متى يعتبر المرء نفسه ناجحا فى حياته؟، لا شك أنه توجد معايير كثيرة يحكم بها الناس فى ختام الرحلة، أو حتى قرب الختام: هل حققوا النجاح فى مشوار حياتهم أم لا؟.
البعض ينظر إلى المال، هل حقق فى تلك الرحلة الطويلة القصيرة ما يجنبه البهدلة فى آخر العمر أم لا؟، والبعض ينظر إلى تقدمه فى العمل، والأمهات ينظرن بالطبع إلى نجاح أبنائهن، هذا هو معيارهن الأول. لا أريد أن أطيل عليكم فى استقصاء أوجه الرضا عن النفس ومفهوم النجاح عند البشر.
بالنسبة لى، فإن الموضوع محسوم، فالنجاح له معيار واحد لا ثانى له:
«هل أنت مضطر أن تستيقظ مبكرا وأنت مضروب ميت جزمة؟، أم أنك تستطيع أن تستيقظ متى استكفيت من النوم لأنك تتحكم بمواعيدك؟».
لو إذا كنت- عزيزى القارئ- من أهل اليمين، أعنى تستيقظ متى قرر جسدك المحكوم بقوانين غامضة أنه نال كفايته من النوم، وصار مستعدا للفرح بالحياة، فمضيت تتمطع فى سريرك كطفل مرح، فدعنى أهنئك: «أنت ناجح جدا. بل أنت أيقونة النجاح ذاتها. كم أنت رائع ويجب أن تتيه فخرا بنفسك».
وربما تظن يا عزيزى القارئ أننى أبالغ. ولكنى دعنى أقول لك إن النوم أشبه بالنظارة الطبية لدى من يعانون قصر النظر، أو يحتاجونها للقراءة. إذا نمت جيدا فقد ارتديت نظارتك وصارت الرؤيا واضحة والحروف مقروءة وبوسعك أن تستمتع باليوم كله. أما- والعياذ بالله- الاستيقاظ مرغما- وأنت مضروب ألف جزمة- فكأنك لم تجد نظارتك، أو تهشمت، وظللت طيلة اليوم تعانى: المشاهد من حولك غائمة، والكلمات لا تستطيع قراءتها، والمزاج متعكر. وآه من المزاج المتعكر!، ما فائدة أن نحيا ونحن لسنا سعداء؟.
■ ■ ■
وبالتالى إذا كنت من أهل الشمال، ومضطرا يا مسكين أنك تستيقظ رغما عنك، شاعرا أنك مضروب ألف جزمة، وأن الحياة كئيبة ولا تستحق العيش. بصرف النظر عن سبب الإرغام الذى قد يختلف باختلاف ظروفك، عمل سوف يرفدونك منه وتشحت بعدها، عيال سيذهبون للمدرسة ويجب أن توقظيهم بنفسك وتعدى لهم الساندويتشات وحقيبة المدرسة، أو زوجة من الطراز التى تعتبر إطعام الباشا- زوجها المحظوظ- من مسؤولياتها وواجباتها، لأنه- يا عينى- لا يستطيع إعداد الإفطار لنفسه، ولماذا يفعل وهناك جارية يمكن إيقاظها؟!.
أو حتى لو كنت فى قمة عملك، مديرا مثلا أو حتى وزيرا، لكن لحظك العاثر لديك مقابلة هامة مع وفد أجنبى، أولاد «..» الذين ينامون فى التاسعة مساء ويستيقظون فى الخامسة فجرا وكلهم نشاط. أو الأسوأ من هذا: رئيس الجمهورية- أيها الوزير المسكين- يهوى الاستيقاظ المبكر والتفتيش عليك!.
تتعد الأسباب والموت واحد. أقصد عدم النوم واحد. أيا ما كان السبب، طالما لا تستطيع التحكم فى مواعيدك أيها المسكين، فدعنى أصارحك: «أنت فاشل.. فاشل».
■ ■ ■
وهناك طائفة أخرى. هم بالطبع ليسوا من أهل اليمين، ولا من أهل الشمال. بل أسوأ من ذلك بكثير: طائفة المنبوذين، هؤلاء الذين أعطتهم الحياة شلوتا كبيرا. يا عينى تجد الواحد منهم يستيقظ فى الخامسة صباحا برغم أنه أساسا نام فى الثالثة صباحا!، والأنكى، وما يحرق القلب، أنه لا يوجد أساسا ما يدعوه للاستيقاظ، هو مثلا على المعاش، أو حتى عاطل عن العمل. أو أم انتهت من رسالتها وذهب أبناؤها كل فى طريقه، هؤلاء لا يمكن وصفهم إلا بأنهم- يا حرام- مثل أهل الهوى مساكين. ولو كنت مكانهم لقذفت بنفسى- فور قراءة هذا المقال- من الشباك.