x

«المصرى اليوم» أمام منفذ «رأس جدير» ترصد معاناة المصريين الهاربين من ليبيا

الأربعاء 23-03-2011 18:32 | كتب: أسامة خالد |
تصوير : أ.ب

«لم أتوقع أن أخرج من هناك بسلام أبدا».. هكذا قال أشرف بمجرد عبوره منفذ رأس جدير الحدودى بين تونس وليبيا، كانت أنفاس التاجر المصرى الذى يعمل فى ليبيا منذ 7 سنوات سريعة متلاحقة، مر الرجل برحلة عصيبة حتى استطاع الوصول من طرابلس العاصمة إلى الحدود التونسية، بدأت بالإهانة والضرب فى شوارع طرابلس مروراً بالسرقة والاعتداء طوال الطريق من طرابلس إلى الحدود التونسية.

«يطلقون علية طريق الأهوال».. هكذا قال لى أحد الشباب المصرى المار لتوه من نقطة الحدود الليبية إلى نظيرتها التونسية واصفا الطريق إلى الحدود.

صلاح وصل بعد أن رأى الموت بعينية على حد وصفه - «الطريق ده هو سبب تأخرى فى الخروج من ليبيا، كنت أسمع عن المصاعب التى تواجه المصريين عليه لكنى لم أكن متخيلاً أنى ممكن أن أمر بما مررت به»، وصمت قليلا وأكمل: «لقد وضعت فوهة السلاح الآلى على رأسى، وقتها توقعت أنى انتهيت وانتظرت الموت لكن الله سلم ومررت من لجنة التفتيش الليبية بعدما تركت كل شىء لهم ليتركونى أمُرُّ بسلام واحتملت مقابل ذلك السباب والإهانات واتهامات الخيانة لى ولكل المصريين».

تبدو الصورة واحدة واضحة لدى المصريين العائدين من ليبيا يتحدثون عن معاملة حسنة وجيدة من الشعب الليبى مقابل سيل من الاتهامات والتخوينات والإهانات من الجنود الليبيين المنتمين للكتائب.

فى مخيم الإمارات المعد خصيصا لاستقبال النازحين المصريين، كان هناك بضع عشرات من الشباب المصرى وأسرتان.. أصبح المخيم الذى شهد لجوء 60 ألف مصرى خاليا الآن بعدما رحل كل المصريين ولم يعد به إلا بضع مئات يدخلون كل يوم يقضون مدة انتظار لا تتجاوز اليومين على أقصى تقدير - حسب كلام أيمن كمال الملحق الإدارى المصرى الذى وصل خصيصا للمساعدة فى إجلاء المصريين العالقين بمخيم شوشة وبمنطقة رأس جدير - ينتظرالعالقون المصريون فى الخيام المعدة لاستقبالهم موعد انتقالهم إلى مطار جربة، الذى يبعد حوالى 130 كيلومتراً عن الحدود التونسية - الليبية.

داخل الخيام كان العاملون المصريون يستريحون من عناء رحلة كانت قاسية على أغلبهم، يتناولون فيما بينهم حكايات الكرم الليبى من الشعب المحبوس فى المدن ومآسيهم الشخصية وأموالهم التى تركوها فى ليبيا فى انتظار رحلة العودة مرة أخرى للحصول على باقى حقوقهم.

اعتبرت الأغلبية منهم أن تلك الخسائر معدومة ذهبت مع رياح الحرب الليبية ولن تعود أبدا.

يقول أشرف عبدالحليم بينما هو نائم على ظهره المصاب من حادثة قديمة زادت الرحلة الطويلة من آلامه: «تعرضت للضرب والإهانة فى الطريق من طرابلس حيث كنت أعمل، واضطررت أن أصمت على السباب الذى طالنى وعائلتى ومصريتى، لم أكن أستطيع أن أتكلم، الصمت وتحمل المهانة كانا طريق خروجى من هذا الطريق الملىء بأكمنة الجيش، يتعمدون إهانة المصريين، كنا فى السيارة عدة جنسيات وعندما يعرف الجندى أن هناك راكباً مصرياً يطالبه بالنزول لتبدأ مباراة إهانته وتفتيشه، عندما سألت الضابط على أحد الأكمنة: لماذا تفعلون ذلك معنا؟ قال لى: «أنتم المصريين والتوانسة خونة».

