x

أيمن الجندي «وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا» أيمن الجندي الجمعة 24-11-2017 21:53


قلت لكم عشرات المرات إن القرآن يتمتع بخاصية عجيبة جدا: وهى أنك تعرف الآية وسمعتها من قبل آلاف المرات، ثم فجأة تسمعها أو حتى تتذكرها فإذا بها تخترق قلبك، وتوحى لك بمعان جديدة لم تكن تخطر ببالك أصلا. وربما أخطر من ذلك: تعريك تماما وتكشفك أمام ذاتك.

■ ■ ■

منذ الأمس وأنا مأخوذ بتلك الآية. أرددها داخلى ليل نهار. وقلبى يعتصره الرعب والفزع. لا أدرى هل سمعتها بشكل عابر، أم أنها عاودتنى فجأة!.. أعنى تلك الآية الكريمة (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا).

الظلم أنواع كثيرة. لكن دعنا نركز الآن على مظالم العباد فيما بينهم. يُقال إن الرحمن الرحيم سيعفو عن حقوقه لدى عباده فيما عدا الشرك به، ثم يقول للعباد فى يوم العرض المخيف: «تهادوا فيما بينكم». أى سامحوا بعضكم البعض فيما آذيتم به الناس ظلما وغدرا. يصف المولى سبحانه ذلك اليوم بأنه (يوم التغابن). والغبن هو النقص. يُقال (غبنه) إذا أخذ الشىء دون قيمته. فى ذلك اليوم الرهيب سوف يُقتص للمظلوم من الظالم، فيأخذ من حسناته أولا حتى تنفد، ثم يُطرح على الظالم من سيئات المظلوم، فيُنبذ فى النار. فأى فوز نجنيه من الظلم يستحق هذا المصير المفزع؟.

ولأن المرء- من فرط هول ذلك اليوم- لا يهمه سوى أن ينجو بنفسه. حتى لو كان ثمن النجاة أن يُفتدى من عذاب هذا اليوم بأمه وأبيه وزوجته وبنيه وأخيه وأصدقائه. فإن التهادى بالمظالم جد مستبعد.

■ ■ ■

أصارحكم القول إننى خائف جدا. وبرغم أننى مسالم بطبعى، وبرغم أننى- بحمد الله- لم أتول أى منصب إدارى يكفل لى صلاحيات واسعة. برغم ذلك فقد ظلمت. بالتأكيد ظلمت. أثناء عملى الطبى يستحيل أن أكون لم أظلم!، أثناء عملى الجامعى!، أثناء تعاملى فى الحياة مع صنايعى ظننت أنه يستغفلنى فوليته ظهرى!، أنواع من الظلم لا شك أننى وقعت فيها دون أن أدرى. أو لعلى كنت أدرى فأخذتنى نشوة القوة الزائفة. واليوم لم يعد ممكنا الوصول إليهم!، والأسوأ أننى لا أتذكرهم. الآن أدرك بلاغة التعبير القرآنى «قد خاب من حمل ظلما». فى الأصل نظلم لأننا نتصور فى الظلم فوزا!، لأن قوتنا الطارئة تغرينا بممارستها، دون أن نفطن وقتها أنها ليست فوزا وإنما (خيبة).

يصف التعبير القرآنى المظالم بالأحمال التى يحملها المرء فوق رأسه يوم القيامة. أثقال لن يتطوع أحد بحملها عنك. (وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ). حتى ابنك أو أبوك أو حتى أمك، فالكل يريد أن ينجو بنفسه. فى هذا اليوم الرهيب لن يشعر أحد بالشفقة على أحد، ولا يوجد مجنون يتطوع بحمل ذنوب غيره.

فى الدنيا إذا رأيت امرأة تحمل حملا ثقيلا فإنك لا بد أن تقف وتعرض المساعدة. لكن هذا فى الآخرة مستحيل أن يحدث. لم تعد هناك نقود. فقط الحسنات والسيئات هى وحدها العملة المقبولة.

■ ■ ■

ليتنى كنت بلا ماضٍ. ليتنى لم أظلم. ليتنى عشت ومت خفيفا عفيفا. ما أهون كل ما سعينا لأجله بعد أن نناله. ما أتفه الدنيا حين نلقى عليها نظرة أخيرة قبل أن نغادر. نكتشف وقتها أنه لم يكن هناك داع للنضال أصلا. لم تكن تستحق كل هذا العذاب، والركض خلف السراب. ولم تكن- بالتأكيد- تستحق أن تخسر نفسك.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية