«القراءة المنصفة للتعديلات تخلص إلى أنها تؤدى بالحتم واللزوم إلى تغيير دستورى شامل يسلمنا إلى دستور جديد خلال أقل من عام»، هكذا دافع المستشار حاتم بجاتو، مقرر لجنة التعديلات الدستورية، ورئيس هيئة المفوضية فى المحكمة الدستورية العليا، عن التعديلات الدستورية، قبل 24 ساعة من التصويت على الاستفتاء، وتمسك بجاتو، فى حواره مع «المصرى اليوم» بصحة الموقف القانونى للمواد المطروحة فى الاستفتاء، ورأى أن الخلاف حول التعديلات خلاف سياسى أكثر منه قانونى.. وفيما يلى نص الحوار:
■ هناك تساؤل عريض فى الشارع.. لماذا تم اختيار المواد التى خضعت للتعديل من بين كل مواد الدستور المعيبة؟
- ببساطة، لأنه لم يكن المطلوب هو تغيير بنيان الدستور، لكن كان المطلوب تمهيد الطريق للشعب لاختيار مؤسساته اختيارا دستوريا ديمقراطيا نزيهًا، بحيث يعبر الدستور تعبيرا حقيقيا عن إرادة من توجه للإدلاء بصوته فى أى انتخابات مقبلة، ومن خلال مجلسى الشعب والشورى والرئيس المنتخب بشكل ديمقراطى إلى أقصى حد ممكن، يتم وضع دستور جديد للبلاد، ولذلك نحن أخضعنا المواد التى تضمن اختيار مؤسسات برلمانية ورئاسية على نحو ديمقراطى نزيه يؤدى فى النهاية للتعبير عن إرادة الناخبين الذين توجهوا للانتخاب، بحيث ينتخب البرلمان الجديد جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد، بشكل يضمن انتقالاً سلمياً للسلطة وتغييراً دستورياً سلمياً فى أقل من عام.
■ لماذا لم تتناول التعديلات صلاحيات الرئيس المتنامية، ألم تكن هى الأولى بالتعديل؟
- نحن لم نرد أن نفرض وجهة نظرنا كلجنة مكلفة من القوات المسلحة على عموم الشعب فى أمور تتصل بصلب الدستور وبنيانه، إن تطرقنا إلى صلاحيات الرئيس يعنى الفصل فى الشكل المختار لحكم الدولة، وكان سيدخلنا فى متاهات من نوع هل يصبح شكل الدولة، رئاسياً أم برلمانياً، وهذا يعنى تدخلنا للتغيير فى صلب الدستور، يعنى «لما الرئيس له صلاحيات، نعطيها لمن؟»– يتساءل بجاتو -، هل لرئيس الوزراء أم مجلس الشعب؟، لأنه لابد أن «كل سلطة ننزعها من الرئيس نسندها لجهة أخرى»، وإذا قمنا بهذا التحديد سنتدخل فى فلسفة الدستور، ونستأثر بتعديل صلبه، ونحن أردنا أن تتم هذه العملية بمشاركة أكبر قطاع ممكن من الشعب عن طريق جمعية وطنية منتخبة، وليس عن طريق لجنة بالتعيين أيا كان أعضاء هذه اللجنة.
والأهم من ذلك أن الدستور معطل بحكم الإعلان الدستورى للمجلس العسكرى المنشور فى الجريدة الرسمية ثانى أيام تنحى الرئيس مبارك، أى أن المواد التى أعطت للرئيس سلطات واسعة هى مواد معطلة، ولن تعود إليها الحياة بعد إقرار التعديلات، لأن من يقول «نعم»، فهو يوافق على المواد التى خضعت للتعديل ليس إلا، ويقول نعم لانتقال سلمى للسلطة ودستور جديد عن طريق جمعية منتخبة.
■ البعض يتخوف من أن المادة 189 بعد التعديل تقول إن لرئيس الجمهورية ومجلس الشعب طلب تغيير مادة أو أكثر من الدستور ولا تلزمهم بتعديل الدستور؟
- غير صحيح، لأن هذه المادة تشترط موافقة رئيس الوزراء ونصف أعضاء مجلس الشعب على أى طلب تعديل فى الدستور من الرئيس، ثم الأهم أن المادة 189 مكرر من التعديلات الدستورية الجديدة تجبر مجلسى الشعب والشورى القادمين على تغيير الدستور خلال 6 أشهر على الأكثر من انتخابهم، من خلال اختيار جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، وهذه المادة أيضاً، تجبر رئيس الجمهورية الجديد على أن يعلن خلال 15 يوماً عن طرح الدستور الجديد لاستفتاء عام بعد الانتهاء من صياغته من الجمعية التأسيسية، وفى هذا ميزة أخرى، هى أن الرئيس ليس من سلطاته إطلاقاً التدخل أو تعيين أى من أعضاء الجمعية الوطنية لتأسيس الدستور، بل من سلطة الأعضاء المنتخبين من مجلسى الشعب والشورى، ولذلك فالتعديلات لا تعطى للرئيس أى حق فى التدخل فى تعديل الدستور.
■ فيما يخص الجمعية التأسيسية، هناك تخوف من سيطرة الكتلة الأكبر فى مجلسى الشعب والشورى على أى قرار يخص تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور؟
- هذا خلاف سياسى وليس قانونياً ولا شأن للعملية الدستورية به، ثم إنه فى أى نظام سياسى، فإن الكتلة الكبرى من الطبيعى أن تكون الأكثر تمثيلا فى البرلمان والجمعية التأسيسية، لأن هذه الكتلة جاءت من الشعب وعن طريق إرادته، بمعنى إذا قرر 40 مليون ناخب أن يختاروا حزبا ما، أليس من حق هذه الملايين أن يكون ممثلوهم هم من لهم أكبر فرصة فى اختيار وتشكيل الجمعية الوطنية التى تؤسس للدستور، وهذه هى روح الديمقراطية، ثم أليس الانتخاب أفضل من تعيين الرئيس لجمعية أو لجنة لتعديل الدستور، كما أن هناك قضية أخرى مهمة، هى أن الدساتير لا تفصل طبقا لوضع سياسى قائم، فهناك قوى ترى أنها تحتاج وقتا معينا لتنظيم نفسها، ولا مانع فى ذلك، لكن هذه ليست مشكلة الدستور، ومنح الوقت لأن البعض يرى أنه ضعيف بالشارع ليس اختصاصى شخصيا أو من اختصاص اللجنة المكلفة للتعديل، بل مسألة يقررها الشعب والمجلس العسكرى، ولا علاقة للدستور بها.
■ بماذا تفسر أن أغلب فقهاء القانون وأساتذة القانون الدستورى والجمعيات العمومية للقضاة رفضت التعديلات؟
- بحسب علمى وأنا متابع جيد لهذه المواقف، لم تجتمع أى جمعية عمومية لأى هيئة قضائية ولم يصدر من أى منها رفض للتعديلات بصورة جمعية، بل على العكس، التعديلات تحظى بدعم عموميات القضاء.
■ منطق الثورة يقول إن الشرعية الثورية أسقطت الدستور وإن ما يتم هو ترقيع؟
- أنا مختلف تماما معك فى هذا الطرح، لأن الدستور معطل ولم يسقط، والتاريخ يقول إن ثورة 1952 عطلت الدستور لفترة إلى أن استقرت الأوضاع، ثم أصدرت دستورا جديدا ولم تسقطه، فالدساتير تظل موجودة حتى تسقطها قرارات السلطة التى تدير الأمور، وهى هنا القوات المسلحة، وهى عطلته ولم تسقطه بإعلانها الدستورى فى 13 فبراير، وبالتالى ما يحدث ليس ترقيعًا، وإنما هو تعديل بمثابة إعلان دستورى مؤقت، والدستور المعطل لن تعود إليه الحياة إطلاقا، وما سيحدث فى حالتى التصويت بنعم أو لا هو أن الجيش سيعلن إعلانا دستوريا مؤقتًا فى الحالتين يرتب لأوضاع المرحلة القادمة طبقا لنتيجة الاستفتاء.
■ هل ترى أن أصل الخلاف حول التعديلات قانونى أم سياسى؟
- أعتقد أنه فى جزء منه قانونى وفى أغلبه سياسى، والشق القانونى يتعلق بقضية ما إذا كان الدستور قد أسقط أو تم تعطيله، وهل التعديلات بشكلها الحالى كافية أم لا، لكن الجزء الأكبر من الخلاف سياسى، ومن يقل إن التعديلات لا تؤدى لتغيير دستورى أو ستدخلنا فى حالة فراغ، فهذا موقف سياسى بالدرجة الأولى، وأنا قاض مهمتى ليست التدخل فى السياسة، لأن القارئ المنصف للتعديلات الدستورية سيخلص إلى أنها ستؤدى بالحتم واللزوم إلى تغيير دستورى شامل، يسلمنا إلى دستور جديد فى ظل سلطة مدنية منتخبة، لذلك أعتقد أن الجزء الأكبر من الموقف المضاد للتعديلات يعبر عن خلاف سياسى يتعلق بجاهزية مختلف الأطراف لاستحقاقات العملية الديمقراطية، وأنا لا أتدخل فى الخلاف السياسى، وما يحسمه هو الشارع والأصوات الانتخابية وليست الدساتير وتعديلاتها، وتكوين اللجنة لم يكن تكوينًا سياسيا بل فنى.
