغذائي، أو تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، أو جذب الاستثمارات الروسية إلى مصر من خلال إقامة منطقة صناعية روسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وأشار إلى أنه تم الاتفاق على تكليف الوزراء المعنيين بمتابعة تلك الملفات، وتسوية أية عقبات تواجه الانتهاء من المشروعات التي من المقرر تنفيذها مع روسيا في المستقبل القريب، أسوةً بروح التنسيق التي سادت المفاوضات على عقود إنشاء محطة الضبعة النووية كأول محطة من نوعها في مصر.
وأضاف أنه كما تتعاون مصر وروسيا لتأمين مستقبل أفضل للشعبين الصديقين، فإن التنسيق بين البلدين يمتد ليشمل تناول القضايا الإقليمية التي تمس الأمن القومي للبلدين، إيماناً منهما بالأهمية القصوى لاستعادة الأمن والاستقرار في منطقة المتوسط بشكلٍ يحقق مصالح شعوبها، ويضمن مستقبلاً أفضل لشبابها بعد المعاناة الطويلة من قسوة الحرب وما تسببت فيه من دمار.
وفى هذا السياق، قال الرئيس إن المباحثات تطرقت إلى الأوضاع التي شهدتها القضية الفلسطينية في الأيام القليلة الماضية على خلفية قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، وما لتلك التطورات من آثار خطيرة على مستقبل الأمن والسلم في المنطقة، حيث أكد للرئيس بوتين أهمية الحفاظ على الوضعية القانونية للقدس في إطار المرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، وضرورة العمل على عدم تعقيد الوضع بالمنطقة من خلال اتخاذ إجراءات من شأنها تقويض فرص السلام في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار أشار الرئيس السيسي بالدور الروسي في إطار جهود تسوية القضية الفلسطينية طوال العقود الماضية، سواء بشكلٍ منفرد أو في إطار آلية الرباعية الدولية، التي تم تشكيلها في توقيت كنا نأمل فيه أن تساهم في التقريب بين مواقف الطرفين، والتوصل لتسوية نهائية عادلة لقضية محورية، تظل هي الأقدم ضمن القضايا السياسية المُعلَّقة التي يناقشها المجتمع الدولي بأسره، ولا زال يعاني من عدم تسويتها حتى الآن.
وأضاف الرئيس أن المباحثات أولت اهتماما كبيرا أيضا بالأوضاع في سوريا وليبيا وسُبل ضمان التوصُّل لتسوية سياسية لهذين الملفين في أقرب توقيت.
فعلى صعيد الملف السوري، قال الرئيس إن الرؤى توافقت على عدد من المواقف الأساسية، على رأسها استمرار العمل المشترك للحفاظ على مناطق خفض التوتر وتوسيعها، لتهيئة الظروف المناسبة للمفاوضات السياسية.
وفى هذا السياق، قال الرئيس إن المباحثات تناولت الجهود الناجحة التي أفضت لإنشاء وفد تفاوضي موحد من منصات المعارضة السورية المختلفة، واتفقت الرؤى على دعم مسار المفاوضات التي يقودها المبعوث الأممي إلى سوريا للتوصل إلى حل سياسي شامل، يُحقق الطموحات المشروعة للشعب السورى الشقيق، ويحافظ على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية وتماسك مؤسسات دولتها.
وفى ليبيا، أكد الرئيس موقف مصر بأهمية تكاتف المجتمع الدولي لتجنب أي فراغ أمنى أو سياسي، مشيرا إلى أن مصر ستواصل دعم جهود المسار السياسي الذي يرعاه المبعوث الأممي بغرض تهيئة الأجواء لإنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في ليبيا.
وأضاف أن القاهرة ستواصل القاهرة كذلك جهودها من أجل توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وهو الجهد الذي كان محل تقدير كافة الأطراف الليبية وآخرها خلال لقائه أمس الأول مع «فايز السراج» رئيس المجلس الرئاسي الليبي.
وأشار الرئيس إلى أنه تم الاتفاق مع الرئيس الروسي أيضا على أهمية تعزيز تبادل المعلومات بين الأجهزة المختصة اتصالاً بجهود التصدي للإرهاب، خاصةً فيما يتعلق بانتقال الإرهابيين من مناطق عدم الاستقرار إلى دول أخرى، وارتكابهم لأعمال إرهابية في تلك الدول، مشيرا إلى أنه والرئيس الروسي أكدا كذلك ضرورة منع الدول لمرور هؤلاء الإرهابيين عبر أراضيها، وتبادل المعلومات بشأنهم مع كافة الدول الأخرى والمنظمات الدولية المعنية.
واختتم الرئيس كلمته بتجديد الترحيب بالرئيس «بوتين» في زيارته لمصر، مؤكدا على متانة العلاقات الاستراتيجية التاريخية بين البلدين، وتطلعه لمواصلة تطويرها خلال الفترة المقبلة، بما يلبي تطلعات الشعبين نحو الاستقرار والتنمية.
ومن جانبه، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن شكره للرئيس المصري على الحفاوة وكرم الضيافة، مشيرا إلى أن المحادثات كانت بنائة للغاية، وذلك في إطار المباحثات الثنائية ثم الموسعة.
وأضاف أنه تم تحديد خطط للعمل المشترك في المستقبل، مشيرا إلى أنه تم بحث القضايا الأكثر إلحاحا دوليا وإقليميا، مؤكدا أن روسيا كانت دائما تولي اهتماما كبيرا للصداقة والتعاون مع مصر الشريك الموثوق به في المنطقة.
وأضاف بوتين أن التعاون الثنائي يكتسب ديناميكية جديدة نظرا لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، مشيرا إلى أنه والرئيس السيسي شددا على أنه خلال الأشهر التسعة الماضية من العام الحالي تم زيادة حجم التبادل التجاري ليتجاوز ٤٠٠ مليون دولار، كما شددا على أهمية مواصلة المفاوضات لإنشاء منطقة تجارة حرة بين البلدين وبحثا التعاون في مجال الطاقة ومشروع إنشاء محطة الضبعة النووية التي تعد الأولى من نوعها في مصر وستحصل مصر على المحطة وعلى أحدث التكنولوجيا الأكثر أمانا.
وأضاف أنه بحث مع الرئيس السيسي أيضا إنشاء منطقة صناعية روسية في مصر التي ستكون أكبر مركز صناعي في المنطقة وتصدير المنتجات الروسية إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، مشيرا إلى أن الشركات الروسية أبدت اهتماما بالاسهام في المشروع باجمالي استثمارات متوقعة تصل إلى ٧ مليارات دولار.
وأشار إلى أن المباحثات تطرقت كذلك إلى التعاون في مجال الزراعة، مضيفا أن مصر من أبرز عملاء روسيا في شراء القمح وخلال الشهور التسع الأولى من العام الحالي تم توريد ٥ مليون طن من القمح إلى مصر، مؤكدا أن روسيا ستواصل تلبية احتياجات السوق المصري .
وقال الرئيس الروسي إنه تم الاتفاق أيضا على توسيع التعاون العسكري بين البلدين لتعزيز قدرات القوات المسلحة المصرية في مجال مكافحة الإرهاب، كما ناقشا عودة الطيران المباشر بين البلدين.
وأكد بوتين، أن الجانب المصري بذل جهودا جبارة لرفع مستوي الأمن في مطاراته، موضحا أنه تم مناقشة الخطوات المشتركة لاستئناف الطيران المباشر بين البلدين.
وأضاف أن الأمن الفيدرالي الروسي قدم ما يفيد بأن الجانب الروسي مستعد لفتح خط الطيران بين موسكو والقاهرة وهنا سيتم التوقيع قريبا على بروتوكول حكومي في هذا الشأن.
وقال إنه جري أيضا تبادل الآراء بشأن القضايا الإقليمية والدولية، مؤكدا أن المواقف بين البلدين متقاربة ومتطابقة بشكل كبير .
كما كشف للرئيس السيسي عن نتائج زيارته التي قام بها لسوريا، مشيرا إلى أنه بفضل سلاح الجو الروسي تم تحرير كل الأراضي السورية من الإرهابيين، معربا عن اعتقاده بأن الأهداف التي تدخل من أجلها الجيش الروسي تم تحقيقها.
وأضاف بوتين، أنه اتفق مع الرئيس السيسي على تقديم الدعم للوصول إلى حل طويل الأمد في سوريا، معربا عن امتنانه للجانب المصري لدعمه للمبادرة الروسية بشان الحوار الوطني السوري، مؤكدا أنه يتم التخطيط لتحقيق المشاركة من كافة أطياف المعارضة خاصة منصتي موسكو والقاهرة.
وأضاف أن مصر وروسيا معنيتان بتحقيق الأمن في سوريا واستعادة وحدتها وسلامة اراضيها، مثمنا الموقف المصري البناء تجاه القضية الفلسطينية ومرحبا بما تم التوقيع عليه في القاهرة من اتفاق بين فتح وحماس.
وأكد بوتين ضرورة الاستئناف الفوري للحوار الفسطيني الإسرائيلي المباشر حول كل القضايا بما فيها القدس وضرورة تحقيق الاتفاقيات العادلة وطويلة الأمد التي تتماشي مع مصالح الطرفين وتنسجم مع مبادئ وقرارات المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن روسيا تدعم كل القرارات التي اتخذها مجلس الأمن، مشيرا إلى أن كل الخطوات التي تستبق نتائج المفاوضات هي عديمة الجدوى وتعتبرها روسيا تزعزع الاستقرار ولا تساعد على تحقيق السلام.
وأعرب بوتين عن شكره للأصدقاء المصريين على العمل المشترك وقال: «متأكد أن تنفيذ القرارات التي اتخذناها اليوم ستصب في صالح تعزيز العلاقات المشتركة بين البلدين على كافة الأصعدة».