خلال الأيام القليلة الماضية، صدر كتاب بريطانى حديث يدعى أن حضارة أطلانتس، الأقدم على المصريين بـعشرة آلاف سنة، هي من شيدت الأهرامات. وزعم «جيرى كانون» و«مالكوم هوتون»، المؤرخان البريطانيان، لصحيفة «إكسبريس» البريطانية أن كتابهما حول عجائب الدنيا المتبقية من العالم القديم يشير إلى أن تمثال «أبوالهول» تم نحته من الصخور الطبيعية بالمنطقة قبل أن توجد الرمال، وأنه سبق حضارة المصريين، حيث يبلغ من العمر 12500 عام، ودللا على عدم بناء الفراعنة للأهرامات بأنه من المستحيل على أي حضارة بناء هرم وزنه أكثر من 250 طنًا بافتقاد آلات متطورة مدعين أن خطًا مباشرًا يربط الأهرامات بالقارة المغمورة أطلانتس.
خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بسيناء ووجه بحرى، أكد على أن هذه الآراء غير علمية تماما، موضحا أن الملك خوفو هو أول من أمّن العمال ضد البطالة في التاريخ واتسم عصره بأنه أزهى عصور الدولة القديمة، وقد استفاد من أوقات البطالة البعيدة عن موسم الحصاد والرى والزراعة، وهى مواسم العمل في مصر القديمة، ليقوم العمال بأعمال قومية عظيمة وأعمال إنتاجية ساهمت في الازدهار الاقتصادى في كل مناحى الحياة، وذلك طبقا لما جاء في كتاب «لغز الهرم الأكبر» للدكتور سيد كريم.
وأضاف ريحان، في تصريحات خاصة لـ«المصري اليوم»، أن بناء الهرم كان مشروعًا قوميًا، وأنه وغيره من بيوت العبادة في مصر القديمة نفذت طبقا للقواعد التي أرساها إيمحوتب معبود الطب والهندسة وأول من استعمل الحجر في البناء ووضع نظرياته الإنشائية، وكان العمال يتسابقون طواعية في العمل على قطع الأحجار من المحاجر، ونقلها والاشتراك في أعمال البناء، وتابع ريحان: وقبل البدء في بناء الهرم قامت الحكومة ببناء مدينة للعمال والفنيين وسوقا للتموين ومخبزًا ومخازن للغلال.
وأشار ريحان إلى أن مدينة عمال بناء الهرم تعد أول مدينة عمالية في التاريخ تبنى بطريقة الإسكان الجاهز أو سابق التجهيز حيث تم توحيد نماذج تصميم المساكن لمختلف طبقات العمال والفنيين بتوحيد الأبعاد القياسية والأبواب والشبابيك والأسقف ليسهل تركيبها وفكها وبعد انتهاء بناء الهرم أهديت هذه الوحدات للعمال لتركيبها لهم في قراهم وهو ما وصفه مؤرخو عصر الأهرام بنهضة تعمير القرى.
وشدد ريحان على أنه من خلال نظريات علماء الآثار والمهندسين التي جاءت في كتاب «أسرار الهرم الأكبر» لمحمد العزب موسى، فإن بناء الأهرامات تم عن طريق الجسور أو الطرق الصاعدة ومن علماء الآثار سومرز كلارك وأنجلباك في كتابهما «فن البناء في مصر القديمة»، وإدوارز في كتابه «أهرام مصر»، الذين أكدوا أثريًا على صحة ما ذكره المؤرخ الإغريقى «ديودور الصقلى»، الذي زار مصر 60 – 57ق.م. بأن الهرم بنى بالطرق الصاعدة حيث كانوا يبنون طريقًا متدرج الارتفاع تجر عليه الأحجار ويتصاعد مع ارتفاع الهرم حتى يصل ارتفاعه في النهاية إلى مستوى قمة الهرم نفسها ويلزم في نفس الوقت أن يمتد من حيث الطول وبعد انتهاء بناء الهرم يزيلون هذا الطريق.
وأوضح ريحان أن الأدلة الأثرية تؤكد طريقة البناء بالطرق الصاعدة والدليل على ذلك الهرم الناقص للملك (سخم – سخت) أحد خلفاء زوسر الذي اكتشفه العالم الأثرى زكريا غنيم عام 1953 وهذا الهرم قد أوقف العمل به قبل أن يتم لذلك لم يتم إزالة الطريق الصاعد الذي كان يستخدمه عمال البناء في نقل الأحجار كما عثر على بقايا هذه المنحدرات عند هرم أمنمحات في اللشت وهرم ميدوم كما ذكر عالم الآثار المصرى أحمد فخرى أن الطريق الذي يصعد فوقه زوار هرم خوفو في الناحية الشمالية للهضبة ليس إلا جسرًا مكونُا من الرديم المتخلف عن بناء الهرم وكان يستخدمه العمال لجلب الأحجار ومواد البناء الأخرى ويوجد حتى الآن بقايا طريق صاعد آخر على مسافة طويلة من الجهة الجنوبية وقد أقيمت عليه بعض منازل القسم الغربى من قرية نزلة السمان
واستعرض ريحان لنظرية المهندس الأمريكى أولاف تيليفسين في بحث منشور بمجلة التاريخ الطبيعى الأمريكية بأن الآلة التي استخدمها قدماء المصريين في رفع الأحجار تتكون من مركز ثقل وذراعين أحدهما طوله 16 قدم والآخر ثلاثة أقدام ويتم ربط الحجر في الذراع الثقيل بينما يتدلى من الذراع الطويل ما يشبه كفة الميزان ويضع العمال في هذه الكفة أثقالا تكفى لترجيحها على كفة الحجر وبهذه الطريقة يمكن رفع الأحجار الضخمة إلى أعلى بأقل جهد بشرى ممكن وأقل عدد من العمال وكان هناك عددًا محدودًا من هذه الآلات الخشبية التي يمكن نقلها من مكان لآخر.
وأضاف ريحان أن عالم الآثار إدوارز أكد على أن قدماء المصريين كانوا يبنون جسرًا رئيسيًا واحدًا بعرض واجهة واحدة من الهرم وهى الواجهة الشرقية في هرم خوفو وينقل على هذا الجسر الأحجار الثقيلة أما الجوانب الثلاثة الأخرى فكانت تغطى بمنزلقات وجسور أكثر ضيقا وانحداراً وكانت الجسور الفرعية لنقل العمال والمؤن ومواد البناء الخفيفة.
ولفت ريحان إلى طريقة بناء الأجزاء الداخلية في الهرم كالغرف والسراديب، حيث بنيت بالكامل قبل بناء الضخور الخشنة المحيطة بها، فعند وصول الهرم إلى الحد الذي يلزم فيه بناء سرداب أو غرفة أو ردهة فإنهم ينتهون من هذا الجزء أولا، ويستخدمون في بنائه أحجار جيدة مصقولة سواء من الحجر الجيرى أو الجرانيتى، وبعدها يرتفعون بجسم الهرم حول هذا الجزء الداخلى، ويقيمون فوقه السقف إذا كان مسقوفاً أو يتركون فيه الفتحات اللازمة لمواصلة البناء إذا كان ممراً أو دهليزاً يراد اتصاله بجزء آخر يعلوه، وهذه الطريقة هي التي سمحت بوضع كتل الأحجار الضخمة والتماثيل والتوابيت داخل الغرف، لأن ضخامتها لا تسمح بمرورها من السراديب والدهاليز بعد البناء، مثل الناووس الجرانيتى داخل غرفة الملك والسدادات الجرانيتية الثلاث التي تغلق بداية الدهليز الصاعد والحقائق الأثرية والهندسية السابقة تدحض النظرية المعلن عنها تماما.
وأكد ريحان على أن الحضارة المصرية القديمة هي أول حضارة على ظهر البشرية نشأت مع ظهور إنسان الحضارة منذ عشرة آلاف عام، وهو الإنسان الذي عرف التشريع ونظام المعاملة وسخر الحيوان وسخر الطبيعة لمصالحه المشتركة، وقد عاش هذا الإنسان في وادى النيل منذ عشرة آلاف عام.
ولفت ريحان إلى أن هذا الإنسان الحضارى استخدم الأدوات الحجرية وعرف الزراعة وأنتج المحاصيل ولم يكن يعرف الكتابة وكانت نقوشه على الحجرأقرب للطلاسم السحرية وأشكال الزينة وكانت هذه الحضارة مقدمة لازمة لنشأة الحياة الاجتماعية في أطوار الثقافة والحضارة، وقد عاش هذا الإنسان في عصور ما قبل التاريخ في مصر ثم شرقًا إلى سوريا فالعراق فالهند فالصين فجنوب آسيا فاستراليا فأمريكا.
وأضاف ريحان: المصرى القديم اكتشف الزراعة على ضفاف النيل، ثم اكتشاف المعادن، واستغل المناجم، وقد سجل المصرى القديم معالم حضارته العظيمة كنقوش ضخرية على جدران المعابد والمقابر للتعبير عن الجمال، فأنطق الصخر في شكل منحوتات خالدة، وجمع الفنان المصرى بين تمثال رمسيس الثانى وزوجته المحبوبة نفرتارى في منظر فريد حيث تجلس معه في محراب الخلود في واجهة معبدأبوسمبل.
وردا على أن «أبوالهول» ربما يخفي مدينة سرية بنيت بواسطة حضارة مفقودة أو أن أبوالهول الذي يقع على السطح الرملي المواجه للهرم الأكبر في الجيزة ربما يكون بوابة مغارة من الأنفاق والممرات التي تقود لمدينة تحت الأرض والتي فقدت، قالل ريحان إن «هذا الكلام مجرد فرقعة إعلامية لا علاقة لها بالعلم، ولو كان هذا الكلام علميا لكان البحث شرح كيفية ذلك علميًا».
ومن جانبه، نفى الدكتور الحسين عبدالبصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية ومدير عام آثار الهرم السابق، صحة كلام صحيفة «اكسبرس»، معتبرا أنه كلام «غير علمي ويصدر عن غير متخصصين في الآثار المصرية القديمة، وهدفهم هو إثارة البلبلة وتشويه آثارنا بغرض تحقيق الشهرة في العالم كله وتحقيق الثراء السريع باعتبار أن أبوالهول هو رمز مصر عبر العصور وأشهر وأكبر تمثال في العالم كله وقبلة السياح في كل مكان في العالم».
وأضاف عبدالبصير، في تصريحات خاصة لـ«المصري اليوم»،: تم إجراء الحفائر والدراسات الأثرية من قبل علماء الآثار المصريين والأجانب أمثال الدكتور سليم حسن والدكتور زاهي حواس والدكتور مارك لينر، وقد أكدت أعمالهم كذب هذه الادعاءات الظالمة للحضارة المصرية القديمة. وتابع عبدالبصير: وهذ الكلام ليس جديد وقد تم زعمه من قبل من خلال عدد كبير المهووسين بالأهرامات وأبوالهول والآثار المصرية، وتم الرد عليهم من قبل علماء الآثار المصريين والأجانب. وأوضح عبدالبصير: ومن المعروف أن تمثال أبوالهول نحت في صخرة في منطقة الجيزة في عهد الملك خفرع ابن الملك خوفو من ملوك الأسرة الرابعة في عصر الدولة القديمة أو عصر بناة الأهرام.