وأضاف «أخذوا الأموال التى كانت معى وشريحة تليفونى وفتشوا (الميمورى كارت) أولا ليعرفوا ما إذا كنت قد صورت أى شىء ضد العقيد القذافى أم لا»، صمت ولم يتكلم بعدها متذكرا تفاصيل ما حدث معه. سالته عن تلك الروايات التى تقول إن المصريين يذبحون فى شوارع طرابلس، فنفى تماما، وقال: كنت أعيش مع المواطنين الليبيين فى سلام وكانوا يساعدوننا ويسألون علينا ولم يحدث أن اعتدى أى مواطن ليبى عادى على أى مصرى لكنى سمعت أن هناك مصريين ماتوا، لكن ذبح، فأعتقد أنه لم يحدث».

محمد العائد مع أسرته ويعمل فى ليبيا منذ 14 عاما كعامل بناء قال: الوضع هناك أصبح سيئاً للغاية لكننا كنا نسكن بجوار العاصمة طرابلس ولم نتعرض لأى هجمات داخل البيوت.

كنا نغلق الأبواب علينا منذ العصر ولا نخرج ولا نعلم ماذا يحدث فى الخارج، لكن صوت طلقات الرصاص لا يتوقف طوال الليل»، حكى محمد كيف استوقفه جنود الكتائب فى الشارع ورفعوا عليه السلاح وكادوا يقتلونه بعدما علموا أنه مصرى، ورغم ذلك يعتبر أن الشعب الليبى كان سمحا ومتسامحا مع المصريين بشكل كبير خاصة أنهم هم من كانوا يسألون عليه وعلى أسرته ويمدونهم بالخبز أحيانا كثيرة.

أما عصام يونس، الذى كان يعمل فى شركة المراعى الليبية فى طرابلس فيقول: «أعمل فى ليبيا منذ عامين واضطررت إلى أن أعود الآن بعدما مرت الصواريخ فوق رأسى واهتزت بنا البيوت، لم أنم من شدة الضرب وشعرت برعب حقيقى»، وعلى العكس من أشرف الذى تعرض للضرب فإن عصام ينفى تماما أن يكون قد تعرض لأى إهانة أو اعتداء، بالعكس يقول «لم أشعر بأن هناك أى مشكلة للمصريين المقيمين فى طرابلس، الحقيقة أن الشعب الليبى احتضننا وحمانا من أى شىء وأنا عن نفسى خرجت من ليبيا دون أى أموال وتركت كل أموالى لدى عائلة ليبية سترسلها لى فى مصر».

ويضيف: «لكن المشكلة فعلا فى الطريق، هناك ضباط على الأكمنة تعاملوا معنا بشكل جيد وآخرون سبونا عندما تأكدوا أننا مصريون وهناك ضابط شتمنا وقال لنا (أنت.. من عند عمرو موسى وسبه وسب معه كل المصريين).

وفى الزاوية لم تختلف الصورة كثيرا، يروى ناصر: جاء إلينا الجيش واقتحم البيت الذى نقيم فيه بعدما عرفوا أننا مصريون أخذونا للتحقيق وفتشوا عن السلاح أو أى ممنوعات ثم تركونا ولكن المشكلة الحقيقية فى الطريق، حيث تعرضت للضرب عندما رفضت أن أعطى الجندى أموالى فضربنى واخذها وسمعت أنهم أخذوا كل الأجهزة والملابس وكل أشياء ثمينة من آخرين».

وفى المقابل، يؤكد وليد محمد عبدالحكيم أنه كان يعيش فى طرابلس وطوال فترة الأحداث تلك كان يختبئ لدى أسرة ليبية حمته وهى من هربته بسيارتها إلى الحدود التونسية.

وناشد ناصر أحمد، عامل البناء فى طرابلس، وسائل الإعلام المصرية أن تترفق بأوضاع المصريين داخل ليبيا لأنها صعبة جدا وقال «كلما نشرت وسائل الإعلام أو التليفزيونات فى مصر هجوما على القذافى أو على ليبيا ساءت أوضاع المصريين هناك.. لقد عانيت وعانى الكثيرون مثلى من إساءات وجهتها وسائل الإعلام للقذافى خاصة هذه القناة التليفزيونية التى قلدته، لذلك أطالب كل وسائل الإعلام بمراعاة وجود الكثير من المصريين داخل الاراضى الليبية يؤذون بسبب ما يقال وينشر فى مصر».

ويؤكد كلامه رمضان محمد الذى كان يعيش بزاوية الدهمانى بطرابلس بجوار مقر كتيبة خميس وقال: «لم أر أى مرتزقة لكنى كنت مثل كل الليبيين والمصريين، نغلق أبواب منازلنا بعد العصر ولم نر شيئا مما كان يحدث فى الشارع، كنا فقط نسمع طلقات رصاص طوال الليل ولم نتعرض لأى أزمات فى طرابلس، لكن المشكلة كلها فى الطريق، لقد خلع بعض المصريين ملابسهم للتفتيش فى الشارع أمام المارة وسمعت أن زملاء لى فى العمل من محافظة سوهاج أوقفوا فى مطار طرابلس ونزعوا عنهم ملابسهم وتركوهم بالملابس الداخلية وأعادوهم عرايا لمنازلهم.

الحكايات كلها متشابهة والروايات واحدة والخوف من كشف كل الأمور أما خوف على مستقبل منتظر مرة أخرى فى ليبيا أو خوف على زملاء هناك قد يعانون جراء تلك الحكايات المرعبة فى أغلبها.

أحد العائدين، طلب عدم ذكر اسمه، أكد أن هناك خوفاً لدى الجميع من سرد حقيقة الأمور على الأرض داخل ليبيا، خاصة الأجزاء التى تسيطر عليها كتائب القذافى، مؤكدا أنه شخصيا اضطر لأن يحمل صورة القذافى ويرقص بها فى الشارع أمام كاميرات التليفزيونات لينجو بنفسه: «الأمور بالداخل مرعبة كأنى فى فيلم رعب حقيقى» قال لى ذلك وتركنى وانصرف.

وبينما يلتزم معظم المصريين العائدين الصمت أمام هول ما يحدث بالداخل، كشف لنا أحد المسؤولين المصريين على الحدود والذى جاء خصيصا لاستقبال المصريين النازحين ومساعدتهم على العودة إلى مصر: «جاءت الينا حالات مصابة، صحيح أنها قليلة لكن أحد المصريين دخل من المنفذ وعينه متورمة وزرقاء من الضرب وأصر على تحرير محضر لدى الشرطة التونسية وهناك الكثيرون مصابون بإصابات خفيفة نتيجة الضرب بظهر السلاح أو بعصى، وأخطر الحالات كانت لمصرى وصل مصابا بضربة سونكى - سكين مركب على فوهة البنادق الآلية - واضطررنا لنقله للمستشفى وأجريت له جراحة بسيطة وخيط الجرح بـ18 غرزة وآخر فُتح رأسه وحصل على 7 غرز»، وأضاف المسؤول المصرى: «لا نملك أن نتخذ أى إجراءات أمام تلك الإصابات نظرا لطبيعة الأوضاع والظروف».

«الحياة على الحدود هى انتظار للمجهول، نحن لا نعرف ما هو الوضع بعد نصف ساعة، نتعامل فقط مع الأمر الواقع أمامنا».. هذا ما قاله ناجى غابة، سكرتير ثان بالخارجية المصرية الذى جاء إلى رأس جدير خصيصا ضمن بعثة من الخارجية وصلت لإجلاء المصريين من رأس جدير بعدما تفاقمت الأزمة الإنسانية هناك.

وأضاف: «كان يوجد هنا أكثر من 60 ألف مصرى شكلوا أزمة إنسانية رهيبة لكننا نجحنا والحمد لله فى إجلاء كل المصريين من هنا، الآن الأعداد قلّت بشكل كبير ولم يعد يصل سوى 50 أو أقل يوميا ننقلهم إلى معسكر الإمارات فى فترة انتظار سريعة لحين نقلهم بالطائرات إلى القاهرة، ورغم حالة الهدوء الحالية على الحدود، فإن هناك ترقباً وانتظاراً لزيادة الأعداد، خاصة بعدما بدأت الضربة الجوية على ليبيا، وهذا ما حدث فقد زادت أعداد المصريين الذين يصلون إلى رأس جدير يوميا من 200 إلى 250 فرداً وننتظر أن تزداد الأعداد بصورة أكبر مع كثافة الضربة الجوية واشتداد العمليات العسكرية فى الأراضى الليبية لكن على كل حالة نحن مستعدون، وأود هنا أن أوجه شكرا خاصاً إلى السلطات التونسية التى قدمت وتقدم لنا جميع الخدمات والتيسيرات للمصريين خصيصا».

وبعيدا عن كلام ناجى غابة، فإن الأزمة الحقيقية التى تواجة مسؤولى الخارجية الآن هى أطنان الأمتعة الباقية فى مخازن مطار جربة التونسى، ورغم استئجار طائرتى «كارجو» لنقل أمتعه المصريين فإنه مازالت هناك 8 أطنان من الأمتعة باقية فى انتظار طائرة نقل بضائع أخرى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية