تستعد ثورة الياسمين التونسية لدخول مرحلة حاسمة قد تمثل نقطة تحول كبرى فى تاريخ البلاد إما نحو عهد جديد من الديمقراطية وتداول السلطة بعد 23 عاما من حكم سادته أوجه الديكتاتورية والفساد السياسى، أو خروج الثورة خالية الوفاض من أى نتائج مثمرة تتعلق بسيادة دولة القانون، وإقامة المؤسسات السياسية القوية، وشيوع الحرية والكرامة اللتين اشتعلت الثورة من أجل إرسائهما.
تبدأ المرحلة المقبلة من نقطة يوم 23 أكتوبر الجارى عندما يتوجه الناخبون التونسيون إلى صناديق الاقتراع فى أول انتخابات عامة تخرج من رحم «ربيع الثورات العربية» ليختار رجل الشارع ممثليه فى الجمعية التأسيسية الجديدة، التى ستصوغ دستورا جديدا، وتعين حكومة انتقالية جديدة حتى موعد إجراء انتخابات جديدة تنبثق عنها حكومة دائمة.
وتكتسب هذه الانتخابات أهميتها من واقع الصلاحيات غير المحدودة، التى ستحظى بها الجمعية التأسيسية فى صياغة مستقبل تونس السياسى، فضلا عما يفوز به هذا الحدث من اهتمام كبير من قبل المراقبين خارج تونس والبلدان العربية الأخرى، التى تتطلع إلى إقامة أنظمة ديمقراطية، وترى فى النموذج التونسى قدوة يحتذى بها.
وتتولى الجمعية التأسيسية صياغة دستور جديد لتونس فى غضون عام تتمتع خلاله بالحرية الكاملة فى تقرير كيفية صياغة الدستور وإذا ما كان سيطرح بعد ذلك لاستفتاء شعبى أم لا ، ومن المنتظر أن تعين الجمعية التأسيسية أيضا حكومة لإدارة شؤون البلاد خلال مدة انتخابها.
ويختار الناخبون التونسيون 217 عضواً فى الجمعية التأسيسية إذ يتنافس المرشحون على 199 مقعدا فى 27 دائرة انتخابية داخل تونس و18 مقعدا فى 6 دوائر للمغتربين التونسيين حول العالم، وطبقا لنظام التمثيل النسبى حدد كل حزب سياسى مسبقا حجم مشاركته من خلال ترتيب مرشحيه، الذين سيخوضون الانتخابات فى كل دائرة على أن يكون نصف المرشحين فى كل قائمة من النساء.
ويعتبر الإسلاميون أكثر اللاعبين خطورة عند المنافسة على مقاعد الجمعية، ويسعون إلى استغلال الظرف السياسى الراهن، للصعود إلى السلطة العليا، وبالتالى ظهر حزب النهضة على مسرح الأحداث، الذى يحظى بشبكة دعم واسعة، ويتمتع بشعبية كبيرة مقارنة بالأحزاب التونسية الأخرى، ومن ثم تسود التوقعات بفوزه بغالبية المقاعد، وهو الحزب الذى كان محظورا أثناء فترة حكم بن على، وعاد زعيمه راشد الغنوشى مؤخرا إلى تونس بعد 20 عاما فى المنفى قضاها فى بريطانيا ليعلن أن حزبه «يحترم الديمقراطية والحداثة، ويحاول التوصل إلى مواءمة وتوازن بين الحداثة والإسلام».
ويواجه «النهضة» معركة شرسة متوقعة أمام الحزب الديمقراطى التقدمى، وهو أكثر الأحزاب العلمانية تنظيما، وكان ضمن الأحزاب القليلة المعترف بها قانونا فى عهد بن على، ويتولى مؤسس الحزب وزعيمه الروحى «نجيب الشابى» منصب وزير التنمية الجهوية والمحلية فى الحكومة الانتقالية بتونس منذ يناير الماضى، بينما بدأ حزب التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات وهو حزب ديمقراطى اجتماعى - يكتسب شعبية فى الأسابيع القليلة الماضية، وصنفته استطلاعات الرأى على أنه أصبح بنفس الشعبية التى يحظى بها «الديمقراطى التقدمى»، ويتزعم هذا الحزب مصطفى بن جعفر الذى تولى لفترة وجيزة منصب وزير الصحة. وعلى ضوء هذه التحديات، حذر زعيم الإسلاميين «الغنوشى» من «عواقب أى تزوير أو تلاعب بنتائج الانتخابات» مهددا بنزول أنصاره إلى الشارع، وقال فى مؤتمر صحفى الاربعاء «هذه المرة سيمثل التزييف كارثة حقيقية إن وقع، وسيكون خيانة للثورة وعندئذ سننضم إلى قوى الثورة لتصحيح المسار».
ويشارك مراقبون فى داخل تونس وخارجها فى مراقبة الانتخابات لأهميتها، والاعتقاد الواسع بأن هناك خروقات تخللت العمليات الانتخابية السابقة. وحول رد الفعل فى الشارع التونسى، سيطرت مشاعر القلق على المواطنين فى مدينة سوسة، خوفا من المستقبل المجهول، وبدا بعض السكان مترددين فى اختيار القائمة، التى سيصوتون لها فى انتخابات الأحد التاريخية ، وقال محمد (62 عاما) وهو متقاعد: «لم نكن نتوقع الثورة.. وفى السابق كان بن على يحصل على 99.9% هنا وحتى الأموات كانوا يصوتون واليوم صدقا نحن ضائعون بعض الشىء».