بينما ارتفع صوت رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى، عبر شاشات الفضائيات ممهلا حكومة كردستان ثلاثة أيام، مهددا بوضع المطارات تحت سيطرة القوى العراقية، كان مطار العاصمة الكردية أربيل خاليا من أى علم عراقى، وغطت أعلام الشمس الكردية كل ركن فى المطار.
يسأل موظف الجوازات العابرين عن التأشيرة الكردية وحين أراد أحدهم تنبيهه إلى أنه يحمل تأشيرة بغداد يخبره بنبرة حازمة ووجه متجهم «ما نحتاجها».
كل من بالمطار يطلى الحبر الفسفورى سباباتهم، يرفع موظف شركة اتصالات آسيا يده بعلامة النصر، قائلا بصوت مرتفع يتردد صداه فى أرجاء المكان وبحروف عربية صعبة الخروج على لسان لم يعتد إلا الكردية: «نعم صوت للاستفتاء، نريد أن نكون دولة، أليس من حقنا؟».
ستخرج إلى الشارع لتجد مهرجان أعلام الشمس الضخمة يمتد على طول البصر، فقط بعض المؤسسات الحكومية مثل البرلمان ووزارة العدل فى وسط أربيل يتوارى علم عراقى صغير خلف علمين ضخمين لكردستان.
سوف يتجاهل الجميع الأصوات الرافضة للاستفتاء من الداخل ويركزون فى ملامحك أو لهجتك إن حملت لمحة عربية سيلاحقك السؤال من الجميع: «لماذا يحارب العرب حقنا فى أن يكون لنا دولة؟!».
وقف الشاب الكردى أمام لجنته الانتخابية متحمسا وسط أقرانه، هاتفا مع الاستفتاء رفع يده اليسرى وبها بطاقة هويته وجنسيته وبطاقة قيادة سيارته، كل شىء يحمل اسم العراق فى حافظة نقوده، وبيده اليمنى أشعل النار فى أوراقه وصرخ بطريقة حماسية «ما بدى مال كردستان»، ولكنه فوجئ حين دخل لجنته أنه لن يستطيع أن يدلى بصوته دون هذه الأوراق.
قررت «زريان»، 28 سنة، ناشطة بالمجتمع المدنى من السليمانية، هى ومجموعة شباب أن تذهب إلى الاستفتاء وتصوت بـ «لا»، تؤكد «زريان» أنها كردية من إحدى أعرق العائلات التى بنت السليمانية، تقول: «الناس هنا فى السليمانية غاضبة من الحكومة بسبب تأخير معاشاتهم لأن الوضع الأمنى والاقتصادى والسياسى كله مخربط بالعراق، وبعضهم يحمل البرزانى مسؤولية معاناتهم الاقتصادية، أما أنا فقلت لا، لأنى لا أحب الحدود بين البشر، فلى أصدقاء ببغداد فلماذا لا أستطيع زيارتهم وقتما أشاء، إذا ما أصبحنا دولتين، أعتقد أن الموضوع توقيته الآن غير مناسب، فلدينا أكراد فى سوريا وإيران وتركيا غير محررين حتى الآن، إلى الآن غير موافقة على هذه الخطوة».المزيد
بلغة عربية لم تصمد كثيرا أمام رغبته فى إكمال حواره بالتركمانية مع وجود مترجم، تحدث آيدين معروف سليم عضو المكتب السياسى بالجبهة التركمانية بالعراق ونائب إقليم كردستان، إلى «المصرى اليوم» قائلا: «الجبهة التركمانية تمثل حزبا مهما من أحزاب الشعب التركمانى نحن لسنا مع الاستفتاء فى هذا الوقت لأنه ليس مطابقا لمبادئ الدستور العراقى ولهذا السبب يوجد فى العراق مشاكل أكثر خاصة فى المناطق المتنازع عليها فى كركوك والمناطق الأخرى، إلى جانب ذلك ما زالت خطورة (داعش) على مناطق كثيرة فى العراق فلذا لم نشارك بالاستفتاء وأعلنا رفضنا ومقاطعتنا التامة له».المزيد
