x

صلاح منتصر: أنيس منصور أسطورة كتابية.. وما زال لغزاً محيراً

السبت 22-10-2011 17:46 | كتب: ماهر حسن |
تصوير : اخبار

وصف الكاتب الصحفى الكبير صلاح منتصر الراحل أنيس منصور بأنه أسطورة كتابية، وقال: إذا قرأت له لا تريد أن تتوقف وإذا سمعته لا تريده أن يتوقف، هذا هو أنيس منصور، الذى لم يكن كاتباً واحداً، وإنما كاتب متعدد، فلم يقتصر عطاؤه على مجال واحد من الكتابة، بل إنه طرق مجالات أخرى لم يتطرق لها كاتب آخر كالفلك والكيمياء وغيرهما، وتصورى أن أنيس منصور تأثر بأستاذه عباس محمود العقاد فى غير وجه من الوجوه، وبالأخص فى قراءاته، فلقد كان العقاد من الكتاب الذين يبحثون عن الجديد بين الكتب، وليس ما يريد فقط، وعلى ذلك سار أنيس منصور فكان مصاباً بما يمكن وصفه «النهم المعرفى» فى كل المجالات وهو ما حقق له هذا التراكم المعرفى الهائل، كما أن إتقانه ومعرفته أربع لغات هى الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية ساعده على ذلك ووسع أفق قراءاته فى سياق هذا النهم المعرفى».

ويضيف صلاح منتصر للجانب الفلسفى لدى أنيس منصور فيقول: تميز أنيس منصور بتبسيطه الفلسفة حتى صارت فى متناول القارئ العادى، ففى مجال الفلسفة لا يعرف كثير من هذه الطبقة من القراء فلاسفة مصريين كباراً مثل أستاذه الدكتور عبدالرحمن بدوى أو الدكتور زكى نجيب محمود، لكن القارئ العادى يمكنه قراءة كتابات أنيس الفلسفية، ويتواصل معها بسهولة بل يحبها، فضلاً عن أن أنيس قدم الفلاسفة الكبار لجمهور القراء من الأجانب والمصريين، لقد كان أنيس منصور كالنحلة يحلق دون توقف على زهور المعرفة، كما عاش وسط جيل العمالقة مثل العقاد وطه حسين والحكيم وأمثالهم.

أما عن علاقة أنيس منصور بالزعماء بدءاً من عبدالناصر فقال: «إن أنيس كان فى نفسه شىء كثير من عبدالناصر، لأنه كان وراء رفده بسبب كتابات رامزة إلى الديكتاتور، حتى إنه كتب كتابا عنه بعنوان (عبدالناصر المفترى عليه والمفترى علينا) لكن أنيس اقترب من السادات حيث كان السادات لديه انفتاح فكرى وثقافى وإنسانى، فيما كان عبدالناصر يجد فى قراءاته تعويضاً عن العلاقات، ولم يكن وثيق الصلة إلا بالأستاذ هيكل، أما مبارك فكانت مشكلته فى الثقافة، فلم يتحقق ذلك التواصل الحميم بينه وبين أنيس، لكن السادات ربطته به علاقة حميمة، لأنه وجد نفسه مع كاتب رشيق يغذيه بالحكايات، وكان السادات لا يفتح قلبه إلا مع من يستريح معه ويطمئن إليه.

وعن علاقة أنيس منصور بالأستاذ هيكل يقول صلاح منتصر: «كانت علاقة أنيس بالأستاذ هيكل علاقة احترام مهنى رفيعاً وأظن أن الأستاذ هيكل شهد على زواج أنيس منصور.. أما عنه كمهاجم ومقاتل فكان صاحب نصل حاد وقوى الحجة واللغة وعميق الفكرة.. كما كان من أكبر مشجعى الكتاب الشباب حتى إنه كان يفاجىء كثيرين منهم بالكتابة عنهم فى عموده.. وإذا كان هيكل وأنيس كل منهما مشروعاً مستقلاً بذاته فإن كثيرين اعتبروا الأستاذ هيكل رمزاً صحفياً كبيراً، وبعضهم أراد التشبه به، والسير على نهجه، كما أن توجهه السياسى مختلف عن توجه أنيس منصور، ومشروعه الفكرى مختلف تماما، ويمكننى وصف العلاقة المحترمة التى ربطت بينهما أنها كانت أشبه بـ(التطبيع البارد)، وكان هيكل لا ينكر أناقة أنيس منصور وعلى الجانب الآخر لم يكن أنيس يرى نفسه أقل من الآخر حتى إنه كان ينظر لنجيب محفوظ باعتباره مشروعاً روائياً كبير يتعين عليه دراسته وتقييمه.. لكنه أبدا لم يتعال على أحد من أساتذته ولم ينس فضلهم». وعن علاقته بأنيس منصور وكيف ومتى بدأت قال منتصر: «رغم كونى تلميذاً لهيكل منذ تعرفت عليه عام 1953 فيما تعرفت على أنيس بعد ذلك بعام تحديدا فى 1954 عبر صديق مشترك هو حمدى فؤاد، وكان أنيس منصور يغار من هيكل غيرة محمودة، وكان يريدنى أن أبقى معه، وكان أنيس يتعامل معى وكأننى من جيله وكأننى صحفى كبير، وكنت آنذاك مازلت صحفياً شاباً».

ولأن أنيس منصور هو الذى أسس مجلة أكتوبر، وترأس تحريرها، ثم جاء صلاح منتصر رئيساً لتحريرها فلقد كانت المهمة صعبة على منتصر، حيث السؤال ما الذى يمكن أن يضيفه للمجلة بعد أنيس منصور، وفى هذا يقول منتصر: «كان الأمر بالنسبة لى مأزقاً حقيقياً، فالمجلة بدأت على يديه عملاقة، وكانت لدى أنيس منصور القدرة على أن يكتب المجلة من الجلدة للجلدة كما أضفى عليها قدراً كبيراً من التميز عبر لقاءاته بالسادات ما يعنى أننى تسلمت رئاسة تحرير مجلة ناجحة، وخشيت ألا أحقق لها نجاحا مضافا، فكان أول ما قمت به - على سبيل التقدير والعرفان - أن أصدرت أول عدد تحت رئاستى، وتتصدر الغلاف صورة كبيرة لأنيس منصور فيما يشبه الواجب والوفاء وأجريت معه حواراً، ثم سرعان ما حولت المجلة إلى هايدبارك فكرى بحكم نشأتى بين جيل العمالقة، فكتب فيها ناصريون وإسلاميون وأكاديميون، وكل رموز الفكر والسياسة.. وعن التوصيف الذى كان يفضله أنيس منصور يقول منتصر إنه كان يحب وصفه أكثر بالأديب أكثر من الفليسوف، وكان يقول أنا مش زى هيكل سياسى إنما أنا أديب أكتب فى السياسة أحياناً «لقد أسبغ أنيس منصور روح الأدب على كل ما يكتب سواء فى اليوميات أو التاريخ أو الفلك أو السياسة، وبصراحة ما زال أنيس منصور ظاهرة لافتة ومحيرة بالنسبة لى».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية