x

د. ياسر عبد العزيز المصنع.. أم ناطحة السحاب؟ د. ياسر عبد العزيز السبت 14-10-2017 21:43


سئل أحد القادة المؤثرين: «ما سر نجاح تجربتك، وقدرتك على أن تمنح بلادك مكانة عظيمة، بعدما أصابها الفقر والتدهور لعقود؟»، فأجاب ببساطة: «كلما بنيت مصنعاً، أقمت بجواره شاهداً خلاباً».

تلك نصيحة غالية للقادة والحكومات، وهى تُعنى بالرد عن سؤال مهم يتعلق بترتيب أولويات العمل الوطنى التنموى، بشكل يفضى إلى حل المشكلات، وتجاوز التعثر، وإحراز النجاحات، واحتلال المكانة المستحقة.

يلزمنا أن نطرح هذا السؤال الآن، وأن نسعى إلى إيجاد إجابة عنه، فى ظل انقسام واضح بين النخب والمواطنين إزاء التطورات التنموية التى تشهدها بلادنا راهناً.

فى الآونة الأخيرة، كان عدد من مواد الرأى المنشورة فى الصحف المصرية يتعلق بهذا السؤال تحديداً، ويبدو أن الذين اجتهدوا للإجابة عنه انقسموا إلى فريقين، أولهما يبارك التطورات العمرانية والتنموية التى نرى ثمارها تبرق يوماً بعد يوم، باعتبارها «دليل قدرة وتقدم»، وثانيهما يعترض عليها، ويؤكد أنها «فقاعات» لا تحل مشكلتنا الاقتصادية الخانقة، وتمثل تبديداً للنذر اليسير الذى بين أيدينا، باعتبارنا «فقراء»، و«مديونين».

لا يتعلق هذا الانقسام بمواد الرأى فى الصحافة المصرية وحدها، لكنه يمتد ليشمل قطاعاً عريضاً من النخبة المتخصصة والعامة، كما ينفذ ليحتل مساحة مهمة من اهتمامات الجمهور، وهو يتكرس كخلاف جوهرى، يُنتج تشوشاً وتطاحناً، ويُزعزع اليقين.

سيسعى كل فريق إلى استقطاب أتباع يؤيدون فكرته، كما سيتهم الفريق الأول مناوئيه بأنهم «طابور خامس»، و«إخوان»، أو «عملاء مأجورون يكرهون تقدم البلد وازدهاره»، ولن يسكت هؤلاء المناوئون بدورهم، إذ سيصفون خصومهم بأنهم «منومون»، و«جهلاء»، و«هتيفة يرقصون تأييداً لنظام يسخر موارد الدولة المحدودة لأوهام العظمة، ويبددها فى المسارات الخاطئة».

لا يأخذنا هذا الانقسام الضارى والاستقطاب الحدّى إلى مرسى آمن، وسيستنفد طاقتنا ويهدرها فى متاهات التنابذ السياسى، والأخطر من ذلك أنه لن ينبه القادة إلى ضرورة تطوير رؤية محكمة للتنمية، ومناقشتها، ومراجعتها، وإعلانها، والامتثال للمحاسبة على مدى نجاعتها، بعدما سيركنون إلى اعتبار كل ما يرد بحق جهودهم مجرد «مكايدة سياسية» و«مشروعات خيانة».

يجب أن نعالج هذا الجدل بطريقة موضوعية وفعالة، وأولى مراحل تلك المعالجة تكمن فى احترام ذرائع كل فريق، ومحاولة تفهمها، بصرف النظر عن الإيمان بها، وصولاً إلى بناء توافق مؤسساتى ونخبوى وجماهيرى على خطتنا الشاملة وطريقتنا فى الأداء.

سنعود إلى تعريف التنمية فى أدبياتها الكلاسيكية، وفى أحد أبسط تلك التعريفات أنها «عملية تغيير مخطط تقوم بها الدولة للانتقال بحالتها وحالة مجتمعها إلى وضع أفضل، وبما يتوافق مع الاحتياجات والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية».

أين تأتى ناطحة السحاب، أو النافورة، أو الفندق الفاخر، فى هذا السياق؟

هنا نعود إلى أرسطو الذى أخبرنا أن «العقل لا يفكر من دون صورة»، ونتذكر القائد المؤثر الذى أقام شاهداً خلاباً بجوار كل بئر حيوية، أو محطة طاقة، أو مصنع يُشغل العاطلين، ويفتح البيوت، ويرسل إنتاجه عبر الحدود، فيزيد حصيلة الدولة، ويمكنها من استكمال أدوارها.

لناطحة السحاب والفندق الفاخر والمتحف العظيم والنصب الشاهق أدوار تنموية ثانوية، لكنها تلعب الدور الأهم فى تعزيز اليقين، وبناء الصورة الذهنية، ورفع معنويات الجمهور، وخلق الانطباع.

يجب أن نبدأ بالمصنع، وبجواره ننشئ الشاهد الفاخر.. بهذه التراتبية، ودون أن نستبدل أحدهما بالآخر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية