x

كيف تابع أستاذ منير حادث الروضة من السعودية؟: «المدرسة كلها ماتت»

الإثنين 27-11-2017 07:23 | كتب: نورهان مصطفى |
منير الهواري، أستاذ اللغة الإنجليزية السابق في مدرسة الروضة في بئر العبد بشمال سيناء

منير الهواري، أستاذ اللغة الإنجليزية السابق في مدرسة الروضة في بئر العبد بشمال سيناء تصوير : آخرون

كأي مغترب، جلس منير الهواري، 38 عامًا، مدرس لغة إنجليزية، ترك قرية الروضة في بئر العبدقبل سنة، وذهب في رحلة عمل إلى السعودية، داخل حجرته في مسكن المُعلمين المغتربين، يوم إجازته، الجمعة، يجري عدة اتصالات هاتفيّة بالأهل والأحباء في وطنه، مرَّت المكالمات المُشبعة بالحنين، حتى جاء صوت أحد أقاربه على الناحية الأخرى من الهاتف، قلقًا: «في عدد كبير من عربيات الإسعاف متجه ناحية الروضة».

انتهت المكالمة. بدأ «منير»، حسب تصريحاته لـ«المصري اليوم»، يفتّش عما يحدث في قرية الروضة، حتى وجدَ تدوينات لبعض الأصدقاء على موقع التواصل الاجتماعي، «فيس بوك»، عن «مجزرة» حدثت داخل القرية، لم يصدق عينيه، اتصل على الفور بزوجته التي تعمل في المدرسة الثانوية بالقرية، تركته للحظات ثم عادت لتقول: «في انفجار ضخم حصل في مسجد القرية».

آثار الهجوم الإرهابي من داخل مسجد الروضة بمنطقة بئر العبد بمحافظة شمال سيناء الجمعة 24 نوفمبر 2017

وكأنه شجرة أصلها في الروضة وفرعُها في السعودية، أخذ «منير» يسأل عن طلابه وزملائه من المعلمين، داخل مدرسة الروضة الثانوية، التي عمل بها قُرابة 6 سنوات، قبل سفره للخارج، حتى أصبح واحدًا من أهالي القرية، وليس مجرد مدرس مُنتدب من قرية «السادات» التي تصطف على الطريق الدولي «العريش-قنطرة»، وتبعد عن الروضة بأكثر من 10 كيلومترات.

«سألت زوجتي عن الطلاب وزملائي المدرسين، كل ما اسأل عن شخص تقولي استُشهد»، بحسرةٍ استقبل «منير» نبأ وفاة نصف مدرسة الروضة الثانوية تقريبًا، ضمن 305 شهيد، حسب بيان النائب العام، بدءً من مدير المدرسة، محمد سليم، مرورًا بمعلمي الرياضيات، العلوم، الطلاب، وحتى «عم يوسف»، أحد العمال بالمدرسة، ظلّ يسأل متمسكًا بأمل ضعيف، إلى أن قالت زوجته: «المدرسة كلها ماتت».

منير الهواري، أستاذ اللغة الإنجليزية السابق في مدرسة الروضة في بئر العبد بشمال سيناء

«الطلبة دول أنا درست لهم وأخدوا من عُمري»، كلمات رددها «منير» بصعوبة بالغة، عندما سأله زملائه المغتربين عما حدث في الروضة، متذكرًا يومياته في تلك القرية الهادئة، «أهل الروضة ناس طيبة وطباعهم نفس طباع أهل البدو، حتى مع قدوم المدرسين من محافظات الوادي إليهم، مع بداية التسعينيات، كانوا بيحسنوا معاملتهم، عاشوا فيها واعتبروها بلدهم».

«وقت الامتحانات، كُنا نقعد في تصحيح الأوراق لحد بالليل، أهالي القرية يقدموا الفتة البدوي»، يقول «منير»، متابعا: «كُنا معتادين كل يوم اتنين وخميس وجمعة، الأهالي يطلعوا ولائم لكُل الناس من دار الضيافة اللى جنب المسجد، والناس كلها تاكل وعابري السبيل».

منير الهواري، أستاذ اللغة الإنجليزية السابق في مدرسة الروضة في بئر العبد بشمال سيناء

رغم هدوء القرية الذي يصفِه «منير»، إلا إنه يتذكر خلال زيارته العام الماضي، التأمينات التي كان يُجريها أهالي القرية حول منافذ الدخول والخروج، الأمر الذي اندهش منه، حتى أخبره أحد الطلاب عن تهديدات تصل للأهالي، وتستهدف مسجد الروضة تحديدًا، حسبْ شهادته.

مختبئًا من مرارة الحادث الأليم، أخذ يبحث «منير» عن كل ركنٍ دافئ في ذاكرته يخُص قرية الروضة، يُقلب عينيه بين صور الطلاب والمدرسين داخل أسوار المدرسة، ربمّا بقى أحدهم على قيد الحياة، ولكن بدون فائدة، جميعهم رحلوا.

لم يتبق سوى الذكريات وتسجيل صوتي تركهُ أحد الطلاب الذين استشهدوا، يُدعى عبدالخالق مصطفى، يُلقى فيه قصيدة بعنوان «سيناء»، تتضمن كلمات حماسية، تقول: «سيناء ضحت بالنفيس سعيدة من أجل مصر كي تظل يانعة».

وكأنه يشعر بمصيره، ظل الطالب يردد بنفس النبرة الحماسية «مهما علونا للترابٍ ميعادنا، والروح حتمًا للمهيمن راجعة، سيناء صومعة الآمال لمصرنا».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية