حالة من الإحباط والحزن تسيطر على شباب متفوق حصل على المراكز المتقدمة على مستوى الجمهورية فى امتحانات الدبلومات الفنية، ورغم تكريمهم من وزير التربية والتعليم وقيادات الوزارة ورجال الصناعة والتجارة، إلا أن فرحة التكريم لم تستطع أن تزيل الغصة من قلوبهم من تدنى النظرة المجتمعية لهم واهتمام جميع قيادات الوزارة بالثانوية العامة فقط واعتبارهم فئة مهمشة ورمزاً للفشل.
على الرغم من حصولها على المركز الأول على مستوى الجمهورية بالتعليم الزراعى، بمجموع 91%، ترى آية إبراهيم، الطالبة بمدرسة عاطف خليل الثانوية الزراعية بمحافظة الشرقية، أنها درست طوال السنوات الثلاث الماضية بمدرسة متردية الخدمات، عبارة عن جمعية زراعية تحولت لمدرسة، تضم دورا واحدا دون إمكانيات، ولا توجد بها معامل، ولا صوبات، ولا أجهزة رى، ولا حظيرة مواشى، كانت عبارة عن أرض زراعية فقط.
وترى «إبراهيم» أن العمل الزراعى خارج المدرسة متطور، والاقتصاد لن يقوم إلا عن طريق التعليم الفنى، خاصة الزراعى، إلا أن الوزارة لا تهتم إلا بطلاب الثانوية العامة فقط وتهمل التعليم الفنى بشدة، رغم حصولنا على مجموع بالإعدادية يؤهلنا للتعليم العام إلا أننا رفضنا الالتحاق بطابور العاطلين.
ورغم أن نظرة المجتمع للتعليم الفنى بدأت فى التحسن البطىء إلا أن الوزارة مازالت تهتم بالتعليم العام فقط، وكأن التعليم الفنى درجة ثانية، وجميع لجان المتابعة شكلية والزيارات عبارة عن تستيف ورق ولا توجد رقابة أو متابعة.
رغم حصوله على مجموع 97.9% بالمدرسة الثانوية الصناعية المتقدمة بالإسكندرية، والتحاقه بكلية الهندسة، الحلم الأكبر لجميع طلاب التعليم الصناعى، إلا أن فرحة محمد صديق، الأول على الجمهورية بالدبلومات الفنية، لم تكتمل بمجرد مرور الأيام الأولى له بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية.
ويروى صديق معاناة طلاب التعليم الفنى قائلاً «التحقت بقسم التبريد والتكييف وتخرجت بمجموع عالى إلا أن الواقع ليس ورديا»، مضيفاً «التحقت بكلية الهندسة ولا أفقه شيئاً فى الرياضة والفيزياء والميكانيكا، وكل ما درسناه فى المدرسة قشور لا تقارن بما درسه طلاب الثانوية العامة، والمواد فى الكلية ثقيلة وصعبة جدا علينا، وبعد أن كنا متفوقين فى الثانوى أصبحنا فاشلين فى الكلية، واللى فاهم ومكمل هو طالب الثانوية العامة ولا نعرف سبب هذه التفرقة بين الطلاب».
وأضاف: «مدارس التعليم الفنى تحتاج مزيداً من التطوير، لأن إمكانياتها ضعيفة، ولا ندرس بشكل عملى ونقوم بتجميع تكلفة خامات المعامل من النحاس والأسلاك من مالنا الخاص، لنرى التجربة بأعيننا ونستفيد، وعرضت على وزير التربية والتعليم مشاكل المدارس الفنية خلال لقائه وتكريمه لأوائل الدبلومات، ونتمنى أن تعامل مدارسنا معاملة الثانوية العامة، ويتم تطوير المناهج والمعامل والتدريب العملى».
وقالت غادة أحمد، الأولى على الدبلومات الفنية التجارية، إنها التحقت بمدرسة الزهور التجارية بنات بمحافظة بورسعيد وحصلت على مجموع 97%، إلا أنها قررت استكمال تعليمها العالى والتحقت بمعهد فنى صحى.
ورغم حصولها على مجموع 265 بالمرحلة الإعدادية إلا أنها رفضت الالتحاق بالثانوية العامة، لأنها ترى أنه «ليس لها مستقبل وغالبية الخريجين مش لاقيين شغل».
وترى أن نظرة المجتمع لطلاب التعليم الفنى تحتاج تغييراً، رغم أنها اختلفت قليلاً عن الماضى، لكن يجب أن يدرك الجميع أن التعليم الفنى هو المستقبل لضمان فرصة عمل أفضل من الثانوية العامة.
وتروى صفاء كسبه، معلمة بمدرسة فنية تجارية بمحافظة بورسعيد، وقائع المستوى المتدنى للمدارس الفنية التجارية، وتؤكد أن الطلاب المقبولين بالمدارس لا يعرفون القراءة والكتابة والحساب، وبعضهم يعرف القراءة ولا يجيد الكتابة، وتشهد لجان الامتحانات مهازل وانهيار الطلاب رغم معرفتهم بالإجابة إلا أنهم غير قادرين على الكتابة بشكل سليم.
وتضيف أن مناهج التعليم الفنى بها كم نظرى كبير جدا وحشو وتكرار لا يناسب متطلبات سوق العمل، وجزء بسيط للغاية للشق العملى، بالإضافة لوجود مواد عامة غير مجدية مثل «الجغرافيا وعلم نفس»، وهناك نقص كبير فى الكتب، ويضطر المعلمون لكتابة ملخصات بديلة ويلجأ غالبية الطلاب للدروس الخصوصية.
ورغم وجود مخصصات مالية للمدارس للصيانة وتطوير الأجهزة والمبانى، إلا أنها لا تنفق فى محلها، وتضيف «كسبه»: «يقوم المدرسون بدهان الحوائط بأنفسهم وتحمل تكاليف السباكة» نظراً لوجود وقائع إهدار مال وفساد مالى وإدارى بعدد ضخم بمدارس التعليم الفنى.
وتشير إلى عدم وجود حماية لمعلم التعليم الفنى و«هناك حالات تعد على المعلمين من قبل الطلاب، بخلاف ضعف المرتبات، فمثلا بعد 21 سنة خدمة بالتعليم الفنى لا يتجاوز راتبى 2000 جنيه، وهناك نظرة متدنية للتعليم الفنى والتركيز كله على التعليم العام، مع أن المستقبل كله للتعليم الفنى، والناس اتعقدت من الثانوية العامة، تسريب ودروس وبطالة».
ولم تختلف الصورة كثيرا فى المدارس الصناعية، حيث ترى فاطمة تبارك، خبيرة التعليم الصناعى، أن هناك تطويرا يحدث بالمدارس الصناعية ولكن ليس بالسرعة والتطور الذى يحدث فى سوق العمل، وهناك أفكار تنفذ حاليا مثل مشروع «مدرسة داخل مصنع»، ولكن هناك تخصصات ليس لها امتداد وغير مطلوبة فى سوق العمل، ويمكن الحصول على الخبرة المطلوبة من خلال كورس 3 شهور، وليس من خلال نظام كامل مدته 3 سنوات يتطلب طباعة كتب وتوفير هيئة تدريس ومبان، وفرص العمل المطلوبة لها قليلة مقابل تخصصات أخرى تعانى عجزا.
وتضيف تبارك قائلة هناك عدم ثقة فى مخرجات التعليم الفنى ويجب التواصل مع سوق العمل ودراسة متطلباته لتأهيل الطلاب، لأننا منذ 50 سنة بنفس التخصصات.
وحول واقع المعلمين تؤكد أن تدريب المعلمين فى التعليم الفنى يتم باجتهادات ذاتية وبعض المعلمين يكمل دراسات حرة، وماجستير ودكتوراه، بعيدا عن تدريبات الترقى المعتادة بأكاديمية المعلمين، وعدد دورات التعليم الفنى قليلة مقابل دورات التعليم العام.
وترى تبارك أن هناك حلولا كثيرة لزيادة مخصصات التعليم الفنى من خلال مشروعات رأس المال بهدف تعليمى إنتاجى، ولو تم التوسع فى مختلف التخصصات وإقامة معرض للمنتجات وتسويقها سيكون العائد المادى لها ضخما كما يحدث فى المجال الزراعى.
من جانبه يؤكد الدكتور عبدالغنى الجندى أمين لجنة التعليم الزراعى بالمجلس الأعلى للجامعات، أن التعليم الفنى الزراعى فى مصر متدهور للغاية، رغم وجود مشروع قومى خاص بالزراعة والتصنيع الغذائى وهو المليون ونصف المليون فدان.
ويروى الجندى خلال تفقد مشروعات المشروع بغرب المنيا والتى تضم نحو 680 ألف فدان بما يمثل نصف المشروع، أنه فوجئ خلال تفقد مدارس المنيا وبنى مزار الزراعية أن الطلاب لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، ولا يفقه الطلاب شيئا عمليا عن تخصصات الإصلاح الزراعى أو التصنيع الغذائى أو الإنتاج الحيوانى وهى العناصر الأهم والمطلوبة فى المشروع.
ويرى أن الأخطر من تدهور مستوى الطلاب هو ضعف مستوى المعلمين وتراجع قدرتهم على تأهيل الطلاب للعمل بالمشروعات القومية.
وأشار إلى أن خريج التعليم الفنى الزراعى هو الذى سيعمل بالمشروع ونحتاج نحو 4 ملايين شاب للعمل فى مشروع مليون ونصف المليون فدان، وبالتالى نحتاج تنمية وتطوير المناهج والبنية التحتية للمدارس، وتطوير المقررات والمناهج والتدريب العملى لتناسب سوق العمل.
من جانبه أكد الدكتور إبراهيم صديق، أستاذ الاقتصاد الزراعى جامعة المنوفية، أن التعليم الفنى يواجه مشكلات كبرى، تتمثل فى عدم وجود كل مدرسة ملحقة بمزرعة للإنتاج الزراعى وللإنتاج الحيوانى، ومعمل للصناعات الغذائية.
وبخلاف أن بعض المدارس الزراعية تم الاعتداء على المزارع الخاصة بها وتم البناء عليها، يرى صديق أن طلاب التعليم الزراعى لا يحصلون على أى تدريب عملى ومستوى ومهارات اللغة متدن بشكل كبير لدى الطلاب.
وأضاف أن غالبية المدارس لا تحتوى على أنظمة للرى المحورى، ولا تحتوى على جرارات أو شبكة رى بالتنقيط أو سطارة أو عزاقة وهناك معدات لم يرها الطلاب، والمزارع المتاحة تقليدية لا تضم صوباً أو نظماً للتدفئة أو نظماً لإدارة المياه، وبالتالى يتلقى الطالب مبادئ الزراعة التقليدية وبشكل نظرى فقط وليس عمليا، رغم التقدم التكنولوجى الهائل فى المجال الزراعى.
من جانبها أكدت الدكتورة سها بهجت، الأستاذ بكلية السياحة والفنادق جامعة حلوان، أن التعليم الفندقى فى مصر يعانى من عدد من المشكلات أبرزها قلة عدد مدارس التعليم الفندقى التى يبلغ عددها ٥٠ مدرسة على مستوى الجمهورية وعدم وجود قطاع خاص به رغم أهمية عائده على الدخل القومى.
وأضافت أن هناك عجزا ٧٠% من العمالة السياحية، وجميع العمالة الحالية موسمية غير مدربة، و٦٠% من حالات التسمم بالفنادق سببه عدم وجود خريج فندقى مدرب ملتزم بمعدلات السلامة والصحة.
وأشارت «بهجت» إلى أن تراجع السياحة أدى إلى سفر غالبية الخبرات للعمل بالدول العربية، بالإضافة لوجود صور ذهنية خاطئة عن العمل الفندقى، على الرغم من أن السياحة تشغل ١٢.٦% من مجموع العاملين، والغرفة الفندقية الواحدة تشغل ٣ أشخاص وحجم العمالة كثيف ومتشابك.