أكد سامى القرينى، الخبير الاقتصادى، أن ثورة 25 يناير أفادت قطاع السياحة، وأصبح اسم مصر على لسان جميع شعوب العالم، مشيراً إلى أن 12 مليون سائح سيزورون مصر خلال شهرين فقط إذا استقرت الأوضاع السياسية والأمنية. وأضاف فى حواره لـ«المصرى اليوم» أن مصر لا تحتاج إلى مشروع مارشال غربى لإنقاذها، بل مشروع وطنى مصرى وعربى، يعتمد على الولادة الجديدة للشعوب العربية، والروح الوحدوية التى بثها الشباب المصرى العربى الداعم لفكرة التكافل العربى، وأكد أن الخطة المصرية تعتمد بالأساس على إحياء محور التنمية الذى نادى به العالم المصرى فاروق الباز.. وإلى نص الحوار:
■ كيف ترى إمكانية عودة الاستثمارات العربية والأجنبية إلى مصر؟
- جميع المستثمرين العرب لديهم لهفة شديدة للعودة إلى الاستثمار فى مصر، باعتبارها من أنسب دول العالم للاستثمار، خاصة أنها مازالت بكراً، وتحتاج إلى مزيد من الاستثمارات فى معظم بقاعها بدءًا من سيناء إلى السلوم، ومن سيوة إلى حلايب، بشواطئها ونيلها وأراضيها، كما أن لديها مقومات أساسية للاستثمار فى جميع القطاعات الاقتصادية، هذا بالإضافة إلى ثروتها البشرية العملاقة التى تعتبر المحرك الأساسى للتنمية.
■ ولكن هذه الثروة البشرية اعتبرها النظام السابق عبئاً على الدولة؟
- تاريخياً عندما كانت الثروة البشرية فى مصر إضافة للمجتمع وطاقة محركة للتنمية نمت مصر وأصبحت قوة عظمى فى عهد محمد على الذى بنى الدولة الحديثة، وعندما أصبحت هذه الطاقة عبئاً على النظام الذى عمد إلى الاقتراض من الخارج وأصبحنا مكبلين بالديون، أصبحت مصر ضعيفة ولجأنا إلى الديون وتم احتلالنا من قبل بريطانيا، وانهارت مصر سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً.
■ وكيف نقيم دولة حديثة قوية من وجهة نظرك؟
- تحتاج مصر إلى خطة قومية مكثفة تمتد حتى عام 2025 نلتزم بها دون تغيير، حتى لو تغير الوزراء والوجوه، تعتمد على الإعداد البشرى للعمالة المصرية الحالية وإعادة تدريبهم وتأهيلهم.
■ وماذا عن البعد الاقتصادى للخطة القومية؟
- تعتمد الخطة فى الأساس على إحياء محور التنمية الذى ينادى به العالم المصرى فاروق الباز، مع ضرورة امتداده ليصل إلى السودان باعتبارها العمق الاستراتيجى لمصر، على أن يشمل المحور مناطق صناعية وحرة وموانئ ومطارات وتنمية زراعية فى سيوة لاستغلال بحر المياه الجوفية بهذه المنطقة.
■ طالب بعض المصريين بالخارج بخطة شبيهة بخطة «مارشال» لإنقاذ الاقتصاد المصرى.. كيف ترى الفكرة؟
- نحن لسنا بحاجة إلى مشروع مارشال غربى لإنقاذ مصر، وإنما إلى مشروع مارشال وطنى مصرى عربى، يعتمد على الولادة الجديدة للشعوب المصرية والعربية والروح الوحدوية التى بثها فينا الشباب المصرى والعربى الذى دعم فكرة التكامل العربى، خاصة أن الكل أدرك أن الغرب امتص خبرات العالم العربى التى نسعى إلى إعادتها واستغلالها عربياً وعالمياً، وهناك ما لا يقل عن 10 آلاف مصرى بالخارج لديهم العلم والخبرة ورؤوس الأموال، مستعدين للعودة إلى مصر وتدريب ملايين المصريين للعمل على بناء الوطن، وذلك بشرط وجود خطة مصرية قومية واضحة المعالم وغير قابلة للتغيير.
■ ولكن ألا ترى أن هذه الرؤية تحمل انعزالية فى ظل العولمة والانفتاح على العالم وفى ظل الاقتصاد الحر بالإضافة إلى حاجتنا إلى الاستثمارات الخارجية لتمويل هذه الخطة؟
- نحن نحتاج من العالم الغربى تحديدًا أن يمد يد العون للتدريب والتأهيل وتقديم الخبرات والمساعدات والمنح، والاستثمارات الخارجية مطلوبة، ولكن دون شروط أو قيود، وأنا أراهن على عودة الأموال المنهوبة، واسترداد الثروات الكبيرة للمسؤولين السابقين من الخارج، وكذلك رؤوس الأموال المصرية والعربية التى يجب أن تعود فوراً إلى مصر، بالإضافة إلى الاستثمارات الحكومية العربية.
