روى «عصام زعتر»، مصور قناة «الجزيرة»، أحد الناجين من مجزرة «أسطول الحرية»، تفاصيلها التي رآها بعينه لـ«المصري اليوم»، قائلا: "رغم فظاعة التجربة، كانت بها العديد من اللحظات الجميلة، فخلال الـ8 ساعات التي صودرت فيها السفينة منذ هجوم القوات الإسرائيلية وأثناء اقتيادنا إلى ميناء أسدود، كان النشطاء يغنون لفلسطين، دون أن يتوقفوا لحظه واحدة.. كانت أناشيدهم حماسية كأننا في عرس".
وقال عصام ـ الصحفي اللبناني المقيم في بلجيكا ـ: إنه رغم سعادته بعودته سالما إلى أسرته، إلا أنه سيعيش ما بقي له من عمر حزين ومتألم بعدما رأى بعينه أناسا قضي معهم أوقاتا سعيدة وهم يموتون برصاص إسرائيلي لمجرد أنهم قرروا مساعده شعب غزه المحاصر.
تم تكليف عصام من قبل فضائية «الجزيرة» بمصاحبه أسطول الحرية، فوافق رغم علمه بمخاطرها. وقال: "الأزمة لم تبدأ في مياه غزة بل في قبرص، فقد كان مخططا أن يركب معنا عددا من النواب الأتراك من إحدى الموانئ القبرصية لكننا فوجئنا فور وصولنا بطائرات عسكريه تمنعنا من الرسو في الميناء وطلبوا منا المغادرة... علمنا وقتها أن الأسوأ آت".
وأوضح المصور أنه في هذه الأثناء عقد المنظمون اجتماعا قرروا فيه أن يكون القبطان صاحب القرار في حالة الطوارئ على أن يقوم المتطوعون بحماية قمرته لو تم الهجوم حتى يوفروا له الوقت الكافي لطلب النجدة والتصرف حسب الوضع.
ويمضي عصام: "تحركت السفن الـ5 في مقدمتهم السفينة (أزمير)، بينما كنت أنا على متن (سيدونيا). وقبل 140 ميل بحري عن شواطئ ميناء غزة، تلقينا تحذيرا عبر الرادار بالعودة وعدم الاقتراب وأننا أصبحنا في منطقه محظورة، ومع هذا قرر القبطان الاستمرار في التقدم لاسيما وأننا كنا في المياه الدولية".
وتابع: "في تمام الرابعة فجرا كنت أنقل بعض الصور للجزيرة مباشر، وكان بعض الناشطين يستعدون لأداء صلاه الفجر، حين فوجئنا بأكثر من 40 زورق عليهم قوات خاصة ملثمين يقتحمون السفينة ويطلقون النار علينا.. أنرت كل الإضاءة لإيصال ما يحدث حيا لكنني بعد ثواني معدودة وجدت مروحيه إسرائيلية فوقنا تقوم بعمليه إنزال لعدد من القوات الخاصة على سطح سفينتنا وكانت القوات الخاصة تقذفننا بالنيران أثناء نزولهم من المروحية".
حمل عصام الكاميرا وبدأ يجري لكن لحق به جندي إسرائيلي ملثم وضربه بعصا كهربائية فانكسر ذراعه وسقطت منه الكاميرا: "هنا وضع الرشاش فوق رأسي وطلب مني الانبطاح.. شعرت أنني قد أموت فتلوت الشهادة، وأنا أنظر إلى الكاميرا متمنيا أن تقوم هي بإرسال الصور".
وأضاف عصام: "كانت الأصوات عاليه فاستيقظ الباقون وحاولوا حسب المتفق حماية القبطان لمنحه أكبر فرصه للتصرف، لكن 2 منهم لقوا حتفهم، وتم اقتحام قمره القيادة وضرب القبطان حتى فقد الوعي وتم السيطرة على المركب".
ويروي عصام كيف تم اقتياد السفينة بعد ذلك إلى ميناء أسدود الإسرائيلي، "قبل دخول الميناء تم إبدال القوات الخاصة من ظهر السفينة بقوات البحرية الإسرائيلية، لتصوير الأمر وكأن من قام به هم قوات البحرية وليس القوات الخاصة". ويضيف "في هذه الأثناء منعنا من التحرك بل وحتى من دخول الحمام.. ثم طلبوا منا مغادرة السفينة دون أي متعلقات، فقط جواز السفر، والأدوية. بعدها خضعنا لتحقيقات وطلب منا التوقيع على أوراق بأنه تم القبض علينا في "المياه الإقليمية الإسرائيلية، لكننا رفضنا رغم الضغوط النفسية التي مارسوها علينا".
ويختم عصام بواقعة أثرت فيه قائلا إنه لدى وصوله مطار بروكسل الدولي، وحين مغادرته طائرة "العال" الإسرائيلية اعترضه قائدها الإسرائيلي بحجة ضرورة تسليم صورته الشخصية للأمن البلجيكي، فرد عليه ضابط الأمن البلجيكي قائلا:"أنت ليس في بلدك، أنا صاحب الحق الوحيد في الأمر والنهي وأنت مجرد، ضيف، وهو ليس مجرما". هنا يقول عصام "لحظتها ذرفت الدمع وأحسست أنني إنسان"، ويؤكد أنه رغم قسوة التجربة على استعداد لتكرارها متى تمت دعوته مجددا لكسر الحصار.