«كيف حال التعليم اليوم؟» إذا بادرك أحدهم بهذا السؤال، بماذا تجيب؟
أول رد يتبادر إلى الذهن، «قل لي عن أي بلد تتحدث، أقل لك حال التعليم اليوم». فالمؤسسة التربوية هي أكثر مؤسسات أي دولة في التعليم حساسية، وهي مؤشر مهم وخطير لحال تطور البلد أو تراجعه، تعكس أحوال المجتمع ومستقبل أبنائه.
قل لي كيف حال وزارات التعليم والمؤسسات التربوية والهيكل التعليمي، لأستطيع أن أجيبك عن حال التعليم اليوم. قل لي كيف حال المدرسين المؤتمنين على تربية وتعليم الأطفال والشباب، لأقل لك أي مستقبل تنتظر لبلدك، وكيف سيكون حال المجتمع وكل مؤسساته وصناعته وتجارته وسياحته.. فتلاميذ اليوم هم صناع الغد، هم الرجال الذين سينشئون المؤسسات ويديرونها ويشرفون على المصانع ويتعاملون مع الخارج باسم بلدهم. وهم أيضاً من سيتولون شؤون التربية والتعليم في المستقبل، فأي جيل تنشئ أنت الآن لتحصد ثماره غداً؟
حين تعلم أن مدرسة ابتدائية في مدينة سكيبتون بمقاطعة نورث يوركشاير في إنجلترا، تفتح أبوابها كل يوم خصيصاً من أجل طالبة واحدة فقط، وأن طاقمها الإداري والتعليمي يذهب كل صباح إلى عمله ويتمم واجباته على أكمل وجه من أجل طالبة واحدة في الصف السادس، لتتلقى تعليمها دون أي نقصان وتكمل المنهج وكأن الطلبة يشغلون كل المقاعد وبكامل العدد.. حين تعلم ذلك، يصعب عليك حال الطلاب وحال التعليم هنا. ينفطر قلبك على كل طفل يُهان في مدرسته، وتتم معاملته من قبل بعض المدراء أو المدرسين وكأنه عالة عليهم، عبء يريدون التخلص منه بأي شكل.
وتصعب عليك المناهج والمدارس والنظام التعليمي، الذي صار طلابه «متقاعدون» في بيوتهم، لا يذهبون إلى المدرسة إلا نادراً وأيام الامتحانات فقط.
في إنجلترا مدرسة مهددة بالإغلاق لوجود بعض الصعوبات فيها، غادرها طلبتها باستثناء واحدة، ما زالت تذهب إليها كل يوم، وما زال المدرسون يقومون بواجباتهم ويحرصون على تعليمها بما تستحق وكما يفرض عليهم الواجب المهني و«الضمير». فكيف وصل الحال في بعض المدارس في مصر إلى هذا المستوى من «الفقر التربوي»؟ كيف انحدر الحال بالتعليم في كثير من المدارس، ليصير القطاع الرسمي كأنه عالة على الدولة، وكأن الطلاب علل على المدارس؟
كيف نرضى بأن يهان أو يُضرب طفل في الصف الرابع الابتدائي بخرطوم على ظهره في إحدى المدارس، أياً كان الخطأ الذي ارتكبه؟ وماذا نقول عن تلميذ في الصف السادس ابتدائي، ضربه مدير المدرسة (في إحدى القرى) بعصاه فكسر له أصابعه لأنه «خاف من لحية المعلّم»؟
كارثة أن تتحول البيوت إلى مدارس يتلقى فيها الطلاب دروساً خصوصية، وكارثة أكبر أن تكون أساليب التعليم البدائية ما زالت تعشش في أوكار بعيدة عن عيون المسؤولين، وبعيدة عن التحضر والعصر المتطور الذي نعيش فيه، كما هي «دكاكين الدروس الخصوصية» بعيدة عن أي رقابة وضوابط ويشرف عليها مدرسون قد يكون بينهم بعض المتطرفين. عندها من يحمي الطلبة من الأفكار المسمومة التي يزرعونها في عقولهم؟ هل ننتظر لنبكي على أحوال شبابنا ونتساءل من أين جاءهم التطرف والإرهاب؟ لذا إسأل عن حال التعليم اليوم، لتعرف إلى أين يتجه بلدك.