■ هل عودة هذه الاستثمارات بهذه السهولة؟
- بكل تأكيد، فبمجرد استقرار الأوضاع السياسية والأمنية وطرح المشروعات الاقتصادية، ستجد إقبالاً كبيراً من المصريين بالخارج والمستثمرين العرب للاستثمار فى مصر، خاصة أن هؤلاء يمتلكون القدرة المالية والخبرة والكفاءة لإدارة هذه الخطة القومية وإطلاق شرارة التنمية والعمل، للبدء فى وضع معالم الخريطة الاقتصادية لمصر على مستوى الزراعة والصناعة والسياحة والبناء، بشكل مستديم وواضح المعالم، وهذا ليس اختراعاً أو مبادرة شخصية، وإنما رؤية مطروحة منذ سنوات وأعتقد أن الوقت مناسب لتنفيذها.
■ وما الضمانات من وجهة نظرك لعودة استثمارات المصريين فى الخارج وكذلك الاستثمارات العربية؟
- الضمانة الأساسية هى وجود قانون عادل يطبق على الجميع أمام المحاكم الطبيعية، على أن يتم هذا الاستقرار التشريعى والقانونى بسرعة ودقة، وبقرار سياسى حاسم، ليضع الجميع سواسية أمام القانون، وأعتقد أننا على الطريق لتحقيق ذلك، فى ظل القيادة الحكيمة للجيش المصرى الذى يسعى إلى تمكين الشعب المصرى من إقامة دولة مدنية تتمتع بالعدالة وسيادة القانون، وأرى أن تحرك القوات المسلحة سريع ومواكب للتطورات الكبرى التى تحدث فى مصر، خاصة أن الثورة المصرية تعتبر الأسرع والأنظف والأكثر حكمة، مقارنة بجميع الثورات التاريخية مثل الفرنسية والبلشفية.
■ ألا تعتقد أن رؤيتك وردية إلى حد ما؟
- وفقاً لهذه الخطة وبدون ديون جديدة، وفى ظرف 10 سنوات سنسدد جميع ديون مصر ونحقق التنمية، وهذا ليس شعراً أو عواطف غير منطقية، فالشعب المصرى قادر على تحقيق ذلك واستعادة القيادة إقليمياً وعالمياً، وقد حدث ذلك فى التاريخ الحديث أيام محمد على، ففى سنوات أصبحت مصر قوة عظمى.
■ وكيف ترى الشهور القادمة؟
- صعبة جداً، ولكن إذا امتلكنا الإرادة السياسية وسرعة الحركة سنتجاوزها بسهولة، ولن تمر على مصر السبع سنوات العجاف، وإنما ستكون شهوراً عجافاً سنتخطاها بسرعة لسنوات طويلة من الرخاء والتقدم، فالمهم حالياً هو سرعة اتخاذ القرار وتجاوز عنق الزجاجة، واستغلال روح الثورة عند المصريين والعرب الذين يعشقون مصر ويعرفون أن قوتها من قوتهم، فهى العمق الاستراتيجى لهم، وبعزتها سيزدهر العالم العربى، فالروح التى شهدتها مصر فى تقديرى أقوى من روح حرب أكتوبر العظيمة، وكنا منذ شهور وفقاً لاستفتاء أجراه «المصرى اليوم» نقول: «إن الشعب المصرى غير منتم لوطنه»، إلا أنه وفى لحظة فارقة وجدناه عاشقاً لوطنه ويثور ويضحى من أجل وطنه ويصنع أرقى ثورة فى التاريخ، وهذه هى طبيعة الشعب المصرى الذى صنع أعظم الانتصارات العسكرية فى أكتوبر 1973، وأعتقد أن مكاسب الثورة على المستوى الاقتصادى أكثر من خسائرها، فلقد استطاعت الثورة أن تغير صورة الشعب المصرى لدى العقل الغربى والعربى، ولو صرفنا 10 أضعاف الخسائر التى خسرها الاقتصاد المصرى بعد الثورة، لما حققنا هذه الصورة الرائعة لمصر وشعبها.
■ وكيف ترى الاحتجاجات الفئوية والتوتر الدينى والمحاكمات الحالية لرموز النظام السابق التى شهدناها بعد الثورة؟
- هذه «فورة» الثورة وستهدأ وتخمد، عندما يدرك الشعب أنه أمام القانون سواسية، وأعتقد أن اتجاه القوات المسلحة لمحاكمة رموز الفساد فى النظام السابق بالقانون دون محاكم استثنائية، خطوة عظيمة تؤكد تفرد هذه الثورة عن باقى الثورات الأخرى، التى أقامت المقاصل وطالت أحكامها الأبرياء قبل الفاسدين، ولا أعتقد - من وجهة نظرى - أن هناك تعارضاً بين الحسم والعقلانية.
■ وكيف ترى الاقتصاد المصرى قبل الثورة، وتزاوج السلطة بالبيزنس؟
- خلال العشر سنوات الأخيرة اتسم بالركود، وغياب الشفافية، وتضارب القوانين وتغيير القوانين الاقتصادية بأثر رجعى، مما تسبب فى هروب رؤوس الأموال المصرية والعربية إلى الخارج، وهذا لا يمنع من أن هناك مشروعات اقتصادية وبنية تحتية يجب البناء عليها واستكمالها، ومن ناحية أخرى أعتقد أن التزاوج بين السلطة والبيزنس فى مصر كان حالة غير مسبوقة عالمياً وتاريخياً، ولكن فى نفس الوقت يجب أن نعى أن مصر بها رجال أعمال شرفاء ومخلصون يجب أن نعطيهم حقهم، ويمارسوا دوراً وطنياً كبيراً حالياً من خلال المشروعات والصناعة والاجتهاد وإلا كانت مصر انهارت الآن.
■ وكيف ترى وضع السوق العقارية وهل نستطيع القول إنها تمر بمرحلة كساد؟
- السوق العقارية لم تنهر، وإنما فى حالة ترقب، وهى دائمًا الوعاء الآمن للاستثمارات، فى ظل انهيار البورصة والقلق من فقد قيمة السيولة، وأعتقد أن مصر بها سيولة ضخمة داخلياً وخارجياً يمكن استغلالها فقط بتهيئة المناخ السياسى والقانونى والاقتصادى بالسرعة المطلوبة.
■ وما موقف العمل بمشروعاتكم العقارية فى مصر وما حجم استثماراتكم فى مصر؟
- العمل بمشروع الشركة بالساحل الشمالى لم يتوقف نهائيا، وانتهينا من تنفيذ 1500 وحدة من أصل 4 آلاف وحدة باستثمارات تصل إلى 4 مليارات جنيه، كما سنبدأ قريباً فى مشروع جديد ببرج العرب لإنشاء فندق 7 نجوم ومنتجع سياحى بتكلفة استثمارية 5 مليارات جنيه، وهو المشروع الذى تأخر 9 سنوات، بسبب البيروقراطية والروتين، هذا بالإضافة إلى مشروعين سكنيين بمنطقة المعمورة بالإسكندرية، والتجمع الخامس بالقاهرة، ونأمل أن تصل استثماراتنا فى مصر خلال الخمس سنوات المقبلة إلى 10 مليارات جنيه.
■ وهل تعتقد أن السوق المصرية ستستوعب المزيد من هذه المشروعات خلال الفترة المقبلة؟
- بكل تأكيد، فلدينا ثقة كبيرة فى قدرة مصر على تجاوز الأزمة الحالية، ونحن نعمل دون توقف لأننا ندرك أن المستقبل القريب سيحمل مزيداً من التنمية والتعمير فى جميع ربوع مصر، وستنطلق مصر اقتصاديا لتقود المنطقة، ومن هذا الإيمان فإننا سنشارك فى معرضين عقاريين دوليين بالإمارات وقطر لتسويق هذه المشروعات خلال الشهرين الجارى والمقبل.
■ وهل أصبت بقلق نتيجة ظهور فساد فى تخصيص أراضى الدولة للمستثمرين المصريين والعرب؟
- أعتقد أنهم أفراد محدودون، ويجب أن نترك القانون يأخذ مجراه الطبيعى، وأن نحاسب الفاسدين بقوة، وفى نفس الوقت لا نركن إلى ذلك ونبدأ فى البناء والعمل فوراً.
■ وماذا عن قطاع السياحة الذى تأثر بقوة مؤخراً؟
- من وجهة نظرى، مكاسب السياحة من الثورة أكثر من خسائرها، فالثورة المصرية روجت للسياحة، وأصبح اسم مصر على لسان جميع شعوب العالم، وأعتقد أن الأوضاع السياسية والأمنية لو استقرت فعلاً سيعود إلى مصر 12 مليون سائح خلال شهرين فقط.