عاماً من الصمت، مضطراً.. قرر أن ينهيها، ويقضى 20 عاماً أخرى أو المتبقى فى حياته فى فضح هذا الصمت، وكشف كل المسكوت عنه، فعمله فى أحد الأجهزة الأمنية جعله يرى الكثير ويسكت عنه، لذا قرر ألا يمنعه عن هدفه شىء، حتى إذا كان هذا الشىء هو خروجه على المعاش وسنه المتقدمة التى وصلت إلى 65 عاماً.
الثورة التى غيرت مصر، غيرت مفاهيم عمر جمعة عبدالفتاح، ولأن الثورة قامت ضد أخطاء 30 عاماً كاملة، قرر هو أن يثور فى كل خطأ يراه، ولا يسكت عنه إلا بعد أن يفضحه، وبالأحرى: «أرصد الخطأ بكاميرا المحمول ثم أفضحه بعد طباعة الصورة فى أحد الاستديوهات».
المحمول الذى حمله جمعة لسنوات، لم يفكر خلالها مطلقاً فى التقاط صورة لمخالفة أو خطأ يقع فى الشارع أو مكان عمله، فلم يشعر وقتها بأهمية هذا ولا جدواه، لكن بعد الثورة قرر أن يؤرخ المخالفات ويجمعها فى ألبوم يقدمه إلى رئيس الوزراء ليبدأ تصحيح هذه المخالفات وإزالة هذه الأخطاء.. جمعة بدأ يستفيد من كاميرا المحمول منذ تواجده وسط المتظاهرين فى التحرير، فمن وقتها أدمن استخدامها، لكنه يلجأ إلى ابنتيه لإخراج الصور من الموبايل ووضعها على فلاشة ثم طبعها فى أحد معامل التصوير.
جنيهان فقط عن كل صورة، لا يبدو رقماً كبيراً للصورة الواحدة، لكنه يكون مبلغاً مع عدد أكبر من الصور، حيث وصل ألبومه إلى أكثر من 100 صورة، جودتها ضعيفة لكن المخالفة التى ترصدها واضحة.. ورغم ظرف إحالته على المعاش وتقاضيه 1000 جنيه، منها 700 جنيه إيجار الشقة التى تؤيه وزوجته وابنتاه، فإنه أقبل على فكرة التصوير والطباعة وألبوم المخالفات، باعتبارها عملاً إيجابياً يكشف فساداً بعد سنوات من الصمت على الفساد.
ويشرح جمعة فكرته: «رغم أننى مسن وأصبحت غير قادر على اللف فى الشوارع لكننى أشعر أن الله أعطانى قوة من جديد وكأننى شاب فى العشرين.. كل يوم بانزل فى مكان غير التانى وألف فيه وكل ما أشوف حاجة مخالفة للشرع والقانون أصورها، وباجمع الصور علشان أحطها فى ألبوم وأتقدم بها للدكتور عصام شرف رئيس الوزراء عشان يحقق فيها.
الحاج جمعة صنف صوره فى مجموعات، كل واحدة تتناول موضوعاً معيناً، فهذه مجموعة تتحدث عن فساد المحليات وأخرى عن فساد المرور، ويبرر: جمعت صوراً كثيرة لبعض العمارات والمبانى التى بنيت بالمخالفة للقانون، فهناك بعض العمارات التى يبلغ ارتفاعها 15 طابقاً فى حين أن الشارع الذى بنيت فيه يقل عرضه عن 6 أمتار، وهو بالطبع مخالف للقانون، أما مخالفات المرور فرصدتها فى لوحات السيارات لأن بعضها تحمل لوحات بأرقام حكومية وتعمل فى توصيل الطلبة إلى المدارس وأخرى نجدها فى زفة عروسة.
وأضاف: أكثر القضايا التى رصدتها خطورة هى الآثار المتروكة فى قطعة أرض فضاء فى عين شمس يحرسها غفير واحد سمح لى بالدخول وتصوير الآثار. ورغم المضايقات التى يتعرض لها جمعة، فإنها: «بتعدى» أصلى راجل كبير والناس مش بتركز معايا وبيسيبونى أصور، بس نفسى تعبى يبقى له نتيجة، ويستفيد الدكتور عصام شرف من الألبوم ده، ما هو لو كل واحد بقى رقيب على البلد، عمر ما حد هيفسد فيها.