■ لكن أحد أعضائها «صبحى صالح» عضو فى جماعة الإخوان المسلمين؟
- لم تتم دعوة صبحى صالح باعتباره عضوًا فى جماعة الإخوان المسلمين، بل لكفاءته القانونية كمحام فى النقض وعضو مجلس شعب سابق، وخبرته القانونية محل تقدير من الجميع ولا ينكرها أحد، ثم إن فى اللجنة عضواً قبطياً هو المستشار ماهر سامى يونس نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، فاللجنة ذات تشكيل فنى بحت.
■ ماذا لو جاءت نتيجة التصويت على التعديلات بـ«لا»، ما هو الموقف الدستورى للدستور المعطل؟
- الموقف الدستورى حسمته القوات المسلحة، وعبرت عنه باعتبارها السلطة التى تدير البلاد، وجاء ذلك على لسان اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع، وعضو المجلس العسكرى بأن هناك إعلانا دستوريا سيصدر فى حالة التصويت بنعم أو بلا، وطبقا لمقتضى كل وضع، وليس لى علم بطبيعة هذا الإعلان الدستورى، لأنه لم تتم دعوتى لصياغته، وبحسب علمى لا أعرف ما إذا تمت دعوة آخرين لهذه المهمة أم لا.
■ هناك مسألة غير واضحة لدى رجل الشارع العادى تتعلق بمن قرر أن يقول «نعم»، هل يعنى ذلك موافقته على كل المواد التى نص عليها الدستور المعطل؟
- إطلاقاً.. التصويت بـ«نعم» يعنى الموافقة على التعديلات المطروحة فقط، أى الموافقة على تعديل 8 مواد وإلغاء مادة وإضافة مادتين، ولا عودة للدستور المعطل فى أى حال من الأحوال، ومن يقول نعم يعنى موافقته على انتقال سلمى للسلطة، يقود إلى تغيير شامل فى الدستور، وأنه يوافق على انتخابات حرة بضمانات رقابية من القضاء ورئيس منتخب بمدة محددة غير قابلة للتكرار إلا مرة واحدة فقط.
■ البعض يرى أن حرمان مزدوجى الجنسية من حق الترشح للرئاسة يطعن فى دستورية هذه المادة، ويحرم قطاعاً عريضاً من المصريين من حقهم الشرعى فى الترشح للمنصب الرفيع؟
- أولاً النص فى مادة داخل الدستور يحصنها من مبدأ عدم الدستورية، وبالتالى لا يمكن الطعن على هذه المادة بعدم الدستورية، لكن أنا لن أستند إلى هذا المبدأ، بل دعنا ننظر إلى ما استقرت عليه دساتير العالم، مسألة «نقاء العنصر» أمر مستقر لدى هذه الدساتير، لأن أغلبها يشترط ذلك فى الأب وبعضها يزيد إلى أن يكون المرشح ابنا وحفيدا لحامل جنسية وطنه، أو أن يستقر فى الوطن 14 سنة متتالية، ثم كيف لشخص يحمل الجنسية الأمريكية وأقسم على التخلى عن أى ولاء لغير أمريكا أن يترشح لرئاسة مصر، ولا تنس أن هناك 30 ألف مصرى متزوج من إسرائيليات، فكيف يمكن لابن من أم إسرائيلية أن يترشح لرئاسة مصر فى يوم من الأيام، مع العلم أن الولد فى الشريعة اليهودية يكتسب الديانة من أمه، ثم ما المانع أن يخدم مزدوج الجنسية وطنه فى أى موقع آخر غير منصب الرئيس، النص الدستورى يوضع لسد الذرائع، وليس موجها ضد أشخاص بعينهم، ثم هل عجزت مصر أن توجد رئيسا لها خالص العنصرين، أنا أرى أن التمسك بهذه المادة هو من دافع وطنى يجب البقاء عليه فى الظروف التى تمر بها مصر فى هذه المرحلة التاريخية.
■ ما ضمانة عدم العدول عن رغبة الشعب المصرى فى دستور جديد بعد قيامه بهذه الثورة العظيمة؟
- الضمانة الرئيسية هو الجيش المصرى الوطنى الذى لم يطلق رصاصة واحدة ضد هذا الشعب منذ نشأته على يد محمد على باشا، وأثبت ولاءه للشعب الذى خاض لأجله حروبا عديدة، وهو يوفى كل يوم بالتزاماته ويقدر دماء الشهداء، ورغبة المصريين فى عهد جديد من الحريات السياسية والاجتماعية طال توقهم إليها.