رابو معروف برلمانى كردى، أسس ومجموعة من البرلمانين والإعلاميين والمثقفين رابطة ضد الاستفتاء باسم «كلا حاليا» اعتراضا على توقيت الاستفتاء ويقول «معروف»: «وقفنا ضد هذا الاستفتاء لأننا نعتقد لن يؤدى للخير والمصالح العليا لشعبنا الكردستانى بل بالعكس كلنا نعتقد بأن هذا التصرف سيؤدى إلى حالة من التشنج السياسى والمشاكل العسكرية مع بغداد بالإضافة إلى مشاكل أخرى عديدة مع دول الجوار كإيران وتركيا وسيكون نوعا من التحدى ضد مصالح الأمن القومى للولايات المتحدة الأمريكية وللاتحاد الأوروبى وبريطانيا».المزيد
يقول روميو هيكارى، العضو السابق فى برلمان كردستان ممثل المسيحيين (كلدان سريان أشوريين) فى المجلس الأعلى للاستفتاء، إن المسيحيين جزء مهم وشعب أصيل من الإقليم أرضا وشعبا، ويضيف: «هنا عاش أجدادنا منذ 7 آلاف سنة فى الإمبراطورية الآشورية، أى تغيير يطرأ على النظام السياسى والإدارى يتم اتخاذه بالإقليم يؤثر على باقى المكونات الأخرى، لذلك نحن أمام عملية تغيير كبير استفتاء كمرحلة أولية نحو الاستقلال ونحن نطالب بالحكم الذاتى واستطعنا أن نثبته فى المادة 35 من دستور الإقليم ولكن الإقليم الآن يتحول إلى شىء ذى سقف أعلى لذا فقد أصبح ثقف طموحاتنا أعلى أيضا».
ويشرح «هيكارى» كيف اقتنع ممثلو القوميات الأخرى غير العرب والأكراد بالمشاركة فى الاستفتاء فيقول: «إننا ممثلون فى 10 أحزاب وقعنا على مذكرة مطالب بها 16 بندا تحدد آليات سير مستقبل شعبنا فى الإقليم المستقبلى، وتشمل هذه المطالب أن شعبنا متمثلا فى الإيزيدى والتركمانى والآشورى المسيحى».المزيد
تصف إيفان دخيل عضو مجلس النواب العراقى عن سنجار، وممثلة الطائفة الأيزيدية فى لجنة الاستفتاء، الاستفتاء بأنه «مسألة حياة أو موت»، وتقول: «فبعد ما حدثت لهم من فظائع فى عام 2014 على يد «داعش»، ثم جاءوا إلى كردستان وتمت حمايتهم وتقديم كل الخدمات لهم فإنهم يرون أنهم ينتمون لهذه المنطقة، مع ضمان الانضمام للإقليم، وأن يكون لمنطقة سنجار إدارة ذاتية وهى تابعة لكردستان».
وعن السبب وراء حماسها للاستفتاء تقول «إيفان»: «نحن لم نجرب إلا إدارة بغداد لمنطقتنا، وسنجار كانت إدارياً تابعة للموصل ضمن المناطق المتنازع عليها، وحاولنا كثيراً ومراراً، وأنا من سنجار ولى 7 سنوات فى البرلمان، وفى أعوام 74، و75، و76 قامت حكومة بغداد بهدم قرى أيزيدية كاملة على حافة الجبل، وجمعوا كل 10 أو 20 قرية فى مجمعات كاملة وقاموا بتغيير أسماء قراهم الكردية إلى أسماء عربية، مثل مجمع القادسية، ومجمع الوليد، وكان ممنوعاً على أى أيزيدى أن يمتلك منزله، وإلى الآن كل الأيزيديين بهذه المناطق لا يمتلكون سند ملكية لبيوتهم التى فُرض عليهم أن تكون مسقوفة بحصير وخشب، وأحاطوهم بقرى عربية لم يكن لها وجود قبل ذلك».المزيد
أحد أهم المساندين للاستفتاء هو حزب التنمية التركمانى ممثلا فى رئيسه محمد إيلخانى، الذى وقف ضد الجبهة التركمانية، وعن تطور فكرة الاستفتاء يقول إيلخانى «فى البداية لم تكن توجد هناك نية فى إجراء الاستفتاء منذ البداية فبعد سقوط نظام صدام جاءت حكومة جديدة فى العراق وتم الاتفاق على أن يتم تأسيس نظام ديمقراطى فيدرالى فى العراق يكون فيه جميع حقوق الأقليات والقوميات، كنا نأمل نحن كقوميات عراقية أن تحل المشاكل بين كردستان والعراق وتتم المصالحة بينهما فمنذ سقوط الدولة العثمانية وهناك مشاكل بين هذه البقعة الجغرافية المسماه كردستان مع االعراق».
ويتابع «إيلخانى» حديثه عن تاريخ المشكلات بين الإقليم وبغداد، فيقول «المشاكل القائمة بينهما هى نفسها المشاكل المتواجدة من قبل عام 2003، بل زاد عليها قطع رواتب الإقليم منذ عام 2014، وهو ما ترتب عليه قيام الإقليم ببيع نفطه للعالم عبر تركيا، فكيف للموظف أن يقبض 25% من راتبه، الشعب فى كردستان بات يعانى، ونحن كأحزاب علينا أن ننصاع لمطلب الشعب الذى شارك منه 75% فى الاستفتاء، منهم أكثر من 92% صوتوا بنعم للاستفتاء».المزيد
1- 1918 ـ 1919 انتفاضة الشيخ محمود الحفيد البرزنجى الأولى
عقب انهيار الدولة العثمانية وتوزيع إرثها بدأ ترسيم حدود كل دولة، وطالب الزعيم الكردى محمود البرزنجى بدولة للأكراد لكن الإنجليز رفضوا.
2- أغسطس عام 1920 معاهدة سيفر وإقرار حق الأكراد فى إقامة دولة.
3- نوفمبر 1922 محمود الحفيد البرزنجى يعلن نفسه ملكاً على كردستان من السليمانية
أعلن محمود الحفيد البرزنجى نفسه ملكاً على كردستان من السليمانية، وأرسل إلى القنصل السوفيتى فى أذربيجان رسالة يطلب مساعدة بلاده والاعتراف بحقوق الكرد القومية، ولكن البريطانيين هاجموا السليمانية وتمكنوا من القضاء على نفوذ الحفيد عام 1924، وإجباره على الانسحاب إلى الجبال ليخوض حرب عصابات استمرت إلى عام 1927، ثم توجه إلى إيران حيث أقام فيها.
4- 1923 معاهدة لوزان وإلغاء بنود معاهدة سيفر للأكراد حيث رفض الإنجليز حق الأكراد فى إقامة دولة.
5- 1943ـ 1945 ثورة برزان فى كردستان العراق بقيادة مصطفى البارزانى
6- 1946 التحاق مصطفى البارزانى بقيادة أول دولة كردية فى مهاباد بإيران
استغل قاضى محمد ظروف ضعف الحكم فى طهران ووجود القوات السوفيتية فى الأراضى الإيرانية ليعلن يوم 22 يناير 1946 قيام ما عرف بجمهورية كردستان الديمقراطية بالوصف الكردى، وانتخب رئيساً لها.
7- 14 يوليو 1958 الثورة العراقية
نصَّ الدستور المؤقت للثورة فى المادة الثالثة منه على أن «العرب والأكراد شركاء فى هذا الوطن، ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية»، وهى خطوة لم تكن موجودة فى القانون الأساسى.
8- 1961 -1975 الثورة المسلحة للبارزانى
بدأ الملا مصطفى البارزانى عام 1961 حركته المسلحة ضد الرئيس العراقى عبدالكريم قاسم التى استمرت هذه المرة ١٤ عاماً متصلة رغم تغير الوجوه والنظم الحاكمة فى بغداد.
9- 1975 تأسيس حزب الاتحاد الوطنى الكردستانى
أسس الطالبانى فى دمشق- التى منحته جواز سفر دبلوماسياً- حزبه الحالى الاتحاد الوطنى الكردستانى بعد قليل من انهيار قوات البشمركة وخروج الملا مصطفى من العراق إثر اتفاق الجزائر بين العراق وإيران.
10- بداية الحركة المسلحة لطالبانى ضد الحكومة المركزية 1976.
11- عام 1988 مذبحة حلابجة واتهام الطالبانى بالتعاون مع إيران
مدت أصابع الاتهام تجاه الطالبانى بالتعاون مع القوات الإيرانية خلال الحرب مع العراق فى حقبة الثمانينيات من القرن الماضى، وقد تعرضت قواته لانتكاسة بعد عام 1988 مع نهاية الحرب وسيطرة الجيش العراقى على كردستان بعد مذبحة حلابجة وضربها بالكيماوى.
12- 1992 الطالبانى يؤسس إقليمه فى السليمانية
أسس الطالبانى لنفسه إقليماً وحكومة فى السليمانية منذ انسحاب الإدارة المركزية من كردستان عام 1992، لكنه دخل فى صراع نفوذ على المنطقة مع مسعود البارزانى.
13- 1994- 1996 فترة حرب السلطة بين طالبانى وبارزانى
خاض مسعود بارزانى وجلال طالبانى حرباً ضروساً منذ عام 1994، وكادت قوات طالبانى تقضى على قوات مسعود تماماً بعد أن دخلت معقله فى أربيل عام 1996، لولا أن الأخير استنجد بالرئيس الراحل صدام حسين الذى أرسل قوات طردت مقاتلى طالبانى الذين هربوا مع زعيمهم إلى إيران.
١٤- 2005 جلال طالبانى رئيساً مؤقتاً للعراق
كانت تربط طالبانى علاقات جيدة مع الأمريكيين قبل غزو العراق وبعده، ثم اختير رئيساً مؤقتاً للعراق ربيع عام 2005.
١٥- يونيو 2005 انتخاب مسعود بارزانى أول رئيس للإقليم
فى 12 يونيو 2005 انتخب مسعود بارزانى أول رئيس لإقليم كردستان من قبل المجلس الوطنى الكردستانى العراقى.
١٦- 25 مايو 2009 بارزانى رئيساً للإقليم للمرة الثانية
١٧- إبريل 2006 انتخاب طالبانى رئيساً للعراق
تم انتخاب جلال طالبانى من قبل مجلس النواب لرئاسة جمهورية العراق لمدة أربع سنوات فى أبريل 2006.
١٨- 2013- 2014 تصاعد الأعمال الطائفية وظهور تنظيم الدولة
تصاعدت الحوادث الطائفية واستطاع تنظيم الدولة الذى عرف بـ«داعش» السيطرة على أراضٍ شاسعة من الدولة العراقية، ما حدا ببارزانى لإعلان عزمه إجراء استفتاء للانفصال.
١٩- يناير 2014 المالكى يقرر قطع الميزانية عن إقليم كردستان
منع المالكى حصة 17% من الميزانية العراقية مخصصة للإقليم.
٢٠- يوليو 2014 بارزانى يعلن عزمه إجراء استفتاء الاستقلال رداً على قطع المالكى ميزانية الإقليم.
٢١- أغسطس 2014 العبادى رئيساً للوزراء بالعراق وتأجيل الاستفتاء
مع خروج نورى المالكى من الحكم وتولى حكومة عراقية جديدة بقيادة حيدر العبادى مقاليد الأمور فى بغداد تحسنت العلاقات بين بغداد وأربيل، حيث اتفق الطرفان على العمل معاً لهزيمة العدو المشترك وهو «تنظيم الدولة»، وتم إرجاء الاستفتاء على الاستقلال.
٢٢- 25 سبتمبر 2017 إجراء بارزانى الاستفتاء على انفصال كردستان
أجرت حكومة الإقليم الاستفتاء فى 25 سبتمبر 2017 رغم تحذيرات الحكومة العراقية ودول الجوار، وبعض القوى العظمى، وكانت نتيجته 92.7% صوتوا بـ«نعم» لاستقلال كردستان عن العراق.
٢٣- 26 سبتمبر 2017 البرلمان العراقى يقرر إغلاق المنافذ الحدودية مع كردستان
قرر البرلمان العراقى إغلاق المنافذ الحدودية مع إقليم كردستان عقب إجراء الاستفتاء على الانفصال، كما صوَّت البرلمان على سلسلة من الإجراءات الأخرى رداً على تنظيم استفتاء إقليم كردستان، منها:
■ إعادة نشر القوات العراقية فى كافة المناطق التى سيطر عليها الإقليم.
■ إيقاف رواتب كافة موظفى الدولة الذين شاركوا فى الاستفتاء.